موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

الشيخ صدر الدين القونوي

كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن

للشيخ أبي المعالي صدر الدين بن إسحق القونوي

وصل في وصل يتضمّن نبذا من: الأسرار الشرعيّة الأصليّة والقرآنيّة

 

 


اعلم، أنّ خطاب الحقّ عباده بألسنة الشرائع ـ وسيّما الخطاب المختصّ بشريعتنا ـ ينقسم بنحو من القسمة إلى سبعة أقسام كلّيّة تحت كلّ قسم منها أقسام.

فالقسم الأوّل من السبعة يتضمّن الإنباء عن الحقائق، ويبيّن المضارّ الجليّة والخفيّة والمنافع، وينقسم إلى قسمين : قسم تستقلّ العقول بإدراكه ابتداء، أو بعد تنبيه وتذكير، وقسم لا تستقلّ العقول بإدراكه، بل تفتقر في إدراكه إلى نور إلهي كاشف.

والمراد من ذكر ما هذا شأنه تنبيه النفوس المستعدّة وإمداد الهمم للتشوّق إلى نيله، والسعي في تحصيله، كيلا تقنع بالحاصل لها في أوّل وهلة، فتظنّه الغاية، وأن ليس وراءه أمر آخر، فتفتر وتتقاعد عن طلب المزيد.

وربما وقع الإخبار عن بعض ما يتضمّنه هذا القسم بألفاظ توهم بعدا وعظمة مفرطة، مع أنّ المخبر عنه قد يكون مشهودا حاضرا ولا يشعر به، ولا يعرف أنّه المسمّى بذلك الاسم، أو الموصوف بتلك العظمة.

والسرّ فيه إبقاء حرمة الأسرار لتوفّر الرغبات إلى التحقّق بمعرفتها، ولا تفتر عن الجدّ في الطلب الذي ربما أفاد بعون الله الاطّلاع عليها وعلى غيرها، بل على الأصل الذي قرنت السعادة بمعرفته.

فإنّ من جملة فقه النفوس أنّه متى عرفت شيئا من هذا النوع من حيث فرعيّته قبل التحقّق بمعرفة أصله، سقطت عظمة ذلك الأمر عندها، وازدرته بعد ذلك، وربما قاست بقيّة ما سمعته من أسرار الحقّ بصفة التعظيم على ما تنبّهت له، فتفتر بالكلّيّة وتهلك، بل ربما تقف عند الفترة، وربما عادت مستحقرة شعائر الله سبحانه، مستخفّة بحرماته، بخلاف من سمعها بسمع الإيمان الظاهر، واستحضرها بصفة التعظيم إلى أن يطلعه الحقّ عليها، فيعرفها من أصلها، فيعظّمها أكثر من تعظيم المؤمن المحجوب بما لا نسبة، فإنّ هذا التعظيم نتيجة العلم الذي لا يزول، والتعظيم الأوّل تعظيم وهمي بصدد الزوال، فكان الشارع ومن تحقّق بتبعيّته، وشاركه في أصل مأخذه لو صرّح بمثل هذا كان سببا في شقاء المستحقر المزدري، وحاشا من بعث رحمة للعالمين أن يكون كذلك.

وأصحاب الآفة المذكورة هم أصحاب الفطرة البتراء، واللوائح الأولى الذين لم يبقوا على طهارة الإيمان الصحيح، ولا فازوا بحقيقة الشهود الذاتي والكشف الصريح، فإنّ أهل الكشف المحقّق والشهود يعظّمون الأشياء، ويرونها شعائر الحقّ ومظاهره وصور أسمائه، والمضطرّين وقفوا عند أسماء الأسماء لم يعرفوا حقائق الأسماء ولا المسمّى بها، فتعظيمهم وسمي وهمي يزيله الحسّ وفقه النفس فاعتبر الشارع صلى‌الله‌عليه‌وآله ما ذكرنا امدادا للهمم، وتحريضا على طلب المزيد بالتشويق المدرج فيما ذكرنا، وليعلم الألبّاء كمال قوّته في التبليغ حيث لم يكتم ولم يوضح، بل عبّر عن الأسرار بعبارة تامّة مؤدّية للمقصود بيانه بالنسبة إلى الفطن اللبيب والتسمية المطابقة مع السلامة من بشاعة التصريح، وآفاته وعدم تفطّن الغبيّ المراد، فجمع بين الكشف والكتم ؛ ليرتقي الضعيف النفس بالتشويق إلى حضرة القدس، وليزداد اللبيب استبصارا، فجزاه الله وإخوانه عنّا وعن سائر المسترشدين أفضل الجزاء، آمين.

