موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

الذخائر والأعلاق في شرح ترجمان الأشواق

للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

تحقيق الدكتور محمد حاج يوسف

وهنا قصائد ترجمان الأشواق دون شرح

 

 


14- القصيدة الرابعة عشر وهي سبعة أبيات من البحر الطويل

وقال رضي الله عنه:

1

رَأَى الْبَرْقَ شَرْقِيًّا، فَحَنَّ إِلى الشَّـرْقِ،

***

وَلَوْ لَاحَ غَرْبِيًّا لَحَنَّ إِلى الْغَرْبِ

2

فَإِنَّ غَرَامِي بِالْبُرَيْقِ وَلَـمْحِهِ

***

وَلَيْسَ غَرَامِي بِالْأَمَاكِنِ وَالتُّرْبِ

3

رَوَتْهُ الصَّبَا عَنْهُمْ حَدِيثاً مُعَنْعَناً

***

عَنِ الْبَثِّ عَنْ وَجْدِي عَنِ الْحُزْنِ عَنْ كَرْبِي

4

عَنِ السُّكْرِ عَنْ عَقْلِي عَنِ الشَّوْقِ عَنْ جَوىً

***

عَنِ الدَّمْعِ عَنْ جُفْنِي عَنِ النَّارِ عَنْ قَلْبِي

5

بِأَنَّ الَّذِي تَهْوَاهُ بَيْنَ ضُلُوعِكُمْ

***

تُقَلِّبُهُ الْأَنْفَاسُ جَنْباً إِلَى جَنْبِ

6

فَقُلْتُ لَهَا: بَلِّغْ إِلَيْهِ بِأَنَّهُ

***

هو المُوقِدُ النَّارَ الَّتِي دَاخِلَ الْقَلْبِ

7

فَإِنْ كَانَ إِطْفَاءٌ، فَوَصْلٌ مُخَلَّدٌ،

***

وَإِنْ كَانَ إِحْرَاقٌ، فَلَا ذَنْبَ لِلصَّبِّ

شرح البيت الأول:

1

رَأَى الْبَرْقَ شَرْقِيًّا، فَحَنَّ إِلى الشَّـرْقِ،

***

وَلَوْ لَاحَ غَرْبِيًّا لَحَنَّ إِلى الْغَرْبِ

يشير إلى رؤية الحق في الخلق، والتجلي في الصوَر، فأدَّاه ذلك إلى التعلُّق بالأكوان لَمَّا ظهر التجلي فيها، لأنّ الشرق موضع الظهور الكوني، ولو وقع التجلي على القلوب، وهو تجلي الهوية، الذي كنّى عنه بالغرب، لحنّ أيضا هذا المحب إلى عالَم التنزيه والغيب، من حيث ما قد شاهده أيضاً محلا للتجلي في تجلٍّ أنزهَ من تجلي الصور في أفق الشرق؛ فحنينه أبدا إنما هو لمواطن التجلي، من حيث التجلي، لا من حيث هي، وقد أبان عن ذلك في البيت الذي بعده.

شرح البيت الثاني:

وهو قوله:

2

فَإِنَّ غَرَامِي بِالْبُرَيْقِ وَلَـمْحِهِ

***

وَلَيْسَ غَرَامِي بِالْأَمَاكِنِ وَالتُّرْبِ

يقول: إنّ غرامي وتَهيامي وتعلقي إنما هو بالتجلي الذي هو اللَّمْح، والمتجلي الذي هو البرق، ما هو عن غرامي لمن يتجلى فيه إلا بحكم التبعية؛ كالتولُّع بمنازل الأحبة، من حيث هي المنازل لهم خاصة، لا من حيث هي منازل، فكنّى بالأماكن عن الموطن الغربي، وكنّى بالترب عن الموطن الطبيعي الصوَري، لأنه ذكر الشرق والغرب، وجعل الشرق لعالم الحسّ والشهادة، فبهذا ذكر الترب، وجعل الغرب لعالم الغيب والملكوت، فلهذا ذكر المكان؛ فجاء بالأعم، فإنَّ كلَّ ترب مكان، وما كل مكان تربا، قال تعالى: ﴿وَرَفَعْنَاهُ مَكَاناً عَلِيًّا﴾ [مريم: 57]، وهو (أي هذا المكان العلي) خارج عن العناصر، لأنه في السماء الرابعة، فلم يستحيل عليه اسم المكان.

