موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

الشيخ صدر الدين القونوي

كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن

للشيخ أبي المعالي صدر الدين بن إسحق القونوي

المزاج يغلب قوّة الغذاء

 

 


واعلم، أنّه كما أنّ الغذاء إذا ورد على محلّ قد غلب عليه كيفيّة مّا، فإنّه يستحيل إلى تلك الكيفيّة، وكون المزاج ـ إذا كان قويّا ـ أبطل قوة الغذاء وحكمه بغلبة قوّته عليه، فلم يظهر أثر للخواصّ المودعة في ذلك الغذاء، التي لو لم تصادف هذا المقام والقاهر، لبدا أثرها :

فكذلك حكم الخواصّ والقوى الروحانية المودعة في كلّ غذاء مع المزاج الروحاني الذي للمتناول، الحاصل ـ كما قلنا ـ من اجتماعات القوى الروحانيّة والصفات النفسانيّة العلميّة منها والعمليّة ؛ فإنّ هذا المزاج ينتهي في القوّة إلى حدّ يقلب أعيان الصفات الروحانيّة إلى الصفة المحمودة الكاملة، الغالب حكمها على صاحب هذا الحال والمزاج الروحاني المشار إليه، ويضمحلّ قواها وخواصّها في جنب قوّة هذا الشخص وروحه.

وهكذا الأمر في الطرف المذموم ومقام النقائص بالنسبة إلى من هو في مقابلة أهل الكمال ؛ فإنّ الفيض الإلهي وآثار القوى العالية والتوجهات الملكيّة تصل إليهم في غاية التقديس والطهارة متميّزا بعضها عن بعض، فإذا اتّصلت بهم انصبغت بحسب أحوالهم والصفة الناقصة المذمومة المستولية عليهم، فانقهرت الآثار الأسمائيّة والتوجّهات الروحانيّة تحت حكم طبيعتهم وأمزجتهم المنحرفة الناقصة، وظهر عليها سلطان صفاتهم المذمومة، فحجبتها وأخفت حكمها، كما سبقت الإشارة إلى ذلك في سرّ التجليات، فافهم.

ومن تفاصيل هذا السرّ والمقام تستشرف على سرّ الحلّ والحرمة أيضا، كما نبّهت عليه، فتعلم أنّ ثمّة أمورا هي بالنسبة إلى بعض الخلق نافعة وبالنسبة إلى غيرهم غير نافعة، ونظير هذا في المرتبة الطبيعيّة الظاهرة أشياء شتّى كالعسل ـ مثلا ـ بالنسبة إلى المحرور المحترق المزاج، وبالنسبة إلى المبرود والمرطوب الغالب على مزاجه البلغم.

والضابط لك في هذا الباب أنّه مهما ظهر لك حكم من هذه الأحكام في الطبيعيّات فاعتبر مثله في المراتب الروحانيّة والصفات المعنويّة النفسانيّة، واستحضر ما أسلفت لك في النكاحات الخمسة وأسرارها من أنّ الأحكام الطبيعيّة ناتجة متحصّلة عن الأحكام الروحانيّة، والروحانيّة ناتجة عن الحقائق الغيبيّة فإن كنت من أهل الكشف والشهود، فتذكّر بهذا الكلام وتنزّه، وإلّا فسلّم واطلب ؛ فإنّ الرزّاق ذو القوّة المتين، ما هو على الغيب بضنين ولتعتبر أيضا بعد اعتبارك لتبعيّة الطبيعيّات للروحانيّات تولّد الأرواح الجزئيّة عن الأمزجة الطبيعيّة، وما للمزاج فيها وفيما يختصّ بها من الأحكام والآثار من حيث إنّها متعيّنة بقدر الأبدان، وبحسب المزاج، و ارق به بعد ذلك إلى حكم الأعيان مع الأسماء والوجود الواحد المطلق، على ما نبّهتك عليه أوّلا، وانظر ما يبدو لك من المجموع، تر العجب العجاب، وتنزّه في عموم حكم الغذاء في كلّ مرتبة، فغذاء الأسماء أحكامها بشرط المظاهر التي هي محلّ الحكم، وهذا هو عالم المعاني والحقائق الغيبيّة، وغذاء الأعيان

