لوامع البرق الموهن
تأليف الشيخ عبد الكريم بن إبراهيم الجيلي (667هـ - 828هـ)
الباب السادس: في ذكر تجلي الوجود الساري وتعين البديع الباري من القلب
وجود الحق ، سبحانه وتعالى ، سار في جميع الموجودات .
ولولا ذلك ، لما كان للعالم وجود بحال ، من الاحوال .
وكل شيء من الموجودات ، إنما هو موجود بوجود الحق ، سبحانه وتعالى ، وحياته بحياة الحق ، تعالى .
فحركة الأشياء إنما هي بوجود الحق ، تعالى .
وهذا سر قوله تعالى: "وهو معكم أينما كنتم" ، لأن معية الحق للازمة لوجودنا لإنها عين وجودنا .
وعند المحققين ، ان معية الحق للخلق ، بالذات ، وعند الشرعيين ، أن معيته بالعلم .
ولو جادلناهم ، بلسان التشريع ، لغلبناهم ، وظهرت حجتنا عليهم ، من وجهين :
الوجهة الأول : أن علمه ليس مغايرا لذاته ، فقولكم معيته لنا بعلمه، هو كقولنا
أن معيته لنا بذاته، لأن كل ما يجوز نسبته إلى صفاته، يجوز نسبته إلى ذاته.
قولنا أنه مع خلقه بذاته ، إذ لا نقص يلحقه من ذلك ، لأن ذاته ، سبحانه وتعالى ، لیست کالذوات ، حتى تکون معیته ، کمعیة الأشياء ، بعضها لبعض.
وكما أن ذاته ليست كالذوات ، كذلك معيّته ، ليست كالمعيات ، فلا تتعقل إتصال ولا إنفصال ، ولا اتحاد ولا حلول ، ولا قرب مكاني ، ولا بعد ، بل هو كما يعلم ، وكما هو عليه مع خلقه سبحانه وتعالى.
الوجه الثاني : هو أن صورة المعلومات ، في العلم ، ليست غير العلم ، بل هي نفس العلم .
لان المعلوم من حيث هو هو ،لم يحل في العلم ،انما في العلم صورته ، وتلك الصورة عين شكل العلم ، للعالم ، وذلك التشكل هو ذات العالم بالعلم .
فما زاد على ان كان العالم عين الصورة المعلومة في علمه ، فإذا سلمنا وقلنا أنه معنا بالعلم ، كان ذلك تأكيدا ، لأنه معنا بالذات ، باعتبار ما بينهما .
وإذا عرفت ذلك ، عرفت سريان وجود الحق تعالى ، في الأسباب ، وظهرت لك معيّة وجودها.
وعلمت سر قوله تعالى : " الله نور السموات والأرض ".
وان كنت شهما ، عالي الهمة ، وجدت سريانه في الموجودات ، على الطريق الذي ذكرناه في العلم ، وسنكشف لك أمره في الباب التالي ، لهذا الباب .
إن شاء الله تعالى .