موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

الشيخ صدر الدين القونوي

كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن

للشيخ أبي المعالي صدر الدين بن إسحق القونوي

وصل: من لسان الجمع والمطلع وبه نختم الكلام على هذا القسم الثاني بعون الله ومشيئته

 

 


اعلم، أنّ الله لمّا خلق الخلق لعبادته ـ كما أخبر ـ وهبهم من وجوده وصفاته ما قدّر لهم قبوله، فعبدوه به ؛ إذ لا يصحّ أن يعبدوه بهم على جهة الاستقلال، لأنّهم من حيث هم لا وجود لهم، ولا يتأتّى منهم عبادة، ولهذا شرع لهم أن يقولوا بعد قولهم : (إِيَّاكَ نَعْبُدُ) قولهم : (وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) لعدم الاستقلال. فانبعثوا عند هذا التنبيه طالبين منه المعونة على عبادته، كما كان القبول منهم لوجوده حالة الإيجاد معونة لاقتداره سبحانه وتعالى. فإنّه لو لا مناسبة ذاتيّة غيبيّة أزليّة يشهدها الكمّل المقرّبون، ما صحّ ارتباط بين الربّ والمربوب، ولا أمكن إيجاد ؛

فالإيجاد خدمة وعبادة بصورة إحسان، والعبادة إيجاد لصور أعيان أعمال، وتسوية إنشاء، وإحياء لنشآت العبادة، ليرجع إلى المنشئ ممّا ظهر وانتشأ به كمال لم يكن ظاهرا من قبل، كظهوره بعد الإنشاء، فكذلك الأمر في الطرف الآخر ؛ فإنّه لو لا ظهور آثار الأسماء، ما عرف كمالها، ولو لا المرائي المتعيّنة في المرآة الجامعة ـ التي هي مجلى ـ ما امتاز من غيب الذات، و [لو لا] التي ظهر فيها كوامن التعدّدات الحالية، المستجنّة في غيب الذات

ما ظهرت أعيان الأسماء.

فنحن العابدون وهو المعبود، وهو الموجد ونحن الموجودون، فلام العلّة المنبّه على أحد حكميها بقوله : (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) ذاتيّة في الجانبين، فأظهر أحد حكمي هذا السرّ بهذه اللام المذكورة في «ليعبدون» حكمة ظاهرة، وأخفى حكمها الآخر في قوله : (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) حكمة باطنة ؛ لأنّ له سبحانه في كلّ شيء ـ ولا سيّما في شرائعه وأوامره وإخباراته ـ حكما ظاهرة وباطنة يشهدها ويتحقّق بمعرفتها الكمّل والمتمكّنون من أهل الكشف والوجود، ويشعر أهل العلوم الرسميّة من ظاهر تلك الحكم بالأقلّ من القليل منها في بعض الصور التكليفيّة بطريق التعليل.

وأمّا سرّ قوله : (نَعْبُدُ) و (نَسْتَعِينُ) بضمير الجمع، فلسرّين كلّيّين كبيرين :

أحدهما : ما سبقت الإشارة إليه من أنّ ظهور عين العبادة والأعمال مطلقا لا يحصل في الوجود العيني إلّا بين الرتبة المشتملة على أحكام الربوبيّة وبين المجلى المذكور المشتمل على أحكام المربوبيّة، فمتعلّق ضمير الجمع بلسان الحقّ والكون حيث ورد، مثل «نحن» و «إنّا» و «نعبد» و «نستعين» وغير ذلك هو لسان جملة ما يشتمل عليه كلّ واحدة من الرتبتين المذكورتين، فافهم.

وأمّا السرّ الآخر المتضمّن تحقيق ما أجمل، وبيانه، فهو أنّ لكلّ من هاتين المرتبتين : الربانيّة والكونيّة المشار إليهما نشأة معنويّة غيبيّة، ذات أحوال وحقائق متناسبة متباينة، ولأحكامها فيما بينهما امتزاج وتداخل بائتلاف واختلاف وهي من جانب الحقّ عبارة عن الصورة التي حذيت عليها الصورة الآدميّة، وتعيّنها من غيب الحقّ الذاتي هو من حيث المرتبة الإنسانيّة الكماليّة، المسمّاة هنا بحضرة أحديّة الجمع، المظهرة أعيان الأشياء وأحكام الأسماء والصفات والشؤون الإلهيّة المتقابلة من جهة الأثر، والمتفاوتة في الحيطة والحكم، ك «القابض» و «الباسط» و «المانع» و «المعطي» و «المميت» و «المحيي» و «العليم» و «القدير» و «المريد» وك «السخط» و «الرضا» و «الفرح» و «الحياء»، و «الغضب» و «الرأفة» و «الرحمة» و «القهر» و «اللطف»، ونحو ذلك ممّا ورد ؛ فإنّ لهذا كلّه