والقسم الآخر ما هو ضرب مثال لأمر آخر يعلمه بالإرشاد الإلهي أهل النهي وهو على ضربين أيضا :

الضرب الواحد هو ما كان المثال نفسه فيه مرادا بالقصد الأوّل أيضا كالأمر الذي لأجله وقع التمثيل، وذلك لشرف المثال وتضمّنه الفوائد العزيزة.

والضرب الآخر هو أن يكون المراد بالقصد الأوّل ما لأجله ضرب المثال وقصد به التنبيه عليه. وأمّا ما يتضمّن المثال من الفوائد فيقع مرادا بالقصد الثاني لا بالقصد الأوّل.

ولو لا الخوف من العقول الضعيفة، ورعاية الحكمة التي راعاها الشارع ويلزمنا الوقوف عندها، لذكرنا من كلّ قسم مسألة شرعيّة، ونبّهنا على أصلها في الجناب الإلهى، لكن نذكر أنموذجا يكتفي به اللبيب، وهو أنّ المراد بالقصد الأوّل ينقسم إلى قسمين : مطلق، ومقيّد :

فالمطلق الكمال المتحصّل من تكميل مرتبة العلم والوجود، وقد نبّهت عليه غير مرّة، ومنذ قريب أيضا.

والمقيّد في كلّ زمان وعصر كامل ذلك العصر، وما سواه مراد له وواقع بالقصد الثاني من تلك الحيثيّة وإن كان واقعا باعتبار آخر بالقصد الأوّل ؛ لما أشرنا إليه، ويتلو هذا ـ أعني المراد بالقصد الأوّل ـ فيما ذكرنا أوائل المخاطبين ؛ فإنّهم أوّل هدف تعيّن لسهام الأحكام الشرعيّة وخصوصا من كان سببا لنزول حكم مشروع لم يقصد الشارع تقريره ابتداء، فافهم ترشد إن شاء الله تعالى.

والقسم الآخر ما قصدت به مصلحة العالم من حفظه، وصلاح حال أهله آجلا كالعلوم، والأعمال النافعة في الدنيا والآخرة، وعند الله ومن شاء من عباده نفعا يعمّ صور المنتفعين وأرواحهم، وعاجلا كقوله تعالى : (وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ)، وكأخذ الزكاة من الأغنياء وردّها على الفقراء، وترك قتال الرهبان لما لم يتعلّق بذلك مصلحة، وأخذ الجزية وغير ذلك ممّا ذكر في سرّ النبوّة والسبل والفوائد المتعيّنة منها .

والقسم السابع هو ما أريد من الجميع بالقصد المطلق الأوّل الذي ذكرته آنفا، وله سراية في جميع الأقسام، ومن تحقّق بميراث المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وآله، وذاق سرّ التنزّل القرآني من أمّ الكتاب الأكبر بالذوق الاختصاصي عرف أسرار الكتاب العزيز، وانحصار أقسامه الكلّيّة فيما ذكرناه، ورأى أنّ فيه التحقّق التامّ، وفيه ما قصد به رعاية حال المخاطبين وفهومهم، وما تواطؤوا عليه، وفيه أيضا ما روعيت به حكمة الموطن والزمان والمكان، وحال المخاطبين الأوّل، لحرمة المرتبة الأوّليّة كالسدر المخضود، والطلح المنضود، والماء المسكوب، والظلّ الممدود وغير ذلك مما تكرّر ذكره في الكتاب والسّنة، ولا حظّ لأكثر الأمّة من ظاهر ذلك في الترغيب وغيره، ومثله وأساور من فضّة للرجال، وأنّه تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء، فافهم وتذكّر.

