المكتبة الأكبرية
*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***
*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***
كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن
للشيخ أبي المعالي صدر الدين بن إسحق القونوي
وصل من هذا الأصل
ولمّا كان كلّ واحدة من المرتبتين المذكورتين ـ اللتين كانت حضرة أحديّة الجمع مرآة لهما وجامعة بالذات بينهما ـ أصلا من وجه، فرعا من آخر كما سبق التنبيه عليه في غير موضع من هذا الكتاب، من جملة ذلك قولنا : إنّ الحقّ من حيث باطنه مظهر لأحوال العالمين ومرآة من حيث حضرة أحديّة الجمع لأعيانها، فيه يرى البعض منها البعض، ويتّصل حكم البعض بالبعض، ويظهر أثر المتبوع المتقدّم بالشرف المرتبي والوجود والزمان على المتأخّر التابع، وبالعكس أيضا من حيث إنّ التابع المتأخّر من وجه آخر متقدّم متبوع وشرط كما بيّن من قبل في أوّليّة الحقّ من حيث الوجود، وآخريّته من حيث الصفات، كما أخبر سبحانه وأبان بقوله : (اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) وبقوله : (هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْباطِنُ) وفي بيان مرتبة آخريّته من حيث الصفات بقوله تعالى : (إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ) وبقوله عليهالسلام : «من عرف نفسه عرف ربّه» وبقوله : «إنّ الله لا يملّ حتى تملّوا» وبقوله : «كنت كنزا لم أعرف فأحببت أن أعرف» الحديث، فافهم، واذكر، ومن حيث إنّ الحقّ مسمّى بالظاهر، كان العالم من حيث حقائقه مظاهر لوجوده ومجالي تعيّنات شؤونه، وكلّ مظهر فغير مرئيّ وإن كان الأثر له، وكلّ منطبع فظاهر ولا ينسب إليه أثر من حيث هو
كذلك، فلهذا وغيره قلنا : إنّ كلّ فرع متوجّه إلى أصله وعابد له، ولهذا الموجب وسواه سرت أحكام العبوديّة والربوبيّة في كلّ شيء بحسب ما يليق به، فظهر سرّ المعيّة الإلهيّة الذاتيّة في كلّ شيء بالإحاطة الوجوديّة والعلميّة والحكميّة، فكلّ حاكم فبصفة الربوبيّة، وكلّ مجيب وتابع فبالصفة الأخرى، وقد عرّفتك مراتب ظهور هذه الأمور في الأشياء كيف تكون، ومتى تصحّ، ومتى تمتنع، وفي الشيء الواحد أيضا بحسب شؤونه المختلفة والمحالّ والمراتب والمحالي المتباينة والمؤتلفة، فتذكّر واكتف، والله الهادي.
nbkuhZJSGVI