موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية: مكتبة الشيخ عبد الكريم الجيلي

الإنسان الكامل في معرفة الأواخر والأوائل

تأليف الشيخ عبد الكريم بن إبراهيم الجيلي (667هـ - 828هـ)

 

 


49. الباب التاسع والأربعون في سدرة المنتهى

 

أعلم أن سدرة المنتهى هي نهاية المكانة التي يبلغها المخلوق في سيره إلى الله تعالى.

وما بعدها إلا المكانة المختصة بالحق تعالى وحده، وليس لمخلوق هناك قدم، ولا يمكن البلوغ إلى ما بعد سدرة المنتهى.

لأن المخلوق هناك مسحوق ممحوق ومدموس مطموس ملحق بالعدم المحض، لا وجود له فيما بعد السدرة.

وإلى ذلك الإشارة في قول جبريل عليه السلام للنبي عله: «لو تقدمت شبرا لاحترقت" ولو حرف امتناع، فالتقدم ممتنع.

وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم  أنه وجد هناك شجرة سدر لها أوراق كآذان الفيلة، فينبغي الإيمان بذلك مطلقة لإخباره عن نفسه بذلك، فيحتمل أن يكون الحديث مؤولا، وهو الذي وجدناه في عروجنا.

ويحتمل أن يكون على ظاهره، فيكون قد وجد في مجالية المثالية ومنازله ومناظرة الإلهية، شجرة سدر محسوسة لخياله، مشهودة بعين كماله، ليجتمع له الكشف المحقق صورة ومعنى هكذا في جميع ما أخبر به أنه وجد إياه في معراجه.

فإنا نؤمن بما قاله مطلقة ولو وجدنا فيما أعطانا الكشف مقيدة، لأن معراجنا ليس كمعراجه.

فنأخذ من حديثه مفهوم ما أعطانا الكشف، ونؤمن أن له من وراء ذلك ما لا يبلغه علمنا والذي أعطانا الكشف في هذا الحديث.

 هو أن المراد بشجرة السدر: الإيمان. قال: "من ملأ جوفه نبقة ملأ الله قلبه إيمانا».

وكونها لها أوراق كآذان الفيلة ضرب مثل لعظم ذلك الإيمان وقوته، وتدلى كل ورقة منها في كل بيت من بيوت الجنة عبارة عن إيمان صاحب ذلك البيت.

واعلم بأنا وجدنا السدرة مقامة فيه ثماني حضرات في كل حضرة من المناظر العلا ما لا يمكن حصرها، تتفاوت تلك المناظر على حسب أذواق أهل تلك الحضرات.

أما المقام:

فهو ظهور الحق في مظاهره، وذلك عبارة عن تجليه فيما هو له من الحقائق الحقيقة والمعاني الخلقية.

الحضرة الأولى:

 يتجلى فيها باسمه الظاهر من حيث باطن العبد.

الحضرة الثانية:

يتجلى الحق فيها باسمه الباطن من حيث ظاهر العبد.

الحضرة الثالثة:

يتجلى الحق فيها باسمه الله من حيث روح العبد.

الحضرة الرابعة:

يتجلى فيها الحق بصفة الرب من حيث نفس العبد.

الحضرة الخامسة:

هو تجلي المرتبة، وهو ظهور الرحمن في عقل العبد،

الحضرة السادسة:

يتجلى الحق فيها من حيث وهم العيد.

الحضرة السابعة:

معرفة الهوية يتجلى الحق فيها من حيث نية اسم العبد.

الحضرة الثامنة:

معرفة الذات من مطلق العبد يتجلى الحق في هذا المقام بكماله في ظاهر الهيكل الإنساني وباطنه، باطنا بباطن وظاهرة بظاهر، هوية بهوية، وإنية بإنية، وهي أعلى الحضرات وما بعدها إلا الأحدية.

 وليس للخلق فيها مجال لأنها من محض الحق، وهي من خواص الذات الواجب الوجود.

فإذا حصل للكامل شيء من ذلك قلنا هو تجل إلهي له به، ليس لخلقه فيه مجال فلا ينسب ذلك إلى الخلق بل هو للحق.

 ومن هنا منع أهل الله تجلي الأحدية للخلق، وقد سبق بيان الأحذية فيما مضى، والله الموفق للصواب.


 


 

 

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!