لوامع البرق الموهن
تأليف الشيخ عبد الكريم بن إبراهيم الجيلي (667هـ - 828هـ)
الباب الرابع: في ذكر تجلي ظهور المعاني وبطون الصور والمعاني من القلب
الطهارة من صفات الروح ، والنجاسة من صفات الجسم ، وللأمتزاج التحقت صفة كل واحدة منهما بالأخرى ، ثم ترتب الحكم من بعد ذلك على الأغلب .
فإذا غلبت الطبيعة ، وذلك السجن أسفل سافلين .
وإن غلبت طهارة الروح على الإنسان ، إتسع حكم قلبه بحكم الروح ، فصار جسمه مع روحه ، في العالم الروحاني .
وذلك هو المسمى بعليين .
فإذا لطف الانسن الروحاني ،شهد المعانی، صورا محسوسة ، كما ورد في الاخبار الصحيحة .
إن العمل ياتي إلى العبد في البرزخ ، على صور محسوسة فاذا كانت الأعمال حسنة ، كانت صورها مليحة. وان كانت قبيحة كانت صورها رديئة .
ولا شك أن العمل أمر معنوي ، فيشاهده صاحب البرزخ لما لطف ، ورحل عن عالم الجسم الكثيف ، إلى عالم الروح اللطيف .
هذا هو البرزخ .. والبرزخ ، بين طرفي الجسم والروح .
لان طرفيه منوطا بدار الدنيا والاخرة ، فكيف بك إذا خاض الإنسان ، في الطرف الروحاني المطلق ، وهو الدار الاخرة ، فما ثم إلا شهود المعاني ، صورا محسوسة ، ملذوذة، على أتم الوجوه وأكملها .
وهذا التخلص إلى الطرف الروحاني المطلق .
ممكن في دار الدنيا لأجل رجلين:
إما رجل يتزكي بالأعمال الصالحة ، من الرياضات ، والمجاهدات ، والمخالفات ، وارتكاب الأهوال ، حتى اطمأنت نفسه ، وماتت موتة إرادية ، فذهب عنها عزم مرادات النفس ، وشهواتها ، وطبائعها ، وعاداتها ، وقيودها .
فخلص من ربقة أسرار السجن الأرضي السفلي الجسمي، وطارت روحة بخواص جسمه فى فضاء عالمها الروحي العلوي، فتشكلت له المعاني صورا مشهوده ، علي حسب ما هي عليه.
فإن قلت ؟ كيف يكون ذلك ؟
قلت لك ؛ كما يتشكل للنائم الأمور المعنوية ، الواقعة في المستقبل ، بصور محسوسة ، مشهودة .
كالعلم في صورة اللبن ، والرزق في صورة العيش والشكر .
والملك في صورة السرطان والحمل وأمثال ذلك .
كلما لطف بالتزكي الملاحظ ، واخلص ، في شهود الأشياء المعنوية ، على صورها الحقيقية ، حتى ينتهي إلى شهود الأعيان الثابتة ، في العلم الإلهي .
فان الأشياء في علم الله تعالى ، أعيان ثابتة ، مشهودة له ،سبحانه وتعالى.
والرجل الثاني زكاه الله :
فالأول سالك ، مخلِص ، اسم فاعل ، والثاني مجذوب ، مخلَصں .
قد طهره من دنس الخليقة، فأفناه عما سواه، وأبقاه بذاته، في أسمائه، وصفاته. فيتزكى بها التزكية العظمى ، التي أشار إليها رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، "اللهم آتي نفسي تقواها ، وزكها أنت خير من زكاها ".
وهذا العبد يُستتر عن عينه العيوب الخلقية الحسنية ، وتتداوله الصور المعنوية الإلهية .
فيكون الخلق عنده ، معقولا في الوجود ، لحفظ المرتبة الخلقية .
والحق مشهود له ، لتعين الذات الإلهية بصور اسمائها، وصفاتها ، في كل مشهود ، مستودع ، وباطن ، وظاهر ، وأول ، واخر .
قد ختم الحق ،سبحانه و تعالی ، علی قلبه بخاتم الةلاية ، فلا يري ولا يسمع ولا بعلم ،غير ذاته ، واسمائه وصفاته، فلا يدخل قلبه غير بحال، لا في الدنيا ،ولا في البرزخ،ولا في الآخرة.
فيالها من حالة إلهية ، لا تتغير بتغير الزمان والمكان ، ولا يتطرق إليها الحرمان ، ولا يمر عليها الجديدان .
ما ألذها ، وما أحلاها ، فادخل معنا فيها ء عسى تلقاها .