موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

الشيخ صدر الدين القونوي

كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن

للشيخ أبي المعالي صدر الدين بن إسحق القونوي

أحكام النبوّة

 

 


ثم نقول : وللنبوّة من حيث أصلها الظاهر الأثر تماما في شريعتنا حكم كلّي يظهر بتفاريعها الخمسة التي هي : الوجوب، والندب، والحظر، والكراهة، والإباحة باعتبار ترتّبها وانسحابها على سائر المكلّفين بحسب أحوالهم وأفعالهم وفهومهم. وأوقاتهم ونشآتهم، وما تواطؤوا عليه وأنسته عقولهم وألفته طباعهم ألفة يتعذّر

عليهم الانفكاك عنها.

وحكم صورة النبوّة حفظ نظام العالم، ورعاية مصالح الكون ؛ للسلوك والترقّي من حيث الصور إلى حيث سعادة السالك المرتقي، كما مرّ بيانه ؛ ولإقامة العدل بين الأوصاف الطبيعيّة واستعمال القوى والآلات البدنيّة فيما يجب وينبغي استعماله، مع اجتناب طرفي الإفراط والتفريط في الاستعمال والتصرّف بمراقبة الميزان الإلهي الاعتدالي في ذلك والعمل بمقتضاه والفوز أيضا بالنعيم المحسوس الطبيعي في الدار الآخرة أبد الآباد، وتحصيل الاستعداد الجزئي الوجودي، لإذعان البدن بجملة قواه للروح القدسي الإلهي والانصباغ بصفته وحكمه وما يستلزمان من الأمور الإلهيّة والفوائد الروحانيّة.

وروح النبوّة : القربة، وثمرتها : الصفاء والتخلية التامّة، ثم صحّة المحاذاة، المستلزمة لمعرفة الحقّ، وشهوده، والأخذ منه، والإخبار عنه، وإحياء المناسبة الغيبيّة الثابتة بين روح السالك المتشرّع وبين روح النبيّ أيضا، والأرواح الآتية إليه، والملقية الوحي الإلهيّ والتنزّلات العلويّة الظاهرة الحكم والأثر عليه عند تقوية الروح وطهارته ومشاركته ملائكة الوحي، والإلقاء، في الدخول تحت دائرة المقام الذي منه يتنزّل الوحي المطلق، المنقسم على ملائكة الوحي والواصل إلى من وصل [إليه] بواسطة الملك، والمشاركة أيضا في الدخول تحت حكم الاسم الإلهي الذي له السلطنة على الأمّة المرسل إليها الرسول، وعلى الملك والرسول أيضا، من حيث ما هو رسول تلك الأمّة.

فإن كان الرسول هو كامل عصره كنبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وآله، فله شرط آخر وهو أن يصير مرآة لحضرة الوجوب، والإمكان في مرتبة أحديّة الجمع، وقد مرّ حديثها.

وإن كانت رسالة الرسول جزئية، فإنّ رسالته ناتجة وظاهرة عن اسمين : أحدهما الاسم «الهادي» والاسم آخر يتعيّن بحاله وعلمه وشرعته ومنهاجه، وليس في الرسل من صدرت رسالته عن الاسم «الله» الجامع لسائر مراتب الأسماء والصفات، المستوعب لأحكامها إلّا رسالة نبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ فهو عبد الله ورسوله، كما أشار إليه صلى‌الله‌عليه‌وآله.

وحكم النبوّة من حيث روحها تنبيه للاستعدادات بالإخبار عن الله وعن أسمائه وصفاته، والتشويق إليه وإلى ما عنده، والتعريف بأحوال النفوس والسعادات الروحانيّة واللذّات المعنويّة، وإمداد الهمم للترقّي إلى ما لم تستقلّ عقول الأمّة بإدراكه دون التعريف الإلهي من طريق الكشف المحقّق والوحي، لتسمو همم النفوس إلى طلبه، وتهتمّ في تحصيله من مظنّته، وتحصيل معرفة كيفيّة التوجّه إلى الحقّ بالقلوب والقوالب أيضا من حيث تبعيّتها لأحكام القلوب حين انصباغها بوصفها، ومعرفة عبادة الحقّ الذاتيّة والحكميّة الوقتيّة والموطنيّة الحالية، والتوجّه الجمعي بالسلوك نحوه على الصراط الأسدّ الأقوم الأقرب، والوجه الأحسن وفهم ما أخبرت عنه سفراؤه والكمّل من صفوته من العلوم والحقائق والأسرار والحكم التي لا تستقلّ عقول الخلق بإدراكها، والاستشراف عليها، ومعرفة إرشاد الخلق، للتوجّه إلى الحقّ التوجّه المستلزم لتحصيل الكمال على الوجه الأسدّ والطريق الأقصد الأصوب، وهو الطريق الجامع بين معرفة القواطع المجهولة الخفيّة الضرر، والأسباب المعيّنة الخفيّة المنفعة أيضا، ليتأتّى طلب كلّ معيّن محمود يحتاج إليه ويستعان به على تحصيل السعادات، والتحقق بالكمال على الوجه الأحسن الأيسر، ويتمكّن من الأعراض عن العوائق، وإزالة ضرر ما اتّصل من أحكامها بالإنسان، ومعرفة النتائج ـ التابعة للمضارّ والمنافع ـ المنبّه عليها، وما هو منها مؤجّل ومتناه، وما لا يتقيّد بأجل، ولا يحكم عليه بالتناهي، وإصلاح الأخلاق بتحسين السيرة والزهد فيما سوى المطلوب الحقّ.

