المكتبة الأكبرية
*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***
*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***
شرح الأسماء الحسنى
للشيخ أبي المعالي صدر الدين بن إسحق القونوي
السّلام
لسلامته عن كلّ ما نسب إليه ممّا كره من خلقه أن ينسبوه إليه، ومنه السّلامة لعباده، فلكلّ عين من أعيان مراتب الأكوان حظّ من آثار هذا الاسم مع اختلاف طبقاتهم وتفاوت درجاتهم، ولا يصل إلى جناب قدسه من المجموع إلّا من سلمت نفسه عن الشّهوات، وصفى قلبه عن الشّبهات، فالسّلامة منه إليه .
وسلامة أهل الحقّ تنزّههم عن دنس الشّك وظلمة الشّرك جليّا كان أو خفيّا .
وعلامة المتّصف بحقائق هذا الاسم أن يكون وقورا خمولا متواضعا صابرا على إيذاء أهل الغفلة، لا يقابل الغافل، ولا ينازع الجاهل، ويكون كما وصف الحقّ سبحانه صاحب هذا المشهد بقوله: وَ إِذَ ا خَ اطَبَهُمُ الْجَ اهِلُونَ قَ الُوا سَلَ اماً إمّا بالقول أو بالحال، فلو أراد صاحب هذا المقام أن يزيد على قوله سلاما ما استطاع، لعدم اختياره، وعصمة الحقّ إيّاه من كونه تعالى سمعه وبصره وجميع قواه، ولو وكلّه الحقّ إلى نفسه لانتظم معه في سلك الجهالة، فإنّ من خاصيّة الإنسان أنّه لم يتكلّم أحدا في أمر من الأمور إلّا وينصبغ بصفة ذلك الأمر، ولمّا تحقّق عند العارف المحقّق بأحوال المواطن، [من ] أنّ أكثر ما ينطق به الغافل الجاهل أو يتصوّره أو يعتقده أمور وهميّة أو خياليّة، ليس لها في الحضرة العلميّة مقام يضبط عليه وجودها في حضرة الوجود، فباطّلاعه على حقيقة كلام مثل هذا القائل علم عدم بقائها وزوالها، لأنّه لا يرى لها حقيقة ولا صورة غير محلّها أصلا، فتحقّق أنّه ليس لها ضابط يضبط عليه الوجود، وأنّها ذاهبة من الوجود بذهاب قول قائل ، فلذلك لا يلتفت إليه بأكثر من أن يقول سلاما،
بخلاف المحقّق إنّه لا يتكلّم إلّا بما له حقيقة في كلّ حضرة من الحضرات الثّبوتيّة والرّوحانيّة والوجوديّة، فحيث ما تكلّم تشكّل كلّ حرف من حروف المنظومة الدّالّة على تلك الحقائق صورا روحانيّة مسبّحة للّه سائرة في محلّ سلطنة القائل، وكلّما أكثر من تلك الحقائق كثر جند العارف .