موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

الشيخ صدر الدين القونوي

كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن

للشيخ أبي المعالي صدر الدين بن إسحق القونوي

وصل: في مراتب السير والسلوك

 

 


اعلم، أنّ السير الذاتي الأصلي بالنسبة إلى الحقائق الكونيّة والأسماء الإلهيّة والأرواح العليّة والأجرام الفلكيّة والاستحالات الطبيعيّة والأحوال التكوينيّة وجميع التطوّرات الوجوديّة كلّها دورى ؛ فسير الأسماء بظهور آثارها وأحكامها في القوابل. وسير الحقائق بتنوّعات ظهوراتها في المظاهر المتنوّعة، وسير الأرواح بلفتتيها استمدادا من الحقّ بلفتة وإمدادا بلفتة أخرى، وبالمواظبة على ما يخصها من العبادة الذاتية مع دوام التعظيم والشوق، وسير الطبيعة بإكساب كلّ ما يظهر عنها صفة، صفة الجملة وحكمه، فافهم.

والسير الخصوصي من الوسط وإليه خطان، والخطّ المستقيم أقصر الخطوط، فهو أقربها فأقرب الطرق إلى الحقّ ـ المعرّف في الشريعة، الذي قرنت السعادة بالتوجّه إليه ـ هو الصراط المستقيم الذي نبّهت عليه، وقد ذكرت لك صورة العدل والاعتدال في المراتب الكلّيّة والأحوال والأخلاق العليّة السنيّة، ونبّهتك على أحكامها وآثارها ونتائجها الموقّتة وغير الموقّتة والظاهرة منها والباطنة، وأوضحت لك مراتب الهداية وأهلها العالين والمتوسّطين والنازلين، وحال الناس في الاستقامة أيضا من حيث الفعل والقول والقلب.

وأنا الآن أجمع لك ذلك جمعا موجزا من أوّل مرتبة الرشاد الذي هو الإسلام، ثم الإيمان، ثم التوبة التي هي أوّل مقامات السالكين، وهكذا إلى آخر مقام، لينتظم الأمر وترتبط السلسلة المتعيّنة بين بداية الأمور وغايتها وأوائلها وأواخرها، ثم أنبّهك على سرّ

النبوّة الآتية بصورة الهدايات، والدالّة على غايات الكمالات، وأطلعك على سرّ الاستقامة والاعوجاج والمبادئ والغايات وما يختصّ بجميع ذلك ـ إن شاء الله تعالى ـ فأقول :

أوّل مرتبة الرشاد في الصراط الخصوصي المشروع الإسلام وله التنبيه الإجمالي على حكم التوحيد الكلّي المرتبي والانقياد لله الموجد، الذي لا يجهل أحد الاستناد إليه ولا الانقياد له، وله فروع من الأحكام والأحوال، وتلبّس الإنسان بتلك الأحوال وانقياده لتلك الأحكام هو سيره في مراتب الإسلام ودرجاته، حتى ينفذ منه إلى دائرة الإيمان، وهكذا حاله في دائرة الإيمان بالأحكام والأحوال المختصّة به، حتى ينتهي إلى حال الطائفة التي ذكرناها آنفا وقلنا : إنّها تلي طائفة العرفان والكشف والشهود.

ومبدأ الشروع في درجات الكمال الإيماني من مقام التوبة، فالصراط المستقيم العدل الوسط في التوبة عبارة عن التلبّس بالحالة الخالصة من الشوائب المنافية للصدق، والجزم عند قصد الإنابة بحيث تكون التوبة طاهرة من كلّ ما يشينها مقبولة ثابتة الحكم، ثم التصديق الخاصّ بأنّ الله يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيّئات ويعلم ما يفعل عباده.

