المكتبة الأكبرية
*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***
*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***
شرح الأسماء الحسنى
للشيخ أبي المعالي صدر الدين بن إسحق القونوي
الرّشيد
الرّشد هو الإستقامة، الّذي أرشد عباده في أخذه بناصية كلّ دابّة إلى صراط مستقيم .
اعلم أنّ الإنسان لمّا كان جاهلا بما يكون منه قبل كونه، لا يقدر على التّمييز بين الأمر والإرادة، وما وقع منه ما وقع إلّا بعلم الحقّ، والعلم يتبع المعلوم، فلا تناقض بين الأمر والإرادة ، وإنّما التّناقض بين الأمر وما يقتضي العلم، وليس عين من أعيان الوجود إلّا له استقامة ورشد كما يقتضي ذاته، لكن قد تجتمع آثار الصّفات الثّلاثة المكمّلة في شخص وهي العلم والإرادة والأمر، فله أعلى درجة الرّشد والإستقامة .
وقد تتعلّق الإرادة بمجرّد صيغة الأمر في حقّ شخص، فلا حظّ لهذا الشّخص من الأمر إلّا صيغته لا العمل به، لتعلّق العلم بما هو عليه، فليس على العبد إلّا أن يهيّئ محلّ ورود الأمر بالمراقبة فقطّ، فإذا ورد الأمر الإلهيّ بالتّكوين يراقب أثر الأمر في قلبه هل يجد الإباء أو القبول؟ .
فإن حصل القبول ينظر في أيّ عضو من الأعضاء السّبعة يظهر أثره، فيراقب حكم العلم فيه حتّى يظهر ما هو عليه، فإنّ الحقّ لا يحكم فيه إلّا به، فمن كان حاله مراقبة شؤون الحقّ فهو في عين السّعادة .
وإن وقع منه خلاف ما أمر به فإنّه فائز بدرجة الرّشد والإستقامة المأمور بمراقبته وحضوره مع الحقّ، والحضور روح الصّلاة الّتي هي أفضل الطّاعات فلا تساويه معصيته أصلا، بل تستهلك تحت سطوتها .
ويكشف لصاحب هذا المقام سرّ القدر، ولذلك كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه [و آله ] وسلّم يقول: «شيّبتني سورة هود وأخواتها» لما كان فيها من أمر الإستقامة وعدم الإطّلاع على سرّ العلم هل يوافق الأمر أم لا ، فلمّا تبيّن له الأمر المقرّر بظهور سرّ القدر وقف عنه الشّيب، ولم يقم به همّ بحصول الإستقامة والرّشد .