شرح البيت الثالث:

3

رَوَتْهُ الصَّبَا عَنْهُمْ حَدِيثاً مُعَنْعَناً

***

عَنِ الْبَثِّ عَنْ وَجْدِي عَنِ الْحُزْنِ عَنْ كَرْبِي

الصّبا: الريح الشرقية، وإلى الشرق كان حنينه، لأنَّ من الشرق لاح له البرق، الذي هو التجلي (الصوري)، وكان في عالم الصور، فكان في باطن تلك الصور مطلبٌ للعارف مغيَّبٌ مبطونٌ فيها، وهو الذي أشار إليه بقوله: "ولو لاح غربيا". قال: فعالم الأنفاس، التي هي الريح الشرقية (أي الصبا)، روت لي عَمَّا أبطنته تلك الصور في تجلِّيها من عِلم الهوى "حديثا معنعنا"،يقول: خبراً مسنداً عن فلان عن فلان، وأخذ يذكر الإسناد، وهم الرواة الذين بهم صحَّ هذا التجلي الغربي عِلْماً، كما كان الشرقي حالا، فقال: "عن البث"، وهي الهموم المتفرقة من أجل الصور الكثيرة التي يقع فيها التجلي، فله همٌّ بإزاء كلِّ صورة، فلهذا كنّى عنه بالبثّ، "عن وجدي"، وهو ما يجده من هذه الهموم، يقول: هي ذوق لي م أنا مخبرٌ عن حالةِ غيري، و"عن الحزن"، يعني أصعبَ المحبة وأشقَّها، فإنه مأخوذ من الحَزَن، الذي هو الوعر، "عن كربي"، وهو ما يجده من غليل الهوى وحرقاته واصطلامه وزفراته.

شرح البيت الرابع:

(ثم يتابع ذكر سند هذا الحديث المعنعن، قائلاً:)

4

عَنِ السُّكْرِ عَنْ عَقْلِي عَنِ الشَّوْقِ عَنْ جَوىً

***

عَنِ الدَّمْعِ عَنْ جُفْنِي عَنِ النَّارِ عَنْ قَلْبِي

"السُّكْر": المرتبة الرابعة في التجليات، لأنّ أولها ذوق، ثم شرب، ثم ريّ، ثم سكر؛ وهو الذي يذهب بالعقل، فلهذا روى عنه لأنه صاحبه، والسُّكر يأخذ عن العقل ما عنده، و"العقل" يأخذ من "الشّوق"، ولهذا تزعم الحكماء وتقول في العقول بالشوق وفي نفوس الأفلاك أنّ حركتها شوقية لطلب الكمال، "عن جوى" وهو انفساحُها في مقامات المحبة، محصور تحت حيطة النفس، كانحصار الجوى تحت حيطة فلك القمر، الذي يوصف بالنقص والزيادة وقبول الفيض النوري، فلهذا قلنا عنه: إنه تحت حيطة النفس. ولما ذكر الجوى الذي هو إشارة إلى مقام الجو، ذكر الدمع، والجفن في الجوى بمنزلة المطر والسحاب في الجو، ثم ذكر عنصر النار وهو الفلك الأثير فقال: "عن النار"، "عن قلبي"، هو الروح الخارج من تجويف القلب، يقول: فأخبر هؤلاء الرواة الثقات الأثبات أنّ مثال من هِمْتُم فيه ثاوٍ بين ضلوعكم.

