موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

الشيخ صدر الدين القونوي

كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن

للشيخ أبي المعالي صدر الدين بن إسحق القونوي

وصل من هذا الأصل

 

 


اعلم، أنّ الأحكام الأصليّة المشروعة ـ أعني الوجوب والندب والتحريم والكراهة والإباحة ـ منسحبة على سائر أفعال المكلّفين، فلا يمكن أن يصدر من المكلّف فعل من الأفعال ـ كائنا ما كان ـ ولا أن يكون في حال من الأحوال إلّا وللشرع فيه حكم من إحدى هذه المراتب الخمس وسواء كان الفعل ممّا تعيّنت له صورة في الأوامر والنواهي المشروعة، كقوله تعالى : (أَقِيمُوا الصَّلاةَ) وكقوله تعالى : (وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالْحَقِّ) وغيرهما من الأمور المعيّنة بالذكر والمقيّدة بالشرط، كالحال والوقت ونحوهما من الشروط. أو كانت مندرجة الذكر في ضمن أصل كلّي شامل الحكم، مثل قوله تعالى : (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ) إلى آخر السورة، وكقوله تعالى : (مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ) وكقوله عليه‌السلام : «في كلّ ذي كبد رطبة أجر» ونحو ذلك ممّا أجمل ذكره في الكتاب العزيز والأحاديث النبويّة.

ومبدأ ظهور جميع الأفعال، الإنسانيّة من حيث نشأته الطبيعيّة العنصريّة وهو باطن القلب، لكن شروع الفاعل في فعل أيّ أمر كان، متوقّف على داعية تتشخّص في قلبه، تبعثه على بعض الأفعال، وترجّحه على غيره من الأفعال وعلى الترك.

وتشخّص هذه الداعية في القلب، وتعيّن البواعث الموجبة لصدور الأفعال من الفاعلين ،

إنّما تخرج من القلب، وتتفرّع أحكامها وتنفذ في الجوارح، ثم إلى غيرها بحسب وجوه القلب الآتي ذكرها، وبحسب ما اتّصف به القلب حال الشروع من الصفات المتعيّنة فيه من غيب الذات، والظاهرة الغلبة عليه بواسطة إصبعي الرحمن أو اللمّتين أو ما نزل عنهما من الأحكام الروحانيّة والنفسانيّة والطبيعيّة، جهل تعيّن حكم كلّ من ذلك أو عرف.

والبواعث والأحكام للوجوه القلبيّة بأجمعها ـ على اختلاف مراتبها ما عدا الوجه الخاصّ ـ غايتها أحد أمرين : إمّا جلب المنافع، أو دفع المضارّ عاجلا و آجلا، صورة ومعنى، جمعا أو فرادى، بتعمّل أو بدونه، كما سبق التنبيه عليه، لكن تحت ما ذكرنا أقسام دقيقة لا يعرفها إلّا الأكابر، من جملتها أنّ بعض الأعمال قد يكون حجابا على أحد الأصلين المذكورين، ويقصد من العامل وبدونه، بمعنى أنّه قد يصدر من بعض الناس عمل مّا، فيصير حجابا مانعا من وصول بعض الشرور إليه، أو وصول خير لو لا ذلك الحجاب، لحصل لصاحب العمل، وقد يعلم العامل ذلك، وقد لا يعلمه، وقد يعلم فيما بعد.

وللجزاء أيضا رتبتان كلّيّتان : إحداهما : تقتضي سرعة المجازاة في الدنيا، وعدم تخلّف الجزاء عن الفعل خيرا كان أو ضدّه. والرتبة الأخرى : قد تقتضي تخلّف الجزاء وتأخيره إلى أجل معلوم عند الله في الآخرة، كما نبّه عليه من قبل وعلى بعض ما يختصّ به من الأحكام والأسرار.

فمن الجزاء الخاصّ في الخير المنبّه عليه في الإخبارات النبويّة هو أنّ اتّفاق الكلمة والجمعيّة قرن بينهما درّ الرزق واستقامة الحال في الدنيا، وإن كان القوم الذين هذا شأنهم أهل فسوق. وفي رواية أخرى «صلة الرحم». وفي أخرى «الدوام على الطهارة». وفي أخرى جمع فقال ـ عليه الصلاة والسلام ـ : «إن الله لا يظلم المؤمن حسنة يثاب عليها الرزق في الدنيا ويجزي بها في الآخرة». وأمّا الكافر فيطعم بحسناته في الدنيا، فإذا أفضي

إلى الآخرة لم يكن له حسنة يعطى بها خيرا، وعيّن صلى‌الله‌عليه‌وآله أيضا في باب السيّئات وعدم تأخير الجزاء عليها بالعقوبة، قطيعة الرحم، والبغي وترك النهي عن المنكر مع التمكّن من ذلك.

