لوامع البرق الموهن
تأليف الشيخ عبد الكريم بن إبراهيم الجيلي (667هـ - 828هـ)
الحضرة الثامنة حضرة الترجي
يفتح الله للعبد في هذه الحضرة ، باب المعارف الكمالية .
ثم يكشف له عن خزائن الحق المحض .
فيرى ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ، ولو خطر على قلب أحد ؛ لما عبد الله ، ثقة منه بعموم ذلك الجود .
الذي يكفي قطرة منه ، جميع الكائنات ، أولا وآخرا ، باطنا وظاهرا .
فيحصل للعبد ، إذا ذكره ، هيمان عجيب ، يذهل فيه عن المقتضيات الكونية .
فيفتح له باب فوق رأسه ، فيقال له:
انظر من هنا ، إلى ما فوقك ...فيري مقاما كريما ، و منزلا عظيما .
فيسأل عنه ، فيقال له ، هذا مقام الولاية، ومحل المعرفة والدراية .
أتقيم فيه ، فتأويه ؟
فيقول : لا أقنع ..
فيفتح له ، من فوق رأسه ، باب آخر ،
فيقال له ؛ أنظر إلى ما هنالك ..
فیری منزلا، محفوفا بالانوار، مزخرفا بغرایب الأسرار.
فیسأل عنه، فيقال له :
هنا محل البداية ، ومنظر التصرفات الأولية ، أتقيم فيه ، فتحله ... وتاويه ؟
فيقول ؟ لا أقنع
فيفتح له ، فوق رأسه باب ثالث ، فيقال له :
أنظر إلى ما هنالك .. فيرى منصة عظيمة ، ومنزلة كريمة .
فيسأل عنها، فيقال له ؟
هذه منزلة الوتدية ، المحفوفة بالكمالات الأبديّة، أتقيم فيها، فتاويها ؟
فيقول : لا أقنع ...
فيفتح له، فوق رأسه، باب رابع ، عظيم واسع .
فيقال له : أنظر إلى ما هنالك ، إلى ما فوق رأسك ، ترى مكانا مثيلا ، و مجدا أثيلا .
فيسأل عنه ، فيقال له ؟
هنا مرتبة القطبية ، ومنزلة الغوثية ، أتقيم فيها ، فتثق بها ؟
فيقول : لا أقنع ...
فيقول له الحق : ما تريد ؟ و ما الذي تطلب ؟ ...
فيقول : لا أطلب شيئا سواك ، ولا أنزل إلا بفناك ...
فیقول له : ما مقصودك منی ؟..
فیقول : عين مقصودك عنك …
فيقول: وعزتي وجلالي ، لو ملت إلى شيء من تلك المراتب ، أو سكنت في منصب من تلك المناصب لطردناك منا ، وبعدناك عنا .
ولكن ، من طلبني ؛ وجدني .
ومن وجدني ما فقد شيئا .
لك عندنا ، كل ما رأيت ، وفوق ما رأيت .
ولنا منك ، ما لك منا ، لنا فيك قصد لا تبلغه آمالك ، ولا يصل إليه عقلك ولا بالك .
فهل تطلب بعدها شيئا ؟
فيقول : نعم ، ويقول : ل ...
ولم يزل يكرر قول ، ل ، ونعم ، حتى يقع في الحيرة .
فيفتح الله له بابا إلى حضرة الإمداد ، فيمده، بنوره الهادي إلى الرشاد .
وهناك يأمل ، ما ألفه مما تنشره تلك الحضرة ، وتطويه .