الوجود، وغذاء الوجود أحكام الأعيان، وغذاء الجواهر الأعراض، وغذاء الأرواح علومها وصفاتها، وغذاء الصور العلويّة حركاتها وما به دوام حركتها الذي هو شرط لدوام استمدادها من أرواحها المستمدّة من الحقائق الأسمائيّة، وغذاء العناصر ما به بقاء صورها المانع لها من الاستحالة إلى المخالف والمضادّ، وغذاء الصور الطبيعيّة الكيفيّات التي منها تركّبت تلك الصورة والمزاج، فالحرارة لا تبقى إلّا بالحرارة، وكذا البرودة وغيرهما من الكيفيّات الروحانيّة، والرطوبة الأصليّة التي هي مظهر الحياة لا تبقى إلّا بالرطوبة المستمدّة من الأغذية لكن لا يتأتّى قيام المعنى بالمعنى وانتقاله إليه حقيقة وحكما إلّا بواسطة الموادّ والأعراض اللازمة وهي شروط يتوقّف الأمر عليها، وليست مقصودة لذاتها ولا مرادة بالقصد الأوّل الأصلي، فوظيفتها أنّها توصل المقصود وتنفصل، فيعقبها المثل، وهكذا الأمر في كلّ غذاء ومغتذ على اختلاف مراتب الأغذية والمغتذين الذين سبق ذكر مراتبهم.

ولمّا كان الوجود واحدا ولا مثل له كانت تعيّناته الحاصلة والظاهرة بالأعيان هي التي يخلف بعضها بعضا مع أحديّة الوجود، فافهم.

وهنا أسرار لا يمكن كشفها، لكن من تدبّر ما اومأت إليه واطّلع على مقامه وأصله، عرف سرّ ظهور صور العالم بأسرها، وسرّ أرواحه والنشآت الدنياويّة والأخرويّة والبرزخيّة وغيرها، وعرف ما تنتشي من الحركات والأفعال والأحوال، من كلّ متحرّك وفاعل ذي حال، ومن كلّ كون وفساد واقع في العالم، وما [هو] المراد بالقصد الأوّل من المجموع وفيه، وما [هو] المراد بالتبعيّة وبالقصد الثاني، وما هو شرط فحسب من وجه واحد، مراد باعتبار واحد، وما هو شرط في مرتبة، وتبع وهو بعينه مراد ومتبوع في مرتبة أخرى، وحكم الوقت والحال والمرتبة والموطن في مجموع ما ذكر من حيث التقيّد بالموطن والوقت وغيرهما، وكيف تكون هذه الأمور أيضا تارة في مرتبة المتبوعيّة والمشروطيّة، وأخرى في مرتبة الشرطيّة والتبعيّة، وحكم الوقت والحال. وما ذكرنا بالنسبة إلى من يتعيّن بها وبحسبها وبالنسبة إلى من تتعيّن به، وليس شيء مرادا في كلّ مرتبة بالقصد الأوّل غير الإنسان الكامل في دوره وعصره. ومن الأشياء ما هي مرادة بقصد أوّل وثان في

زمان واحد باعتبارين، وما المرتبة التي تتضمّن هذه التفاصيل قبل ظهور الإنسان الكامل، وهل يصحّ ذلك أم لا؟ ويعرف سرّ الدوام والحياة والبقاء والإبقاء، وسرّ الزوال والموت والفناء والإفناء، وغير ذلك من العلوم التي يتعذّر تفصيلها، وتفصيل ترجمتها مع تعذّر تسمية بعضها بأحقّ أسمائها ؛ لما في ذلك من الأخطار. وفيما ذكرنا غنية للمستبصرين وتذكرة للمشاركين وعبرة للمعتبرين (وَاللهُ يَقُولُ الْحَقَ) (وَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) .


nbkuhZJSGVI

 

 

البحث في نص الكتاب

كتب صدر الدين القونوي:

كتب صدر الدين القونوي:

كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن

مفتاح غيب الجمع ونفصيله

كتاب الفكوك في أسرار مستندات حكم الفصوص

الأسماء الحسنى

رسالة النصوص

مشرع الخصوص إلى معاني النصوص للشيخ علاء الدين علي بن أحمد المهائمي

النفحات الإلهية

مرآة العارفين ومظهر الكاملين في ملتمس زين العابدين

المكتوبات

الوصية

إجازة الشيخ محي الدين له

التوجه الأتم إلى الحق تعالى

المراسلات بين صدرالدين القونوي وناصرالدين الطوسي

الرسالة المهدوية

الرسالة الهادية

الرسالة المفصحة

نفثة المصدور

رشح بال

الرسالة المرشدية

شرح الشجرة النعمانية {وهي تنسب خطأً إليه}



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!