وغاية كلّ ذلك، الفوز بكمال معرفة الحق، وشهوده الذاتي، والأخذ عنه، والتهيّؤ على الدوام لقبول ما يلقيه ويأمر به ويريه، دون اعتراض، ولا تثبّط، ولا إهمال، ولا تفقّه ولا تأويل يقضي بالتقاعد.

وليراع الأولى فالأولى، والأجدر فالأجدر من كلّ أمر، بالقصد أوّلا، و بأن تصفو مرآة قلبه وحقيقته ثانيا صفاء يستلزم ظهور هذه الأمور كلّها ـ بل ظهور كلّ شيء ـ فيها، وبروزها به ـ أي بالإنسان ـ في الوجود على ما كانت عليه في علم الحقّ من الحسن التام

المطلق، الذاتي الأزلي دون تعويق مناف للترتيب الذاتي الإلهي يوجبه صدى محلّ القابل، أو خداج حاصل بسبب نقص الاستعداد، واختلال في الهيئة المعنويّة التي لمرآته يقضي بسوء القبول، الذي هو عبارة عن تغيير صورة كلّ ما ينطبع فيها عمّا كان عليه في نفس الحقّ، صفة كان من صفاته أو خلقا أو علما أو حالا أو اسما إلهيّا أو صفة من صفاته سبحانه أو فعلا أو كونا مّا من الأكوان.

ومنتهى كلّ ذلك بعد التحقّق بهذا الكمال التوغّل في درجات الأكمليّة توغّلا يستلزم الاستهلاك في الله استهلاكا يوجب غيبوبة العبد في غيب ذات ربّه، وظهور الحقّ عنه في كلّ مرتبة من المراتب الإلهيّة والكونيّة، بكلّ وصف وحال وأمر وفعل، ممّا كان ينسب إلى هذا الإنسان من حيث إنسانيّته وكمال الإلهي، وينسب إلى ربّه من حيث هذا العبد، ظهورا وقياما يوهم عند أكثر أهل الاستبصار أنّه عنوان الخلافة وحكمها وحالها والأمر بعكس ذلك في نفس الأمر عند الله وعند أهل هذا الشهود العزيز المنال.

ومن حصلت له هذه الحالة، وشاهد اللحمة النسبيّة التي بينه وبين كلّ شيء، وانتهى إلى أن علم أنّ نسبة الكون كلّه إليه نسبة الأعضاء الآلية والقوى إلى صورته، ونسبة القرائب الأدنين وتعدّى مقام السفر إلى الله ومنه إلى خلقه، وبقي سفره في الله لا إلى غاية ولا أمد، ثم اتّخذ الحقّ وكيلا مطلقا به عن أمره، يقول حالتئذ : اللهمّ أنت الصاحب في السفر، والخليفة في الأهل، وأنت حسبي في سفري فيك، والعوض عنّي وعن كلّ شيء، ونعم الوكيل أنت على ما خلّفت ممّا كان مضافا إليّ على سبيل الخصوص من ذات وصفة وفعل ولوازم، كلّ ذلك، وما أضفته إلىّ أيضا من حيث استخلافك لي على الكون إضافة شاملة عامّة محيطة، فقم عنّا بما شئته منّا، كيف ما شئت، وفي كلّ ما شئت، فكفانا أنت عوضا عنّا، وعن سوانا، والحمد لله رب العالمين.


nbkuhZJSGVI

 

 

البحث في نص الكتاب

كتب صدر الدين القونوي:

كتب صدر الدين القونوي:

كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن

مفتاح غيب الجمع ونفصيله

كتاب الفكوك في أسرار مستندات حكم الفصوص

الأسماء الحسنى

رسالة النصوص

مشرع الخصوص إلى معاني النصوص للشيخ علاء الدين علي بن أحمد المهائمي

النفحات الإلهية

مرآة العارفين ومظهر الكاملين في ملتمس زين العابدين

المكتوبات

الوصية

إجازة الشيخ محي الدين له

التوجه الأتم إلى الحق تعالى

المراسلات بين صدرالدين القونوي وناصرالدين الطوسي

الرسالة المهدوية

الرسالة الهادية

الرسالة المفصحة

نفثة المصدور

رشح بال

الرسالة المرشدية

شرح الشجرة النعمانية {وهي تنسب خطأً إليه}



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!