المكتبة الأكبرية
*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***
*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***
شرح الأسماء الحسنى
للشيخ أبي المعالي صدر الدين بن إسحق القونوي
العظيم
العظيم لعلوّ شأنه في قلوب العارفين، الّذي عجزت الأبصار عن إدراك سرادقات عزّه، وكلّت الألسن عن وصف جلال قدرته .
اعلم أنّ الواقف في مقام العظمة إمّا مؤمن وإمّا صاحب شهود، وذلك أنّ الأمر يعظّم بقدر ما ينسب إليه من التّفرّد بالإقتدار ونفوذ الأحكام، فإذا كان الكبرياء والإقتدار بحيث لا قدرة لأحد على ردّ حكمها ولا نفي شي ء لأمرها ، عظم وقعها في القلب حتّى ينتهي إلى الحيرة والدّهش،
وظهور عظمة الحقّ تعالى كبرياؤه في قلوب أهل الإيمان إنّما هو بحسب معرفتهم بآثار الأسماء الإلهيّة، فمن كان معرفته بصفات الحقّ أكمل كان سطوة تجلّيات العظمة في باطنه أتمّ، ولذلك كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه [و آله ] وسلّم يقول: «أنا أعلمكم باللّه وأخشاكم منه» .
وأمّا صاحب الشّهود فلا يحصل له صولة العظمة إلّا من التجلّيّات الجلاليّة، من غير أن يحظر له شي ء من تأثيرات الأسماء، ولا من الأحكام الإلهيّة، بل بمجرّد التّجلّيّ يحصل العظمة في نفس من يّشاهده، وشهود هذه العظمة لا يحصل إلّا لمن يكون الحقّ سمعه وبصره، لا لمن شاهده بنفسه كالمشاهد بحسب عقله وما يقتضي دليله المقيّد، فعلى هذا ما عبد اللّه قطّ من حيث ما هو عليه وإنّما عبد من حيث ما هو مجعول في نفس العابد بحسب اعتقاده في اللّه، ولهذا السّزّ أقام الحقّ عذر عباده بقوله تعالى: وَ مَ ا قَدَرُوا اللَّ هَ حَقَّ قَدْرِهِ لإشتراك الكلّ في الجعل وتقييده المنزّه وغير المنزّه، فلا شهود أعظم ممّا ارتبطت عليه أفئدة العارفين من العقائد، الّذين يشهدونه من غير تقييد، فلا يلحق عظمتهم عظمة معظّم أصلا .