لوامع البرق الموهن
تأليف الشيخ عبد الكريم بن إبراهيم الجيلي (667هـ - 828هـ)
الحضرة السابعة حضرة التخويف
ينزل بالعبد فيها إلى الأرض السابعة ، ويكشف له عن الحجب المضروبة بينه ، وبين حضرة الكمال الألهي ، فيستعظمها ، ويهوله الأمر حينئذ ، فيحسب أن الوصول ، بحيث أن لا حجاب ، سراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء ، فيرجع إلى حضيض العبودية ، ويضع رأسه في أسفل المراكز الأرضية ، ويرى أن ذلك من لوازم الحقيقة الإلهية ، فيناديه لسان الحضرة العظموتية ، بمخاطبات تليق بحاله ، فيسمعها وحجب العزة مسدولة، وأبواب القرب مجهولة ، ومن جملة ما يُقال له :
هذا مقامك ، فتأدب بآداب العبد الحقير الذليل ، ولا تدعي لنفسك شيئا ، فادعاؤك الشيء ، ربوبية محضة ، كم قد قصمنا من جبار عنيد ، دی سلطان شديد ، وکم اهلکنا من ولی سعید ، فصار بعد القرب فی المحل البعيد أما تخشى فوات الدنيا والآخرة ؟
الم تخف من كرة خاسرة ؟
طريقك الينا ،صعب شديد ، لا يسلم فيه الا الآحاد الخواص ، من خلاصة العبید ، طریق التوحيد ، کثیرة الزلفات ، والنفوس کثيرة الغلطات ، الهلاك في هذه المفاوز ،أقرب من النجاة ، والموت في هاله المقاطع ، أسرع من الحياة .
و قصرت عن درك صفتها ونعتها ، ولم یکفك ذلك ، حتى طمعت فيما لا وصول لك إليه ، ولا قرار لمثلك عنده ولديه.
أين أنت من سطواتي ، إذا لمعت بها يد القهر من صفاتي ؟
فحینئذ ، ما اسرع حلول المنايا ، و أقرب نزول البلايا ؟
فيا لها من عقبة ما أصعبها ، وطريقة ما أتعبها .
ثم يقال له؛ انظر إلى يمينك ...
فلا يرى لنفسه شيئا من الحسنات
ويقال له ؛ انظر إلى يسارك ...
فیری نفسه ، محفوفهٔ بالسیئات
فيسمع خطابا، من قلبه، کانه حدیث نفسه، و هو کلام ربه ؛
يا . . . هذا
ما أجهلك بالله ، وماأجرأك على الله ، حيث ادعيت
التحقق به ، والوصول اليه ، وانت علي ما انت عليه .
فعندما يسمع العبد ، هذه المخاطبات وأمثالها ، تتزلزل أرضه زلزالها ، ولولا أن تأييدا إلهيّا ثبته ، لصعق روحه ، وهلكت نفسه ، وذهب ، لتزلزل أرضه زلزالها ، من شدّة الخوف ، في الذاهبين .
وحينئذ، يرجع إلى ملازمة حضرة العبودية ، ويقبل على الالتجاء ، والإخلاص لله بالكلية ، فيهب عليه ، من حضرة القرب ، نسيم العناية ، لتتميم أطياب البداية ، التي تنعطف عليها ، أطياب النهاية ، فيفتح له هنا ، باب حضرة الترجي ، والتلقي ، فاسمع ما يُقال فيها ، تعريفا ، وتنبيها .