موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

الشيخ صدر الدين القونوي

كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن

للشيخ أبي المعالي صدر الدين بن إسحق القونوي

وصل من هذا الأصل: لا شرف في التجلّي المطلق

 

 


اعلم، أنّ في التخصيص المتعلّق بالصراط المستقيم أسرارا منها : أنّ الحقّ لمّا كان محيطا بكلّ شيء وجودا وعلما، ومصاحبا كلّ شيء بمعيّة ذاتيّة مقدّسة عن المزج والحلول والانقسام وكلّ ما لا يليق بجلاله، كان سبحانه منتهى كلّ صراط، وغاية كلّ سالك، كما أخبر سبحانه بقوله ـ بعد قوله : (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) ـ : (صِراطِ اللهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ أَلا إِلَى اللهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ)، فنبّه أنّ مصير كلّ شيء إليه : وكلّ من الأشياء يمشي على صراط، إمّا معنويّ أو محسوس بحسب سالكه، والحقّ غايته كما قال : (وَإِلَى اللهِ الْمَصِيرُ) فعرّف سبحانه نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله ليعرّفنا، فقال له : (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) منها بالنسبة إلى غيرها، فهو تعالى غاية السائرين، كما أنّه دلالة الحائرين، لكن لا شرف في مطلقاته التي يرتفع فيها التفاوت، كمطلق خطابه ومطلق معيّته ومصاحبته، ومطلق الانتهاء إليه من حيث إحاطته، ومطلق توجّهه الذاتي والصفاتي معا للإيجاد ؛ فإنّه لا فرق بين توجّهه إلى إيجاد العرش والقلم الأعلى وبين توجّهه إلى إيجاد النملة من حيث أحديّة ذاته ومن حيث التوجّه.

ومن صار حديد البصر ؛ لاتّحاد بصره ببصيرته وانصباغهما بالنور الذاتي الإلهي (ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ)، وهكذا الأمر في معيّته الذاتيّة وصحبته ؛ فإنّه مع

أدنى مكوّناته كهو مع أشرفها وأعلاها بمعيّة ذاتيّة قدسيّة لائقة. وحكم مطلق خطابه أيضا كذلك، هو المخاطب موسى ومن شاء، وشرّفهم بخطابه وبما شاء، والمخاطب أهل النار ب (اخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ) وباقي الآيات ولا شرف لهم من تلك المخاطبة، ولا فضيلة، بل يزيدهم ذلك عذابا إلى عذابهم، وهكذا الأمر في إحاطته ؛ فإنّه بكلّ شيء محيط رحمة وعلما، ورحمته هنا وجوده ؛ إذ ليس ثمّ ما تشترك فيه الأشياء على ما بيّنها من التفاوت والاختلاف إلّا الوجود، كما بيّن من قبل.

فهو سبحانه من حيث الإحاطيّة والوجوديّة والعلميّة غاية كلّ شيء، وقد نبّهتك أنّ علمه سبحانه في حضرة أحديّة ذاته لا يغاير ذاته، ولا يمتاز عنها ؛ إذ لا تعدّد هناك بوجه أصلا، ومع ثبوت أنّه غاية كلّ شيء، ومع كلّ شيء، ومحيط بظاهر كلّ ذرّة وجزء منقسم أو غير منقسم، وبظاهر كلّ بسيط من روح ونسبة، ومحيط بباطن الجميع، فإنّ الفائدة لا تعمّ، والسعادة لا تشمل.

وإنّما تظهر الفوائد بتميّز الرتب، واختلاف الجهات والنسب، وتفاوت ما به يخاطبك، وبأيّ صفة من صفاته يصحبك، وإلى أيّ مقام من حضراته العلى يدعوك ويجذبك، وفي أيّ صورة من صور شؤونه ولأيّ أمر من أموره ينشئك ويركّبك، وفي أيّ حال ومقام يقيمك ويثبتك، ومن أيّها ينقلك ويقلّبك، ففي ذلك فليتنافس المتنافسون.

أليس قد عرّفتك أنّ كلّ اسم من أسمائه سبحانه وإن توقّف تعيّنه على عين من أعيان الموجودات، فإنّه غاية ذلك الموجود، ومرتبة ذلك الاسم قبلته، والاسم هو المعبود.

