لوامع البرق الموهن
تأليف الشيخ عبد الكريم بن إبراهيم الجيلي (667هـ - 828هـ)
الباب الثاني: فى ذكر تجلى محاضرات الأسماء فى المقام الأسنى من القلب
أذا فني العبد، عن نفسه ، وفني عن فنائه ، وأبقى بالله تعالي، ثم أخلع عليه حلة من حل الكمال ، ولج بها في حضرة من حضرات التحقيق .
فيطلع فيها على محاضرات الأسماء الألهية ، والصفات الكمالية ، الذاتية منها ، والنفسية والفعلية .
فأول ما يخاطبه من ذاته الأحدية ، بلسان الصرافة الذاتية ، فيرجع إلى ذات نفسه ، من حيث هو هو ، فيجد نفسه أحدا بالذات .
لأنه اعتبر نفسه من حيث هو هو ، لا باعتبار اسم له، او صفة فیه، فیری نفسه وجودا محضا، صرفا، من غیر اعتبار نسبة أو عدمها ، بل عين الإطلاق المحض ، وحينئذ يتحقق بصفة الأحدية .
ثم ينزل من ذاته إلى كمالاته ، فأول ما يخاطبه في هذا التنزل ، من هذه الحضرة ، الصفة الفردية ، فيجيبها بنفسه ، لعدم حكم تفرق صفاته فيه ، ولوجد تحقق ذاته بذاته ، من غير ثان أو شبيه ، أو ضد ، إذ ليس فيه سواه ، وحينئذ يتحقق بصفة الفردية ، ويسمى بالفرد .
ثم ينزل من هذه المرتبة ، في ذاته ، إلى ذاته ، فيخاطبه في هذا التنزل ، من هذه الحضرة ، الصفة الواحدية ، بلسان جمع الجمع ، فيجيبها ، لكونه يرى نفسه ، عين کل صفهٔ ، من صفاته، ویری کل صفهٔ ، من صفاته ، من حیات رجوعها الی ذاته ، عين الأخرى ، فكل شىء من صفاته ، وذاته ، عين الكل .
فظهرت الوحدة في الكثرة، والكثرة في الوحدة، جميعها باعتبار الواحديّة، من ذاته ، في ذاته ، المتوحدة ، المتكثرة ، في عينها وشؤونها .
وحينئذ يتحقق بصفة الواحدية ، فيسمى بالواحد .
ثم ينزل من هذه المرتبة ، في ذاته إلى ذاته ، فيخاطبه في هذا التنزل ، من هذه الحضرة ، الصفة المسماة بالألوهية، ومعناها إعطاء الحقائق حقها ، من العدم
و الحدوث .
والحقية والخلقية، والكمال والنقص ، بالقسطاس العدل، الموفي كل ذي حق حقه ، وتخاطبه هذه الصفة بلسان الجمعية الكبرى ، المسماة فى بعض وجوهها قاب قوسين .
لأنها مجمع قوسي الدائرة الوجوديّة، التي أحد قوسيها يُسمى بالواجب ، والآخر يُسمى بالممكن .
كما ترى ؛
صورة هذه الدائرة الوجودية :
فإذا حصل خطاب بلسان الألوهية لهذه الجمعية ، أجابها بكماله الأزلي الذاتي ، المستوعب لكل نقصر وكمال .
فيتصف حينئذ بالألوهية ويسمى بها ، فيعطي الحقائق حقها ، في مراتبها العلوية والسفلية .
جمعا وفرادى ، بطونا وظهورا ، غيبا وحضورا ، تفصيلا وإجمالا ، حقا وخلقا ، قدما وحدثا ، وجوبا وإمكانا .
ثم ينزل من هذه المرتبة في ذاته إلى ذاته ، فيخاطبه في هذا التنزل ، من الحضرة الصفة الرحمانية ، ليتميز بالكمال والعلو ، دون النقص والسفل .
ويكون الخطاب بلسان الكمال المحضر ، فيجيبها بتميزه في الأسماء الحسنى ، والصفات العليا ، وينزهه عن الأسماء الشوهاء ، والصفات السفلى ، مفرد بالكمال المحضر ، الصرف غير المشوب بنقص أو معارض .
وحينئذ تفيض أحكامها ، أعني أحكام الكمالات على القسم الثاني من الوجود ، رحمة بالكمالات ، لأظهار أعيانها في آثارها ، ورحمة بعين القسم الثاني ، لتعيين وجودها ، فينصرف بالرحمانية ، ويسمى بالرحمن .
ثم ينزل من هذه المرتبة ، في ذاته إلى ذاته ، فيخاطبه في هذا التنزل ، من هذه الحضرة ، الصفة الرتبية ، بلسان العزة والتعالي ، فيجيبها بالعظمة والكبرياء ، المقتضي ذاته المستحقة لذلك طبعا ، فيتصف بالربوبية ، ويسمى بالرب .
ثم ينزل من هذه الرتبة ، في ذاته إلى ذاته ، فيخاطبه في هذا التنزل ، من هذه الحضرة ، الصفة الملكية ، بلسان السبع الصفات النفسية ، وهي ؛ الحياة ، والعلم ، والإرادة ، والقدرة ، والسمع ، والبصر ، والكلام .
فيجيبها بحقائق هذه الصفات ، من ذات نفسه ، فتتصف بصفة الملكية ، وتسمى بالملك ..
متصفا بهذه الصفات السبع ، متسميا بأسمائها ، ثم بماهية بقية الأسماء والصفات ، التي تدخل تحت الأحصاء ، والتي يخرج عن حدها ، كل اسم وصفة ، بما هى عليه من الجمال والجلال والكمال ، بلسان مخصوص ، لائق بحضرته ، فيجيبها، متحققا بها شأنا ، وفعلا، وتأثيرا، ظهورا، وبطونا .
ويكون هجيره عند التوغل في لجة هذا البحر ؛
الله أكبر …. الله أكبر
وعند التقاط جواهره من قعره ؟
أنت كما أثنيت على نفسك ...
ويكفي هذا القدر من هذا الكلام ، في هذا الباب ، والله الملهم للصواب .