موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

الذخائر والأعلاق في شرح ترجمان الأشواق

للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

تحقيق الدكتور محمد حاج يوسف

 

 


40- القصيدة الأربعين وهي ستة أبيات من البحر الخفيف

وقال رضي الله عنه:

1

طَلَعَتْ بَيْنَ أَذْرِعَاتٍ وَبِصْـرَى

***

بِنْتُ عَشْـرٍ وَأَرْبَعٍ لِيَ بَدْرَ

2

قَدْ تَعَالَتْ عَلَى الزَّمَانِ جَلَالاً،

***

وَتَسَامَتْ عَلَيْهِ فَخْراً وَكِبْرَ

3

كُلُّ بَدْرٍ إِذَا تَنَاهَى كَمَالاً

***

جَاءَهُ نَقْصُهُ لِيُكْمِلَ شَهْرَ

4

غَيْرَ هٰذِي، فَمَا لَهَا حَرَكَاتٌ

***

فِي بُرُوجٍ، فَمَا تُشَفِّعُ وِتْرَ

5

حُقَّة أُودِعَتْ عَبِيراً وَنَشْـَرا،

***

رَوْضَة أَنْبَتَتْ رَبِيعاً وَزَهْرَ

6

انْتَهَى الْحُسْنُ فِيكِ أَقْصَـى مَدَاهُ

***

مَا بِوِسْعِ الْإِمْكَانِ مِثْلُكِ أُخْرَى

شرح البيتين الأول والثاني:

1

طَلَعَتْ بَيْنَ أَذْرِعَاتٍ وَبِصْـرَى

***

بِنْتُ عَشْـرٍ وَأَرْبَعٍ لِيَ بَدْرَ

2

قَدْ تَعَالَتْ عَلَى الزَّمَانِ جَلَالاً،

***

وَتَسَامَتْ عَلَيْهِ فَخْراً وَكِبْرَ

لما أوقع التشبيه بالبدر جاءه بالزمان مذكوراً لارتباطه به في عدة الشهور، يريد بهذه المذكورة (التي طلعت بين أذرعات، وهي مدينة درعا حالياً، وبصرى) النفسَ الكاملة، وقصد ذكر هذا المكان لأنه منتهى (ما وصل إليه) النبي صلى الله عليه وسلم من الشام، وفيه ظهرت عليه آيات في حديث بحيرا،ونسب إليها صفة الكمال وأعطاها من العدد أكمله وهو الأربعة، فإنّ فيها العشرة (لأنَّ: 10=4+3+2+1)، ونزَّهَها عن التقييد بالزمان لعدم التحييز.

شرح البيتين الثالث والرابع:

ثم قال:

3

كُلُّ بَدْرٍ إِذَا تَنَاهَى كَمَالاً

***

جَاءَهُ نَقْصُهُ لِيُكْمِلَ شَهْرَ

4

غَيْرَ هٰذِي، فَمَا لَهَا حَرَكَاتٌ

***

فِي بُرُوجٍ، فَمَا تُشَفِّعُ وِتْرَ

يقول: وليس تشبهه من كلِّ وجه، وإنما قصدنا صفة الكمال، وكونها محلَّ التجلي، لكونها على الصورة، والبدر مجلى الشمس، ثم قال: "كل بدر إذا تناهى في كماله"، يرجع وينقص ليظهر الشهر بحساب العالم، وهذه ليست كذلك؛ إنما هو كمالٌ ل يقبل النقص لعدم التقييد، كما أنها لا تقبل الحركة، فلا تقطع مساحة، فلا تشفِّع وتْرا، يقول: إن لها مقام الوحدانية، ولا يتَّصلُ بها أحد، لعدم الجنسية، لعلو مكانتها وكمالها.

شرح البيتين الخامس والسادس:

5

حُقَّة أُودِعَتْ عَبِيراً وَنَشْـَرا،

***

رَوْضَة أَنْبَتَتْ رَبِيعاً وَزَهْرَ

6

انْتَهَى الْحُسْنُ فِيكِ أَقْصَـى مَدَاهُ

***

مَا بِوِسْعِ الْإِمْكَانِ مِثْلُكِ أُخْرَى

يقول: لَمَّا كانَت محلَّ العلوم الإلهية والمعارف والأنفاس الرحمانيةشبَّهها بـ"الحُقَّة" التي فيها "العبير"، وهو أخلاط من الطيب، كذلك فيها فنون من العلوم، و"النشر" الرائحة، وهو ما لها من التعليم والإفادة لمن هو دونها، ولذلك شبهها بـ"الروضة"، لِما فيها من الأزاهر والثمار، بما يناسبها من العلوم والمعارف والأحوال والأسرار والمقامات.

وقوله: "انتهى الحسن فيك أقصى مداه"، البيت بكماله؛ المراد به ما أراد أبو حامد (الغزالي) بقوله: "وليس في الإمكان أبدع من هذا العالم"، إذ لو كان وادَّخَره لكان بخلاً ينافي الجود، وعجزاً يناقض القدرة، وهو كلام محرَّر لمنيفهمه، وشرحه هنا لا يليق بهذا المجموع، وقد ذكرناه في كتاب المعرفة.



 

 

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!