والأسماء وإن جمعها فلك واحد فهي من حيث الحقائق مختلفة، من حيث إنّ كلّ اسم من وجه عين المسمّى، والمسمّى واحد يقال : إنّها متّحدة وإلّا فأين الضارّ من النافع، والمعطي من المانع؟ وأين المنتقم من الغافر، والمنعم اللطيف من القاهر؟ وأين الرحمة والغضب، والغلبة والسبق وما يقابلها من النسب بأحديّة الجمع؟ حفظت

على الأشياء صورة الخلاف الذي وصفت به، وبسرّ الإحاطة والمعيّة الذاتيّة الأحديّة حصل بين الأضداد الائتلاف، فانتبه، وإليه يرجع الأمر كلّه، وما حرم كشفه، فلا أبديه ولا أحلّه.

وممّا نبّه الحقّ سبحانه الألبّاء على أنّه في البداية الغاية والطريق المتعيّن بينهما بحسب كلّ منهما قوله بلسان هود ـ على نبيّنا وعليه أفضل الصلاة والسلام ـ : (إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ ما مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِه)، فأشار إلى أنّه هو الذي يمشي بها، ثم قال : (إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) فهم على صراط مستقيم، من حيث إنّهم تابعون بالقهر لمن يمشي بهم، وهذه هي الاستقامة المطلقة، التي لا تفاوت فيها، ولا فائدة من حيث مطلق الأخذ بالنواصي ومطلق المشي، كما مرّ.

ونبّه في الذوق المحمّدي على سرّ هذا المقام بنمط آخر أتمّ، فقال : (قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحانَ اللهِ وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ)، تنبيه منه أنّ الدعوة إلى الله ممّا هو المدعوّ حاصل فيه وعليه إيهام من وجه بأنّ الحقّ متعيّن في الغاية، مفقود في الأمر الحاضر.

ولمّا كان حرف «إلى» المذكور في قوله : (أَدْعُوا إِلَى اللهِ) حرفا يدلّ على الغاية ويوهم التحديد، أمره أن ينبّه أهل اليقظة واليقين على سرّ ذلك، فكأنّه يقول لهم : إنّي وإن دعوتكم إلى الله بصورة إعراض وإقبال، فليس ذلك لعدم معرفتي أنّ الحقّ مع كلّ ما أعرض عنه المعرض كهو مع ما أقبل عليه، لم يعدم من البداية فيطلب في الغاية، بل أنا ومن اتّبعني في دعوة الخلق إلى الحقّ على بصيرة من الأمر، وما أنا من المشركين، أي : لو اعتقدت شيئا من هذا، كنت محدّدا للحق، ومحجوبا عنه، فكنت إذا مشركا، وسبحان الله أن يكون محدودا متعيّنا في جهة دون جهة أو منقسما، أو أن أكون من المشركين الظانّين بالله ظنّ السوء.

وإنّما موجب الدعوة إلى الله اختلاف مراتب أسمائه بحسب اختلاف أحوال من

يدعى إليه، فيعرضون عنه من حيث ما يتّقى ويحذر، ويتوقّع من البقيا معه على ذلك الوجه الضرر، ويقبل به عليه بما هدى وبصر، لما يرجى به من الفوز به وبفضله ويذكر، فافهم وتذكّر.


nbkuhZJSGVI

 

 

البحث في نص الكتاب

كتب صدر الدين القونوي:

كتب صدر الدين القونوي:

كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن

مفتاح غيب الجمع ونفصيله

كتاب الفكوك في أسرار مستندات حكم الفصوص

الأسماء الحسنى

رسالة النصوص

مشرع الخصوص إلى معاني النصوص للشيخ علاء الدين علي بن أحمد المهائمي

النفحات الإلهية

مرآة العارفين ومظهر الكاملين في ملتمس زين العابدين

المكتوبات

الوصية

إجازة الشيخ محي الدين له

التوجه الأتم إلى الحق تعالى

المراسلات بين صدرالدين القونوي وناصرالدين الطوسي

الرسالة المهدوية

الرسالة الهادية

الرسالة المفصحة

نفثة المصدور

رشح بال

الرسالة المرشدية

شرح الشجرة النعمانية {وهي تنسب خطأً إليه}



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!