موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

الشيخ صدر الدين القونوي

مشرع الخصوص إلى معاني النصوص

للشيخ علاء الدين علي بن أحمد المهائمي

وهو شرح لكتاب النصوص للشيخ أبي المعالي صدر الدين بن إسحق القونوي

النص التاسع عشر

 

 


قال الشيخ رضي اللّه عنه : [ نص شريف من أشرف النصوص وأجلها وأجمعها لكليات أصول المعرفة الإلهية والكونية ] .

لما ذكر في النص السابق حكم الشيء باعتبار محله ، وذكر هاهنا ما هو باعتبار نفسه ، فذكر فيه الحقائق الإلهية من الذات ، وأسمائها الذّاتية وأحكامها وأثريتها ومؤثريتها بالذات ، وعلمها وواحديتها ، وكون علمها مرآة الذات والأسماء ومحتد الكثرة ، وذكر فيه المراتب ، ومناسبة كل مرتبة للأخرى وشرفه ؛ لاشتماله على نتائج ما سبق من النصوص وجلالته ؛ لاشتماله على مقدماتها وأجمعيته لجمعه بين المبادئ والغايات ، فافهم .

قال رضي اللّه عنه : [ اعلم أن إطلاق اسم الذات لا يصدق على الحق إلا باعتبار تعينه ، التعين الذي يلي في تعقل الخلق غير الكمل الإطلاق ، المجهول النعت ، العديم الاسم ، وأنه وصف سلبي للذات ، فإنه مفروض الامتياز عن كل تعين ، وإنما الأمر الثبوتي الواقع هو التعين الأول] .

اعلم أن المبتدئين في هذا العلم يتوهمون أن الذات اسم للحق باعتبار الإطلاق الذي هو معنى سلبي مع أنه مجهول النعت عديم الاسم ، وأنه هو المسمى بغيب الحق ؛ لأنه فوق الكل ولو كانت الذات اسما لما دونه ، لكان فوق ذات الحق هذا الإطلاق ، وليس فوقه شيء بالاتفاق .

وإنما قلنا : أنه فوق كل شيء ؛ لأن كل تعين مسبوق بلا تعين واللاتعين هو الإطلاق ؛ فدفع الشيخ رضي اللّه عنه هذا الوهم تنبيها بقوله : “ اعلم أن إطلاق أي اسم “ أي : لفظ الذات لا يصدق على الحق إلا باعتبار تعينه الأول ، إذ لا اسم قبله بالاتفاق ، فلو كان هذا اسمه ، وقع التناقض أنه ليس بمقيد بالذاتية ، كما أنه ليس بمقيد بالوصفية ، على أنه أجمع على أن الحق إنما بتعقل ذاته باعتبار تعينه الأول ، فما لم يتعقله الحق ، كيف يكون متعقلا لغيره ؟

حتى يعلم أن اسم الذات اسم له ، بل هذا التعقل أمر وهمي يتعقله غير الكمّل بالقياس إلى سائر الإطلاقات ، وهو وصف سلبي فلا يكون فوق الحق ؛ لأن ما فوقه شيء إنما يكون إذا كان في نفسه شيئا .

لا يقال : لو لم يكن شيئا ، لم عن كل تعين ؛ لأنّا نقول هذا الامتياز أمر يفرضه الوهم ،

كما يفرض فوق كل تعين لا تعينا ، مع أن اللاتعين أمر سلبي لا يصح الفوقية والتقدم ، وإنما الأمر الثبوتي الواقع هو التعين الأول ، فذات الحق اسم له ، إذ ليس اسما للأمر العدمي .

نعم هو وصف سلبي للذات باعتبار عدم تقييده بشيء من الإطلاق والتقييد ، لكنه ليس باعتبار التعين الأول ، بل باعتبار المراتب ، لكنه لما كان عامّا في تعقل العامة ، فرضوه سابقا على التعين الأول ، فافهم .

قال المصنف : [ وأنه بالذات مشتمل على الأسماء الذاتية التي هي مفاتيح الغيب ، ومسمى الذات لا يغاير أسماءها .

وأما الأسماء ، فيتغاير ويتضاد بعضها بعضا ، ويتحد أيضا بعضها مع البعض من حيث الذات الشاملة لجميعها ] ،

أي : التعين الأول بالذات مشتملا على الأسماء الذاتية التي هي مفاتيح الغيب ، ومسمى الذات التي هي مفاتيح النسب ، وهي : الحي العالم القادر المريد السميع البصير المتكلم ، وإلا كانت هذه الأسماء بواسطة ، وكانت الواسطة مفتاح الغيب لا هذه .

لا يقال : لو اشتمل التعين الأول عليها ، لم يكن تعينا أولا بل تكون حضرة الأسماء ؛ لأنا نقول ، مسمى الذات لا يغاير أسماءها بوجه ما ، في تلك الحضرة ، وأما الأسماء في حضرته التي هي التعين الثاني ، فيتغاير بعضها بعضا بالمفهوم ، ويتضاد بعضها بعضا بالحكم ، ويتحد أيضا بعضها لبعض من حيث الذات الشاملة عليها ، فيتصادق بعضها بعضا على بعض ، ويصدق الجميع على الذات .

قال الشيخ رضي اللّه عنه : [ والأحدية وصف التعين لا وصف المطلق المعين إذ لا اسم للمطلق ، ولا وصف ] .

..........................................................

( 1 ) الأحدية هي اعتبار الذات من حيث لا نسبة بينها وبين شيء أصلا ولا شيء إلى الذات نسبة أصلا ، ولهذا الاعتبار المسمى بالأحدية تقتضي الذات الغنى عن العالمين ، لأنها من هذه الحيثية لا نسبة بينها وبين شيء أصلا . ومن هذا الوجه المسمى بالأحدية يقتضى أن لا تدرك الذات ولا يحاط بها بوجه من الوجوه لسقوط الاعتبارات عنها بالكلية . وهذا هو الاعتبار الذي به تسمى الذات أحدا كما عرفت ، ئمتعلقه بطون الذات وإطلاقها وأزليتها .