وفي قوله سبحانه في هذه الآية : (وَيَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ)، تنبيه على هذا الإيمان المشار إليه ؛ فإنّ الإيمان ـ كما علمت ـ التصديق، فمن صدّق الله في إخباره أنّه يعلم ما يفعلون، لم يقدم متجاسرا على ما يكره ؛ لأنّه من الضعف بمثابة أنّه لو نهاه مخلوق مثله ـ ممّن له عليه تسلّط ـ عن أمر مّا، وعرف أنّه كاره لذلك الأمر، ثم تأتّى له فعل ذلك الأمر مع وفور الرغبة ووجدان الاستطاعة لكنّه بمرأى من ذلك المتسلّط الناهي ومسمع، فإنّه لا يقدم على ارتكاب ذلك الفعل أبدا وإن توفّرت رغبته إلى أقصى الغاية، بل مجرّد الحياء من معاينته له مع تقدير الأمن من غائلته يصدّه عن ذلك، فكيف به إذا لم يتحقّق الأمن، فهذا النحو من الإيمان ليس هو نفس الإيمان بالله وكتبه ورسله على سبيل الإجمال، بل هذا إيمان خاصّ.

ومن أكبر فوائد إخبار الحقّ ورسله والكمّل من خاصّته عن أحكام القدر تنبيه النفوس والهمم وتشويقها للتحلّي بعلم القدر أو التحقّق بالإيمان به بعد الإيمان بما ذكرنا، كقوله تعالى : (ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ) وكقوله عليه‌السلام : «إنّ روح القدس نفث في روعي أنّ نفسا لن تموت حتى تستكمل رزقها، فاتّقوا الله وأجملوا في الطلب» وكقوله : «لا يستكمل إيمان عبد مسلم حتى يكون فيما في يد الله أوثق منه ممّا في أيدي الناس»، وفي الحديث الآخر الصحيح أيضا : «حتى يحبّ لأخيه ما يحبّ لنفسه» و «حتى يخاف الله في مزاحه وجدّه» ونحو هذا في هذا المعنى وغيره ممّا يطول ذكره ويجرّب العبد بميزانه عليه‌السلام وميزان ربّه إيمانه، فيعلم ما حصّل وما بقي عليه ولم يحصّله.

ثم الصراط المستقيم العدل الوسط بعد التحقّق بالتوبة المقبولة المنبّه على حكمها هو الثبات على العمل الصالح بصفة الإخلاص الذي هو شأن أهل الإنابة، ثم الترقّي بالعمل الصالح في الدرجات العلى كما قال : (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ) يعني الأرواح الطاهرة (وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ) فلا يزال الإنسان ـ مع إيمانه وتوبته وملازمته الأعمال الصالحة ـ يتحرّى الأسدّ فالأسدّ، والأولى فالأولى من كلام وعمل، فيتّقي ويرتقي من حقّ الإيمان إلى حقيقته، كما نبّه الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله على ذلك الحارثة وقد سأله : كيف أصبحت يا حارثة؟ قال : أصبحت مؤمنا حقّا فقال : «إنّ لكلّ حقّ حقيقة، فما حقيقة إيمانك؟» فقال : عزفت نفسي عن الدنيا فتساوى عندي ذهبها وحجرها ونحو ذلك، ثم قال : وكأنّي أنظر إلى عرش ربّي بارزا وكأنّ أهل الجنّة في الجنّة ينعّمون وأهل النار في النار يعذّبون ،

فقال عليه‌السلام : «عرفت فالزم» . فهذا آخر درجات الإيمان، وأوّل درجات الإحسان .

