موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

الشيخ صدر الدين القونوي

كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن

للشيخ أبي المعالي صدر الدين بن إسحق القونوي

قوله تعالى : (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) :

 

 


اعلم، أنّ هذه الآية تشتمل على أمور تتعلّق بظاهرها، وأمور تختصّ بما بعد الظاهر وفوقه، ونحن نبدأ بالظاهر، ثم نشرع فيما بعد. فنقول :

هذه الآية منتظمة من ثلاث كلمات : لفظة «اهدنا» ولفظة «الصراط» و [لفظة] «المستقيم»، ولكلّ واحدة من هذه الثلاث ثلاث مراتب ظاهرة، وثلاث مراتب باطنة، سننبّه عليها كلّها ـ إن شاء الله تعالى ـ فتذكّر تثليث الفاتحة، وافحص عن سرّه، فإن أشهدته شاهدت العجب :

و «اهدنا»، أمر في صورة دعاء وسؤال، وهو مأخوذ من الهداية وهي : البيان، وأصل هذه اللفظة بالياء وانحذفت للأمر. وورودها بصيغة الجمع هو إرداف لما سلف في قوله : (نَعْبُدُ) و (نَسْتَعِينُ) فكان كلّ من العباد يترجم عن الجميع بلسان النسب الجامع

والحكم المشترك بين الكلّ.

والحكمة الأولى في ذلك أنّ الخلق لا يخلو فيهم من عبد يستجاب له في عين ما سأل، فيسري حكم دعائه وبركة عبادته تلك في الجميع، ولهذا ورد : «الجماعة رحمة» وحرّضنا على الصلاة والذكر في الجماعة بأنواع من التحريض رجاء البركتين : الواحدة ما ذكرنا من سراية بركة من أجيب دعاؤه وقبلت صلاته كلّها فيمن لم تقبل صلاته ولم يستجب له في عين ما سأل وبحسب ما أراد.

والبركة الأخرى هي أنّه لو قدّر أن لا يكون في الجمع من أتمّ نشأة تلاوته أو صلاته على نحو ما ينبغي، فإنّه قد يتحصّل من بين الجمع ـ باعتبار قبول المعبود من كلّ واحد من التالين أو المصلّين بعض ما أتى به ـ صورة تامّة عمليّة، منتشية من أجزاء صالحة مقبولة، كلّ جزء وقسط يختصّ بواحد من تلك الجماعة، فتعود تلك الصورة التامّة ـ بحكم كمالها ـ تشفع فيما بقي من الأجزاء والحصص التي لم تستحقّ القبول، وتسري بركة المقبولة في غير المقبولة سراية الإكسير بقوّته في الرصاص والقزدير، فيقلب عينه، ويوصل بينه، ويرقّيه إلى درجة الكمال الذي أهّل له، فافهم.

لفظة (الصِّراطَ) : الصراط هو ما يمشى عليه، ولا يتعيّن إلّا بين بداية وغاية، وفي هذه اللفظة ثلاث لغات : الصاد، والسين، والزاي. واختصاصها بالألف واللام هو للعهد والتعريف، وهو أحد أقسام التعريف ؛ لأنّ التعريف بالألف واللام على ثلاث أقسام :

أحدها : تعريف الجنس نفسه لا باعتبار ثبوته لما تحته من الأفراد، بل باعتبار ذاته فقط.

والثاني : التعريف باعتبار ثبوت الحقيقة لأحد الأفراد التي تحتها.

والثالث : تعريف الحقيقة من حيث استغراقها وهو اعتبار ثبوتها لما تحتها من الأفراد. ويسمّى الأوّل تعريف الذات، والثاني تعريف العهد، والثالث استغراق الجنس.

وفي التحقيق القسم الثاني من هذه الثلاثة الذي هو تعريف العهد هو أتمّ الأقسام ؛ فإنّ له وجها إلى التعريف الذاتي، وكأنّه لا يغايره من ذلك الوجه، وهكذا حكمه أيضا مع القسم الثالث ؛ فإنّه ما لم تسبق للمخاطب معرفة مقصود المخاطب من الأدوات التي يعرّف به

لم يعلم مراده، فكلّ تعريف إذا لا يخلو عن حكم العهد بالاعتبار المذكور.