في حضرة أحديّة الجمع ـ التي هي البرزخ بين مطلق الغيب الذاتي وبين الحضرة التي امتازت عن الغيب من وجه، وكانت محلّ نفوذ الاقتدار، وهدف أسهم التوجّهات الغيبيّة والآثار ـ تعيّنا وانتظاما بهيئة غيبيّة علميّة، يضاهيها نظم النشأة الإنسانيّة بقواها الطبيعيّة وأخلاقها الروحانيّة وخصائصها المعنويّة الغيبيّة، والحقيقة الإلهيّة التي تنضاف إليها الصورة المذكورة في مقابلتها العين الثابتة التي للإنسان، وأنّها عبارة عن صورة علم ربّه به أزلا وأبدا في نفسه سبحانه، كما أنّ صورة ربّه عبارة عن صورة علمه سبحانه بذاته وشؤونها وصور عبارة عن صور نسب علمه ؛ ونسب علمه في ذوق المقام المتكلّم فيه عبارة عن تعيّنات وجوده التي قلنا : إنّها من حيث تعدّدها أحواله ومن حيث توحّدها عينه، وأحواله تتعيّن في هذا البرزخ المسمّى بحضرة أحديّة الجمع وتظهر متعدّدة في الحضرة الكونيّة التي هي عبارة عن أحد وجهي حضرة أحديّة الجمع المشتمل على صورة الكثرة ؛ فإنّ هذه الحضرة هي مقام الكمال الظاهر الحكم بالإنسان الكامل المرآة لغيب الذات ولما تعيّن منه ـ أي من الغيب المذكور ـ فيه وبها أيضا.

وهذا البرزخ أيضا عبارة عن مبدأ تعيّنه سبحانه بنفسه لنفسه بصفة ظاهريّته ومظهريّته، وجمعه ببرزخيّته المذكورة بين الطرفين من حيث الإنسان الكامل، وهذا التعيّن البرزخي الوسطي أيضا هو أصل كلّ تعيّن، والمنبع لكلّ ما يسمّى شيئا سواء نسب ذلك التعيّن ـ أيّ تعيّن كان ـ إلى الحقّ، بمعنى أنّه اسم له أو صفة أو مرتبة، أو نسب إلى الكون أيضا بهذا الاعتبار الاسمي أو الصفاتي أو المرتبي، أو اعتبر أمرا ثالثا وهو ظهور الحقّ من حيث عينه ثانيا بالنسبة إلى ما قام منه مجلى لسائر تعيّناته أولا كما مرّ، وثالثا ورابعا، وهلمّ جرّا إلى ما لا نهاية له، فيما تعيّن لنفسه منه من كونه غير متعيّن، ثم فيما تعيّن ممّا تعيّن منه وبه، غيبا وشهادة، ممّا يسمّى عينا أو غيرا بالنسبة، فاعلم ذلك.

وإذا تقرّر هذا، فاعلم، أنّ العبارات اختلفت في تعريف حضرة أحديّة الجمع، وكلّها صحيحة.

فإن قلت : إنّها الحقيقة الإنسانيّة الإلهيّة الكماليّة، التي كان كلّ إنسان كامل من حيث صورته الظاهرة مظهرا لتلك الحقيقة ولوازمها، صدقت، وإن سمّيتها برزخ الحضرتين : الإلهيّة والكونيّة ؛ لكونها مشتملة على جميع الأحكام الإلهيّة والإمكانيّة، مع أنّها ليست بشيء زائد على معقوليّة أحديّة جمعها كسائر البرازخ، صدقت أيضا.

وإن سمّيتها مرآة الحضرتين، أو أنّها مرتبة صورة الحقّ والإنسان الكامل من غير تعديد، والحدّ الفاصل بين ما تعيّن من الحقّ، وكان مجلى لما لم يتعيّن منه ولم يتعدّد، صدقت، فكلّ ذلك ذاتي لها دائما أزلا وأبدا. وتقيّد الكمّل الذين هم أصحاب هذه المرتبة، من حيث بعض النشآت التي يظهرون بها بالزمان، لا يقدح فيما أصّلنا، ولا ينافي ما ذكرنا وقرّرنا.