ولنذكر الآن أمّهات الأحكام الشرعيّة الكلّيّة فنقول : الحلال على قسمين : مطلق، ومقيّد، فالحلال المطلق هو الوجود ؛ لأنّه لم يحجر على قابل له أصلا، والمقيّد من وجه هو كلّ أمر يباشره الإنسان المكلّف، أو يتقلّب فيه بصفة الفعل أو القول أو الحال، مما لم يحجر عليه هنا، ولم يتوجّه عليه المطالبة فيما بعد أو العقوبة عاجلا وآجلا.

والحرام حرامان : مطلق وهو الإحاطة بكنه الحقّ بحيث أن يشهد ويعرف كشهود نفسه بنفسه وكمعرفته بها. والحرام المقيّد من وجه كلّ ما لم يتغيّر حكم الحقّ فيه لتغيّر حال المكلّف، ولازمه المطالبة و المؤاخذة كالشرك وكنكاح الوالدة والولد ونحو ذلك ؛ فإنّ هذا النوع ليس كتحريم الميتة ومثلها ؛ فإنّه متى انصبغ المكلّف بالحالة الاضطراريّة عادة حلال فهذا النوع من الحكم يتنوّع بتنوّع حال المكلّف، فهو يعيّنه أوّلا بحالة وينسخه ثانيا بحالة أخرى، وأكثر الأحكام المشروعة هذا شأنها ولا حاجة إلى التعديد والتطويل، وما سوى ما نذكره فجزئيّات بالنسبة إلى هذه، فافهم.

والمباح أيضا مطلق ومقيّد، فالمطلق كالتنفّس والتحيّز والحركة من حيث الجملة، والمقيّد كشرب الماء والتغذّي بما لا يستغني البدن عنه، وكذلك ضرورة التدثّر والاستكنان وغيرهما مما يحرس به الإنسان نفسه ضرورة.

والمكروه هو عبارة عن التغليب في ذكر كلّ أمر ممتزج من خير وشرّ وكلّ متشابه لأحد الجانبين ميلا بهوى، أو عادة أو استحسان عقلي غير مستند إلى نصّ صريح مشروع. فإنّ الحزم والاحتياط المرعيّ في التقوى يقضي بالاحتراز منه لما يتوقّع من حصول ضرر خفي بالنسبة إلى الأكثرين بسببه، وسلامة البعض نادرا من ضرره للعناية أو لخاصّيّة الإكسير العلمي والحالي لا يحتجّ بها كحال أهل الأمزجة والنفوس القوية مع الأغذية الرديّة المضرّة من السمومات وغيرها، وكالطبيب المتدارك ضرر الأغذية الرديّة وغيرها بما يردع ضررها من معجون وترياق وغير ذلك، ولسان هذا المقام فيما نحن بصدده قوله تعالى : (إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ) وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «أتبع السيّئة بالحسنة تمحها» فاعلم ذلك.

والمندوب أصله كلّ أمر هو مظنّة للنفع من وجه ضعيف أو خفيّ ؛ لكونه ممتزجا ممّا لا ضرر فيه، وما يرجى نفعه غالبا وممّا عساه يكون بليغ النفع أحيانا بالنسبة إلى البعض، وكأنّه عكس المكروه. وقد نبّه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله على قاعدة جامعة بين الأمرين فقال : «إنّ الرجل ليتكلّم بالكلمة من سخط الله ما يظنّ أن تبلغ ما بلغت فيهوي بها في النار سبعين خريفا، وإنّ الرجل ليتكلّم بالكلمة من رضوان الله ما يظنّ أن تبلغ ما بلغت، فيكتب بها في علّيّين ـ وفي أخرى ـ فيكتب الله له بها رضاه إلى يوم يلقاه» .