شرح البيت الخامس:

فقال:

5

بِأَنَّ الَّذِي تَهْوَاهُ بَيْنَ ضُلُوعِكُمْ

***

تُقَلِّبُهُ الْأَنْفَاسُ جَنْباً إِلَى جَنْبِ

يقول: من شفقة المحبّ على محبوبه الممثَّلِ في خَلَدِه يتخيل أن نيران الأشواق القائمة به تؤثر في ذلك المثال الذي خلده منه، فتحن عليه شفقاً لتحول بينه وبين النار، فلهذا ذكره بالضلوع، للانحناء الذي فيه، كما قد ذكرنا في قصيدة لنا في هذا الكتاب (القصيدة رقم: 29)، فقلنا: "فطويت من حذر عليه شراسفا"، أي: أطراف الضلوع إنما كانت محنية من أجل المحبوب لتضمنهعناق وحذرا عليه أن يصيبه أذى، كما قلنا في هذا الباب:

ما خفتَ إذ ضرمْتَ نارَ الأسى

***

في أضلعي تحرقك النار

وقال الآخر (وهو الشاعر محمد بن عبادة):

أودِعْ فؤادي حُرَقا أو دَعِ

***

ذاتَك تُؤذِى؛ أنتَ في أضْلعِي

وارمِ سهام الجفن أو كفَّه

***

أنت بما ترمي مصابٌ معي

موقعُها القلب، وأنت الذي

***

مسكنه في ذلك الموضع

وأراد بـ"الأنفاس" هنا سطوات هيبة التجلي، وقصد بقوله: "تقلبه" هذه السطوات، أي: تؤثر فيه أحوالا مختلفة لاختلافها. وقوله: "جنبا إلى جنب"، أي من شمالٍ ليمين، ومن يمينٍ لشمال، ولم يقل: ظَهرا لِبَطن، لئلا تحرقه سبحات الوجه، أو يهلكه الحجاب، فجاء بالجنب لأنّ فيه تجليًّا لا عن مقابلة، وهو انحرافُ كونٍ، لأنَّ الرؤية في صورة الكون حصلت.

شرح البيت السادس:

6

فَقُلْتُ لَهَا: بَلِّغْ إِلَيْهِ بِأَنَّهُ

***

هو المُوقِدُ النَّارَ الَّتِي دَاخِلَ الْقَلْبِ

الضمير في "لها" يعود على الصّبا، والضمير في "إليه" يعود على المعنى الذي من المحبوب في النفس، وهو الذي يقع به التعشُّق؛ يقول: فهو الذي أوقدَ نار الشوق والوجد الذي في القلب، وما أوقدها إلا وقد علم أنه منها في حمى ذاتي، أي لا تعدو عليه، فلم يبق اعتداءُ هذه النار إلا على المحل، فلا ذنب للصبِّ في إحراقِ محلِّ الحبِّ ومسكن المحبوب.

شرح البيت السابع:

7

فَإِنْ كَانَ إِطْفَاءٌ، فَوَصْلٌ مُخَلَّدٌ،

***

وَإِنْ كَانَ إِحْرَاقٌ، فَلَا ذَنْبَ لِلصَّبِّ

يقول: إذا جاء برد السرور وثلج اليقين فيحجب سلطان هذه السلطوات لبقاء العين، فيكون الوصل دائما، وإن تركت سطواتها فلا يبقى هناك من يعمر هذا المقام، فل ذنب على الهالك؛ وهذا كلام غلبة الحال، كما قال صلى الله عليه وسلم وهو يناشد ربه ببدر: «إن تهلِك هذه العصابة فلن تُعبد بعد اليوم» وما كان ذلك إلا من غلبة الحال عليه، وأبو بكر رضي الله عنه يسكِّنه؛ يقول: «إِنَّ اللهَ مُنَجّزٌ لَك مَ وَعَدَك» [كنز العمال: 14172]، فهذا من ذلك الباب، وهو باب من ملَكَهُ الحال، ومن هنا نقول: إنّ الأنبياء قد تملِكُهُم الأحوال مثل هذا سواء.



 

 

البحث في نص الكتاب


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!