ولا شكّ أنّ الألف واللام ها هنا لتعريف العهد، فإنّه قد تكرّر التنبيه على ذلك عند ذكر الكمّل من الأنبياء، حيث قال سبحانه : (أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ) وذكر التأسّي أيضا بالجمع والإفراد في غير موضع وهو الاقتداء، وبعد تعريفه سبحانه عباده أنّ نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله يهدي إلى صراط مستقيم، نبّههم وأخبرهم أنّهم إن كانوا صادقين في دعواهم محبّة ربّهم، فليتّبعوه يحبّهم الله، وهذا من الاقتداء أيضا الذي هو المشي على الصراط.

قوله : (الْمُسْتَقِيمَ) نعت للصراط، والمراد بالمستقيم هنا استقامة خاصّة نذكر سرّها وسرّ أربابها، وأقسامهم فيما بعد، وإلّا فما ثمّة صراط إلّا والحقّ غايته، كما ستعرفه ـ إن شاء الله

ولنشرع بعد في الكلام على أسرار هذه الآية على جاري السنّة الملتزمة، فنقول أوّلا :

اعلم، أنّ للهداية والإيمان والتّقى وأمثالها من الصفات ثلاث مراتب : أولى، ووسطى، ونهاية، قد نبّه عليها سبحانه في مواضع من كتابه العزيز، وعاينها، وتحقّق بها أهل الكشف والوجود، فمن ذلك قوله تعالى : (لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا إِذا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)، وقوله : (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى)، فنبّه بذلك كلّه الألبّاء ليتفطّنوا أنّ بعد الإيمان بالله والإقرار بوحدانيّته درجات في نفس الإيمان والهداية والتقى ونحو ذلك، وإلى تلك الدرجات الإشارة بالزيادة، كقوله : (لِيَزْدادُوا إِيماناً مَعَ إِيمانِهِمْ) وكقوله في أهل الكهف : (إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْناهُمْ هُدىً) .

ولمّا لم يعلم أهل الظاهر من العلم هذه الدرجات ولم يعاينوها ولم يتحقّقوا بها، اختبطوا في هذه الأمور، وقالوا : الصفات معان مجرّدة لا تقبل النقص والزيادة، فشرعوا في التأويل، وهاموا في كلّ واد من أوديته.

والراسخون في العلم يقولون آمنّا به كلّ من عند ربّنا وما يذّكّر بعد هذا الإيمان بجليّة الأمر ويستشرف على كنه السرّ إلّا أولو الألباب الذين لم تحجبهم القشور وتعدّوها، فعرفوا كنه حقائق الأمور.

ومن غرائب ما في هذه التنبيهات الربانيّة ذكر «ثمّ» المفيدة للتراخي والمؤذنة بامتياز ما بعدها عمّا تقدّمها، لئلّا يريبك المحجوب ؛ فأين الاهتداء المشار إليه بعد التوبة الإيمانيّة، ثم الإيمان اللازم لتلك التوبة والأعمال الصالحة بتعريف الله من الاهتداء إلى أنّ دين الإسلام هو الدين الحقّ بعد بعثة محمّد، وأنّ ما جاء به صلى‌الله‌عليه‌وآله حقّ، وما سواه منسوخ أو باطل؟ وأين الإيمان والتقى المذكوران في أوّل الآية ـ التي أوردناها تأنيسا للمحجوب الضعيف ـ من الايمان والتقى المذكورين في وسطها، والمذكورين في آخرها، فتذكّر.

وللهداية ثلاث مراتب يقابلها ثلاث درجات من الحيرة التي هي الضلالة مقابلة الدركات النارية الدرجات الجنانيّة ستعيّن لك فيما بعد عند الكلام بلسان الجمع والمطلع ـ إن شاء الله


nbkuhZJSGVI

 

 

البحث في نص الكتاب

كتب صدر الدين القونوي:

كتب صدر الدين القونوي:

كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن

مفتاح غيب الجمع ونفصيله

كتاب الفكوك في أسرار مستندات حكم الفصوص

الأسماء الحسنى

رسالة النصوص

مشرع الخصوص إلى معاني النصوص للشيخ علاء الدين علي بن أحمد المهائمي

النفحات الإلهية

مرآة العارفين ومظهر الكاملين في ملتمس زين العابدين

المكتوبات

الوصية

إجازة الشيخ محي الدين له

التوجه الأتم إلى الحق تعالى

المراسلات بين صدرالدين القونوي وناصرالدين الطوسي

الرسالة المهدوية

الرسالة الهادية

الرسالة المفصحة

نفثة المصدور

رشح بال

الرسالة المرشدية

شرح الشجرة النعمانية {وهي تنسب خطأً إليه}



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!