وأمّا سرّ الناسخ والمنسوخ : فالناسخ هو حكم الاسم الثابت الدولة الذي إذا تعيّنت سلطنته في شريعة، دامت الشريعة دوام سلطنة ذلك الاسم ويستمرّ ترجمتها عن أحوال الأعيان التي تحويها دائرته.

والمنسوخ كلّ لسان وحكم متعيّن من الحقّ لطائفة خاصّة من حيث سلطنة الاسم يكون فلكه أصغر من فلك الشريعة يظهر حكمه فيها، وقد قدّر الحقّ انتهاء حكم ذلك الاسم قبل انتهاء دولة الشريعة التي تعيّن فيها ذلك الحكم والزمان، فإذا ظهر سلطان ذلك الاسم المقابل للاسم الحاكم في الأمر المقابل للنسخ مع اندراجهما في حيطة الاسم الذي تستند إليه تلك الشريعة، اندرج حكم الاسم المتقدّم من الاسمين المخاطبين في الاسم الآخر المتأخّر، وظهرت سلطنة المتأخّر ودامت دوام دولته كما نبّه الحقّ على أصالة ذلك على لسان الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله بقوله «إنّ رحمتي تغلب غضبي» .

والمحكم هو البيّن بنفسه وما يقتضيه الحقّ لكونه إلها، وما يقتضيه الكون، لكونه مألوها.

والمتشابه ما يصحّ إضافته إلى الحقّ من وجه وإلى الكون من وجه آخر، ويختلف الحكم باختلاف النسب والإضافات، فافهم، فقد نبّهتك على أصول الأحكام المشروعة في الحضرات الإلهيّة وعرّفتك بسرّ خطاب الحقّ عباده بألسنة الشرائع وبلسان شريعتنا المهيمنة على كلّ شريعة، وذوق كلّ نبي، فاعرف قدر ما نبّهت عليه، وقدر النبيّ الذي انتسبت إليه، وقم بحقوق شريعته، فإنّه من قام بحقوق الشريعة المحمديّة القيام التامّ، واستعمله الحقّ في وفاء آدابها ورعاية ما جاءت به على ما ينبغي، جلّى له الحقّ ما استبطنه من الأسرار في جميع الشرائع المتقدّمة، وتحقّق بها وبسرّ أمر الله فيها، فحكم بها، وظهر بأيّ حالة ووصف شاء من أوصافها مع عدم خروجه من حكم الشريعة المحمديّة المستوعبة المحيطة، فإن ارتقى من آدابه وآداب شريعته الظاهرة إلى آدابه وآدابها الباطنة، والتحم بروحانيّته، والتحق بالصفوة من عترته والكمّل من إخوانه، استطعم ما استطعموا، وحكم في الأشياء وبها بما به حكموا، و (ذلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) .


nbkuhZJSGVI

 

 

البحث في نص الكتاب

كتب صدر الدين القونوي:

كتب صدر الدين القونوي:

كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن

مفتاح غيب الجمع ونفصيله

كتاب الفكوك في أسرار مستندات حكم الفصوص

الأسماء الحسنى

رسالة النصوص

مشرع الخصوص إلى معاني النصوص للشيخ علاء الدين علي بن أحمد المهائمي

النفحات الإلهية

مرآة العارفين ومظهر الكاملين في ملتمس زين العابدين

المكتوبات

الوصية

إجازة الشيخ محي الدين له

التوجه الأتم إلى الحق تعالى

المراسلات بين صدرالدين القونوي وناصرالدين الطوسي

الرسالة المهدوية

الرسالة الهادية

الرسالة المفصحة

نفثة المصدور

رشح بال

الرسالة المرشدية

شرح الشجرة النعمانية {وهي تنسب خطأً إليه}



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!