ثم إنّ العبد يرقى ويزداد من النوافل بعد إحكام الفرائض وإتقانها وجمع الهمّ على الله وإحضار قلبه فيما يرتكبه لله، مع مشاهدة التقصير بالنسبة إلى ما يجب وينبغي، ثم الإكثار من النوافل ما كان أحبّ إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله، لكونه كان أحبّ إلى الله، فيدأب عليه ويلازمه ؛ لحبّ الله فيه ورسوله، ولأنّه أشدّ جلاء للقلب الذي عليه مدار كلّ ما ذكرنا. ومنتهى جميع ذلك ما أخبر الحقّ به على لسان رسوله بقوله : «ولا يزال العبد يتقرّب إليّ بالنوافل حتى أحبّه فإذا أحببته كنت سمعه وبصره» الحديث. وهذا مقام الولاية، وبعده خصوصيات الولاية التي لا نهاية لها ؛ إذ لا نهاية للأكمليّة، بل بين مرتبة «كنت سمعه وبصره» ومرتبة الكمال المختصّ بصاحب أحديّة الجمع ـ المذكور غير مرّة والمنبّه عليه أيضا منذ قريب ـ مراتب، فما ظنّك بدرجات الأكمليّة التي هي وراء الكمال، فمن جملة ما بين مرتبة «كنت سمعه وبصره» وبين مرتبة الكمال. مرتبة النبوّة، ثم مرتبة الرسالة، ثم مرتبة الخلافة المقيّدة بالنسبة إلى أمّة خاصّة، ثم الرسالة العامّة، ثم الخلافة العامّة، ثم الكمال في الجمع، ثم الكمال المتضمّن للاستخلاف والتوكيل الأتمّ من الخليفة الكامل لربّه سبحانه في كلّ ما كان الحقّ سبحانه قد استخلفه فيه، مع زيادة ما يختصّ بذات العبد وأحواله ؛ فكلّ نبيّ وليّ ولا ينعكس، وكلّ رسول نبي ولا ينعكس، وكلّ من قرن برسالته السيف فخليفة، وليس كلّ من يرسل هذا شأنه، وكلّ من عمّت رسالته، عمّت خلافته [إذا منحها بعد الرسالة، وكلّ من تحقّق بالكمال، علا على جميع المقامات والأحوال والسلام] وما بعد استخلاف الحقّ والاستهلاك فيه عينا والبقاء حكما مع الجمع بين صفتي التمحّض والتشكيك مرمى لرام.

ومن أراد أن يتفهّم شيئا من أحوال الكامل وسيرته وعلاماته، فليطالع كتاب مفاتح غيب الجمع وتفصيله الذي ضمّنته التنبيه على هذا وغيره، وقد فرّقت في هذا الكتاب

جملا من هذه الأسرار، فإن أردت الاطّلاع على مثل هذه الجواهر، فأمعن التأمّل في هذا الكتاب، وألحق آخر الكلام بأوّله، واجمع النكت المبثوثة فيه وما قصد تفريقه من غامضات الأسرار، تر العجب العجاب. وما يتوهّمه المتأمّل تكرارا فليس كذلك، وإنّما كلّ ما لا يمكنني التصريح به دفعة واحدة قد أعيد ذكره بتعريف آخر ولقب غير اللقب الأوّل لأكشف بذلك قناعا من حجبه غير ما كشف من قبل، اقتداء بربّي وسنن الكمّل من قبلي، فاجمع وتذكّر واقنع واستبصر، والله الهادي والمبصّر.


nbkuhZJSGVI

 

 

البحث في نص الكتاب

كتب صدر الدين القونوي:

كتب صدر الدين القونوي:

كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن

مفتاح غيب الجمع ونفصيله

كتاب الفكوك في أسرار مستندات حكم الفصوص

الأسماء الحسنى

رسالة النصوص

مشرع الخصوص إلى معاني النصوص للشيخ علاء الدين علي بن أحمد المهائمي

النفحات الإلهية

مرآة العارفين ومظهر الكاملين في ملتمس زين العابدين

المكتوبات

الوصية

إجازة الشيخ محي الدين له

التوجه الأتم إلى الحق تعالى

المراسلات بين صدرالدين القونوي وناصرالدين الطوسي

الرسالة المهدوية

الرسالة الهادية

الرسالة المفصحة

نفثة المصدور

رشح بال

الرسالة المرشدية

شرح الشجرة النعمانية {وهي تنسب خطأً إليه}



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!