ثم نقول : الإنسان الكامل في كلّ عصر من حيث أحد وجهي هذه المرتبة ـ أعني الوجه الذي يلي غيب ذات الحقّ ولا يغايره ولا يمتاز عنه ـ يترجم، عن غيب الذات وشؤونها التي هي حقائق الأسماء ب «نحن» و «إنّا» و «لدينا» ونحو ذلك، ومن حيث الوجه الآخر الذي ينطبع فيه الأعيان وأحوالها يترجم عنها وعنه من حيث هي وبلسانها، ومن حيث هو أيضا بلسان جمعيّة خصوصيّته وما حوته ذاته من الأجزاء والخصائص والصفات والقوى الروحانيّة والجسمانيّة الطبيعيّة ب «نعبد» و «نستعين» و «اهدنا» ونحو ذلك، لإحاطة مرتبته الكماليّة هذه، الطرفين وما اشتملا عليه غيبا وشهادة، روحا وجسما، عموما وخصوصا، قوّة وفعلا، إجمالا وتفصيلا، فافهم، وأمعن التأمّل، وراجع ربّك بالتضرّع والافتقار ؛ فإنّه إن فكّ لك ختم هذا الكلام، عرفت سرّ الربوبيّة والعبوديّة في كلّ شيء، وسرّ العبادة والتوجّه والطلب والفوز والحرمان، وتحقّقت أنّ كلّ عابد متوجّه من حيث فرعيّته وخلقيّته، إلى أصله الإلهي المتعيّن به من مطلق غيب الذات في المرآة المذكورة الكماليّة الإنسانيّة الإلهيّة، بانعكاس حكميّ راجع من عرصة الإمكان، إلى المرآة المذكورة، فإيّاه يعبد، وإليه يتوجّه، ومنه بدأ، وإليه يعود.

هذا، مع أنّه ما عبد أحد إلّا الله، ولا توجّه إلّا إليه، من حيث إنّ تلك المرآة الكماليّة الإلهيّة قبلة كلّ موجود كان ويكون، ومن حيث مواجهة كلّ شيء من هذه المرآة وفيها أصله المحاذي والمتعيّن له به من غيب الذات، فكلّ أحد له قسط من الحقّ أخذه من مشكاة هذه المرتبة الكماليّة المسمّاة هنا بالمرآة، وذلك القسط عبارة عن تعيّن الحقّ من حيث شأن من شؤونه، وذو القسط صورة ذلك الشأن، فافهم.

فو الله ما أظنّك تعرف مقصودي إلّا أن أمدّك الله بأيده ونوره، وما فاز بالحقّ إلّا الكامل، فإنّه يواجه غيب الذات بأحد وجهيه المنبّه عليه مواجهة ذاتيّة، لا يمتاز المتوجّه فيها عن المتوجّه إليه إلّا بالجمع بين الوجهين المشتملين على أحكام الحضرتين : فهو المطلق المقيّد، والبسيط المركّب، والواحد الكثير، والحادث الأزلي، له وجد الكون، وبه ظهر كلّ وصل وبين، فتنبّه وانظر بما بيّنّا صحّة حكم قوله تعالى : (وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ) وقوله الآخر : (إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ) وقضاؤه حكمه بلا شكّ، وأمره الحقيقي نافذ دون ريب، كما قال سبحانه : (فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ) و (لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ) .

فلو لم يكن سرّ العبادة كما ذكر، لزم أن تصحّ عبادة غير الله والتوجّه إليه، ولزم تعقيب حكمه وردّ أمره، ويتعالى الله عن ذلك وعن كلّ ما لا يليق بجلاله علوّا كبيرا.

فالتخطئة والمؤاخذه وقعتا من أجل الحصر والتعيين والإضافة ؛ لأنّ إضافة استحقاق العبادة لشيء واعتقاد أنّه الربّ المطلق التصرّف، ذو الألوهيّة الشاملة الحكم على سبيل حصر هذه الأمور فيه والتعيّن جهل وخلاف الواقع، فصحّت المؤاخذة مع نفاذ الحكم الأوّل والأمر المؤصّل.


nbkuhZJSGVI

 

 

البحث في نص الكتاب

كتب صدر الدين القونوي:

كتب صدر الدين القونوي:

كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن

مفتاح غيب الجمع ونفصيله

كتاب الفكوك في أسرار مستندات حكم الفصوص

الأسماء الحسنى

رسالة النصوص

مشرع الخصوص إلى معاني النصوص للشيخ علاء الدين علي بن أحمد المهائمي

النفحات الإلهية

مرآة العارفين ومظهر الكاملين في ملتمس زين العابدين

المكتوبات

الوصية

إجازة الشيخ محي الدين له

التوجه الأتم إلى الحق تعالى

المراسلات بين صدرالدين القونوي وناصرالدين الطوسي

الرسالة المهدوية

الرسالة الهادية

الرسالة المفصحة

نفثة المصدور

رشح بال

الرسالة المرشدية

شرح الشجرة النعمانية {وهي تنسب خطأً إليه}



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!