موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

مراتب الوجود

تأليف الشيخ عبد الكريم بن إبراهيم الجيلي (667هـ - 828هـ)

 

 


المرتبة التاسعة والثلاثون: الحيوان

من مراتب الوجود وهي الحيوان ، وحده العقلاء بأنه الجسم النامي المتحرك بالإرادة ، وهو عندنا عبارة عن الروح الممتزجة بالجسم لا غير ، فلو مزق الجسم وتلاشى وظهرت روحه في العالم بحسب تلك الصورة التي كانت الروح ممتزجة بجسدانيتها ، سمينا ذلك الروح حيواناً على حسب ما هي عليه تلك الصورة إما فرس وإما إنسان وإما غير ذلك من أنواع الحيوانات . واعلم أن الحياة على خمسة أنواع :النوع الأول : حياة وجودية وهي سائرة في جميع الموجودات علويها وسفليها ، لطيفها وكثيفها ، فكل موجود من أنواع الموجودات علويها له من هذه الحياة الوجودية حياة ، وهي عين وجوده ، وذلك ما تسميه الطائفة بالوجود الساري في الموجودات .النوع الثاني : حياة روحية وهي الحياة الملكية لسائر الموجودات في العالم الروحاني بالأصالة ، ولهذا كانوا باقين ببقاء الله تعالى لهم ، لأن الروح من حيث هي روح حياة محض ، وهو منافٍ للممات والهلاك ، وما ورد من زوال الملائكة بالصعق يوم الفناء الأكبر إنما هو بوجه واعتبار لا من كل الوجوه ، فافهم . وهذه الحياة الروحية للحيوانات منها نصيب فهي لهم بحكم التبعية فليس لهم عقل معاشي ، ولهذا زالت عنهم الحياة الدنيا وبقيت لهم الحياة الأخروية ، وبقاء كل من الحيوانات في الدار الآخرة بحسب حياته فمن كانت له حياة كاملة كالإنسان والجان بقي في الدار الآخرة ببقائها موجوداً عياناً تاماً كاملاً ، ومن كانت حياته ناقصة كان موجوداً فيها حكماً لا غيباً .النوع الثالث : حياة بهيمية وهذه الحياة هي الحرارة والرطوبة الغريزتان الكامنتان في الدم الجاري في تجاويف الكبد ، وهو المعبر عنه من نفس الحيوانية ، ولا يدخل عليك الغلط فيما تراه من عدم وجود الدم في بعض الحيوان فإن له مادة تقوم مقام الدم حرارة ورطوبة وكذلك بعض الحيوان ليس له كبد وله عضو رئيسي يقوم مقام الكبد فيصرف الغذاء في جسمه كما يتصرف الكبد في الأجسام الحيوانية .النوع الرابع : حياة عارضة وهي الكمالات الحاصلة بحسب الأمر الوارد عليه كالعلم فإنه حياة للجهل ، وكالربيع فإنه حياة للأرض ، وكوقوع نور الشمس على جرم القمر فإنه حياة له ، وكإشراق ضوء الشمس على وجه الأرض فإن ذلك حياة لها ، وهذا الأمر كثير جداً لا يمكن حصره .النوع الخامس : حياة الهيئة الأصلية اللازمة التي هي من كل الوجوه وبكل الاعتبارات في غاية ما يكون من الكمال ، فهذه أنواع الحياة ، فمن الموجودات ما فيه نوع واحد ، ومنها ما فيه نوعان وثلاثة وأربعة ، وأما جمعها بالإحاطة الخمسة أنواع فإنه لا يكون إلا للإنسان الكامل فقط ، فهو حامل لجميع أنواع الحياة ولا يجوز أن يكون ذلك لغيره فالإنسان الكامل له مرتبة الجمع دون ما سواه ، وهذا أوان الكلام فيه والله تعالى أعلم .


 

 

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!