موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

الشيخ صدر الدين القونوي

كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن

للشيخ أبي المعالي صدر الدين بن إسحق القونوي

فصل في وصل: في مراتب الهداية

 

 


اعلم، أنّ الصراط المستقيم له ثلاث مراتب : مرتبة عامّة شاملة وهي الاستقامة المطلقة، التي سبق التنبيه عليها ولا سعادة تتعيّن بها.

ومرتبة وسطى، وهي مرتبة الشرائع الحقّة الربانيّة المختصّة بالأمم السالفة من لدن آدم إلى بعثة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله.

والمرتبة الثالثة مرتبة شريعتنا المحمّديّة الجامعة المستوعبة، وهي على قسمين : القسم الواحد ما انفرد به واختصّ دون الأنبياء. والقسم الآخر ما قرّر في شرعه من أحكام الشرائع الغابرة.

والاستقامة فيما ذكرنا الاعتدال، ثم الثبات عليه، كما قال صلى‌الله‌عليه‌وآله في جواب سؤال الصحابي منه الوصيّة : «قل آمنت بالله ثم استقم» وهذه حالة صعبة عزيزة جدّا، أعني التلبّس بالحالة الاعتداليّة الحقّة، ثم الثبات عليها، ولهذا قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : «شيّبتني سورة هود وأخواتها» . وأشار إلى قول الحقّ له حيث ورد : (فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ) فإنّ الإنسان من حيث نشأته وقواه الظاهرة والباطنة يشتمل على صفات وأخلاق وأحوال وكيفيّات طبيعيّة وروحانيّة، ولكلّ منها طرفا إفراط وتفريط والواجب معرفة الوسط من كلّ ذلك، ثم البقاء عليه، وبذلك وردت الأوامر الإلهيّة، وشهدت بصحّته الآيات الظاهرة والموجودات العينيّة ،

وصحّ للأكابر من بركات مباشرة الأخلاق والأعمال المشروعة ما صحّ ونبّهت على ذلك الإشارات الربانيّة، كقوله في مدح نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله : (ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى)، وكقوله في مدح آخرين في باب الكرم : (وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً)، وكوصيّته سبحانه لنبيّه أيضا بقوله : (وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً)، (وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ)، فحرّضه على السلوك على الأمر الوسط بين البخل والإسراف، وكجوابه لمن سأله مستشيرا في الترهّب وصيام الدهر وقيام الليل كلّه بعد زجره إيّاه، «ألا إنّ لنفسك عليك حقّا، ولزوجك عليك حقّا، لزورك عليك حقّا، فصم وأفطر وقم ونم». ثم قال لآخرين في هذا الباب : «أمّا أنا فأصوم وأفطر وأقوم وأنام وآتي النساء، فمن رغب عن سنّتي فليس منّي» فنهى عن تغليب القوى الروحانيّة على القوى الطبيعيّة بالكلّيّة، كما نهى عن الانهماك في الشهوات الطبيعيّة.

وهكذا فعل في الأحوال وغيرها، فمن ذلك لمّا رأى عمر رضي الله عنه وهو يقرأ رافعا صوته، فسأله عن ذلك، فقال : أوقظ الوسنان وأطرد الشيطان. فقال له : «اخفض من صوتك قليلا» وأتى أبا بكر رضي الله عنه فوجده يقرأ أيضا خافضا صوته، فسأله كذلك، فقال : «قد أسمعت من ناجيت» فقال له : «ارفع من صوتك قليلا» ؛ فأمرهما صلى‌الله‌عليه‌وآله بلزوم الاعتدال الذي هو صفة الصراط المستقيم وهكذا الأمر في باقي الأخلاق ؛ فإنّ الشجاعة صفة متوسّطة بين التهوّر والجبن، والبلاغة صفة متوسّطة بين الإيجاز والاختصار المجحف، وبين الإطناب المفرط، وشريعتنا قد تكفّلت ببيان ذلك كلّه وراعته وعيّنت الميزان الاعتدالي في كلّ حال وحكم ومقام وترغيب وترهيب، وفي الصفات والأحوال الطبيعيّة، والروحانيّة والأخلاق المحمودة والمذمومة، حتى أنّه عيّن للمذمومة مصارف إذا استعملت فيها كانت محمودة وراعى هذا المعنى أيضا في الإخبارات الإلهيّة والإنباء عن الحقائق ؛ فإنّه سلك في ذلك

طريقا جامعا بين الإفصاح والإشارة، وبسنّته نقتدي، وبالله نهتدي، فاكتف بالتلويح ؛ فإنّ التفصيل يطول.

وجملة الحال فيما أصّلنا أوّلا أنّ الإنسان لمّا كان نسخة من جميع العالم، كانت له مع كلّ عالم ومرتبة وأمر وحال، بل مع كلّ شيء نسبة ثابتة لا جرم فيه ما يقتضي الانجذاب من نقطة وسطه الذي هو أحسن تقويم، إلى كلّ طرف، والإجابة لكلّ داع.

وليس كلّ جذب وانجذاب وإجابة ودعاء بمفيد ولا مثمر للسعادة. هذا وإن كان الحقّ ـ كما بيّنّا ـ غاية الجميع ومنتهاه ومعه ومبتغاه، وإنّما المقصود إجابة وسير وانجذاب خاصّ إلى معدن السعادات، و إلى ما يثمر سعادة مرضيّة ملائمة خالصة غير ممتزجة، مؤبّدة لا موقّتة، فما لم يتعيّن للإنسان من بين الجهات المعنويّة وغير المعنويّة الجهة التي هي المظنّة لنيل ما يبتغي، أو المتكفّلة بحصوله، ومن الطرق الموصلة إلى تلك الجهة، و ذلك الأمر أسدّها وأقربها وأسلمها من الشواغب والعوائق، فإنّه ـ بعد وجدان الباعث الكلّي إلى الطلب أو مسيس الحاجة إلى دفع ما يضرّ وجلب ما ينفع، أو ما هو الأنفع ظاهرا وباطنا أو عاجلا وآجلا ـ لا يعلم كيف طلب، ولا ما يقصد على التعيين؟ ولا كيف يقصده؟ ولا بأيّ طريق يحصّله؟ فيكون ضالًّا حائرا حتى يتعيّن له الأمر والحال، ويتّضح له وجه الصواب بالنسبة إلى الوقت الحاضر والمآل، فافهم (وَاللهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ) .


nbkuhZJSGVI

 

 

البحث في نص الكتاب

كتب صدر الدين القونوي:

كتب صدر الدين القونوي:

كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن

مفتاح غيب الجمع ونفصيله

كتاب الفكوك في أسرار مستندات حكم الفصوص

الأسماء الحسنى

رسالة النصوص

مشرع الخصوص إلى معاني النصوص للشيخ علاء الدين علي بن أحمد المهائمي

النفحات الإلهية

مرآة العارفين ومظهر الكاملين في ملتمس زين العابدين

المكتوبات

الوصية

إجازة الشيخ محي الدين له

التوجه الأتم إلى الحق تعالى

المراسلات بين صدرالدين القونوي وناصرالدين الطوسي

الرسالة المهدوية

الرسالة الهادية

الرسالة المفصحة

نفثة المصدور

رشح بال

الرسالة المرشدية

شرح الشجرة النعمانية {وهي تنسب خطأً إليه}



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!