والجزاء العامّ السريع في الخير تهيئة واستقامة تحصل للقوى القلبيّة والصفات الروحانيّة والطبيعيّة، فيعقبها انكشاف بعض الحجب وذهاب بعض الموانع الحائلة بين الإنسان وبين إدراك بعض ما في إدراكه، له خير وراحة في عاجل أو آجل، معنويّا كان الخير أو محسوسا، فيحظى من ذلك الخير بمقدار تهيّئه وقبوله وما كتب له منه، دون بطء ولا تأخير بطء والجزاء العامّ السريع في باب المكروه الحرمان الذي يوجبه إمّا حجاب وارد، أو عدم ارتفاع حجاب حاصل في المحلّ حاكم عليه، لو لا ذلك الفعل السيّئ، لانتهى حكمه وخلأ الإنسان منه، أو لعدم حراسة تقي ضرر ما اجتلبه الإنسان إلى نفسه بواسطة الفعل السيّئ وتعرّض له بقبيح العمل.

فهذه الأقسام من نوع الجزاء لا تتأخّر عن الفعل، بل تترتّب عليه عقيب صدوره من العامل.

ويشتمل هذا المقام على أسرار إلهيّة وكونيّة شريفة جدّا لا يشهدها إلّا الأكابر من أهل الحضور والشهود والمعرفة التامّة، ويعلمون من تفاصيلها بمقدار معرفتهم التي يتبعها حضورهم.

ومن هذا المقام يشهد من يكشفه على التمام سرّ الأمر الأحدي الجمعي الإلهي، ثم الرحماني الذي تفرّع منه حكم الإصبعين في إقامة القلب وإزاغته، ثم حكم الإصبعين من كونهما إصبعين، ثم اللمّتين، والأفعال النفسانيّة الطبيعيّة المباحة، التي لا أجر فيها ولا وزر، إلّا إذا ظهرت من الكمّل والأفراد ومن شاء الله من المحقّقين الحاضرين مع الآمر حين المباشرة من حيث الأمر، بمعنى أنّه لو لم يبح له مباشرة ذلك الفعل، ما باشره، مع ما أضاف إلى الإباحة بقوله تعالى : (كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ) و (لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ

ما أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ) وغير ذلك، وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله أيضا «إنّ الله يحبّ أن تؤتى رخصه» ونحو هذا ؛ فإنّ المباشر للمباح، الحاضر مع الآمر أو مع الأمر من كونه أمرا يوجر على كلّ مباح، ويكتب في ارتكابه إيّاه من الطائعين الممتثلين أوامر سيّدهم، وقد ورد ما يؤيّد ما ذكرناه في الحديث الثابت لمّا نبّه عليه‌السلام بعض الصحابة عيل هذا السرّ، وأخبره أنّه له في إتيان أهله أجرا، فتعجّب الصحابي من ذلك، فقال ما معناه : ألي في وضع شهوتي أجر؟ فقال عليه‌السلام : «نعم، أرأيت لو وضعتها في حرام أكان عليك فيها وزر؟» فقال : نعم، قال : «فكذلك إذا وضعتها في حلال كان لك أجر» أو كما قال عليه‌السلام. ويمتاز الكمّل والأفراد فيما ذكرنا عمّن سواهم بحال وحضور وظهور علم زائد على ما نبّهنا عليه يختصّون به، ربما نلوّح بطرف منه فيما بعد، إن شاء الله تعالى.


nbkuhZJSGVI

 

 

البحث في نص الكتاب

كتب صدر الدين القونوي:

كتب صدر الدين القونوي:

كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن

مفتاح غيب الجمع ونفصيله

كتاب الفكوك في أسرار مستندات حكم الفصوص

الأسماء الحسنى

رسالة النصوص

مشرع الخصوص إلى معاني النصوص للشيخ علاء الدين علي بن أحمد المهائمي

النفحات الإلهية

مرآة العارفين ومظهر الكاملين في ملتمس زين العابدين

المكتوبات

الوصية

إجازة الشيخ محي الدين له

التوجه الأتم إلى الحق تعالى

المراسلات بين صدرالدين القونوي وناصرالدين الطوسي

الرسالة المهدوية

الرسالة الهادية

الرسالة المفصحة

نفثة المصدور

رشح بال

الرسالة المرشدية

شرح الشجرة النعمانية {وهي تنسب خطأً إليه}



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!