جواب سؤال مقدر تقديره كيف تشتمل الذات على الحقائق الأسمائية الذاتية مع أن الذات اسم للمطلق عند تعينه تعينا أولا ، وأول ما يتصور لا يكون إلا الذات وحدها ؛ ولهذا يوصف بالأحدية لاعتبار الأسماء ، فكيف تكون الذات باعتبار أحديتها شاملة على الأسماء .

فأجاب بأن : المطلق لا يتعين أصلا إذ لا اسم له ولا وصف ، فكيف يوصف بالتعين وبالأحدية بل الأحدية لا يعتبر معها الأسماء ، والواحدية يعتبر معها الأسماء ، فالذات أعم من الموصوف بالأحدية والواحدية ، فتكون شاملة على الأسماء ، لكن لا تتميز الأسماء باعتبار أحديتها وواحديتها ، فافهم .

قال الشيخ رضي اللّه عنه : [ ومن حيثية هذه الأسماء باعتبار عدم مغايرة الذات لها ، ونقول إن الحق مؤثر بالذات ، فافهم ] .

تفريع على عدم مغايرة الذات لهذه الأسماء ، حتى قال المحققون : الذات مؤثرة في الأشياء بلا واسطة مع أن الذات من حيث هي غنية عن العالمين ، فلا بدّ من واسطة الأسماء ، لكنها كانت عين الذات في رتبة الأحدية ، ومن جهة اشتمال الذات عليها في الواحدية وبحسب الصدق جعلت الواسطة كلا واسطة ، وإنما قال : فافهم ؛ لأنه يصدق حينئذ قول من قال بالواسطة أيضا ، لكنه باعتبار آخر .

قال الشيخ رضي اللّه عنه : [ وللذات لازم واحد فحسب ، لا يغايرها إلا مغايرة نسبية ، وذلك اللازم هو العلم ] .

أي : وللذات سواء اعتبرت أحديتها أو أحديتها لازم واحد من بين الأسماء السبعة ، أما الباقية إنما يلزم بواسطته إلا أنه يغاير الذات ومغايرتها أيضا في الواحدية ، بل لا تغايرها إلا مغايرة نسبية ثمة فضلا عن الأحدية ، إذ يحد هناك العلم والمعلوم من كل وجه ، فلما لم يغاير هذه الواسطة في موضع تميزه تميزا كاملا ، لم يعد واسطة بين الذات وسائر الأسماء الذاتية .

ثم بيّن إن ذلك اللازم هو العلم لا الحياة ، وإن كان العلم يتوقف عليها ، لكن الحياة

..................................................................................

( 1 ) يقصد بذلك شمول هذا اللازم جميع اللوازم ؛ لأن سائر اللوازم لها ظهور وثبوت في الحضرة العلمية حتى الذات .

إنما تعلم به ، وليس التوقف هاهنا إلا باعتبار التعقل ، وإلا فالكل صفات أزلية أبدية .

قال رضي اللّه عنه : [ والوحدانية ثابتة للحق من حيث العلم ، فإن فيه وبه تتعين مرتبة الإلهية وغيرها من المراتب والمعلومات ؛ لارتسام الجميع فيه ] ،

أي : الوحدانية وإن كانت من لوازم الذات من حيث اشتمالها على الأسماء ، فإنها ثبتت للحق من حيث العلم ، إذ العلم لما كانت محل ارتسام الكل ، ولا تعين قبل الارتسام ، ففيه وبه تتعين مرتبة الألوهية التي هي الواحدية ، وكذا غيرها من المراتب الكلية والمعلومات الجزئية .

وإنما قال : فيه وبه ؛ ليعلم أن التعين حكم فيحتاج إلى معرفة المحكوم ، فيكون كالسبب لتعين الوحدانية ، كتعين سائر المراتب أيضا على أنه ذات ارتسم الكل فيه كان محيطا بالجميع ، والمحاط أدنى من المحيط ، وكل أدنى ثابت بالأعلى .

قال الشيخ رضي اللّه عنه : [ وهو مرآة الذات من حيث اشتمالها على الأسماء الذاتية التي لا يغايرها الذات بوجه ما ، كما مرّ وهو أعني العلم محتد الكثرة المعنوية ومشروعها ، وإنما قلت ، أن العلم كالمرآة للمعلومات والذات أيضا مع أسمائها الذاتية من أجل أنه باعتبار امتياز العلم عن الذات الامتياز الاعتباري ، تعقل تعين الحق في تعقله نفسه في نفسه ، فعلمه الذاتي كالمرآة له ] ،

أي : إنما كان العلم محل ارتسام الجميع ؛ لأنه مرآة الذّات من حيث اشتمالها على الأسماء الذاتية ، والأسماء الذاتية مفاتيح الغيب ، فشمول الذّات عليها يستلزم شمولها على جميع الشؤون الذاتية ؛ وإنما ظهرت الذات في المرتبة الأولى مع الأسماء الذاتية ؛ لأنها لا تغاير الذات ، وظهور الذات ظهور أسمائها الذاتية .

وإنما لم تظهر الشؤون هناك لتوقفها على تمايز الأسماء ، والأسماء وإن ظهرت بظهور الذات لا تتمايز في المرتبة الأولى إلا أن العلم لما كان مرآة الذات مع الأسماء الذاتية ، كان محتد .

أي : أصل الكثرة المعنوية ، أي : كثرة المعنى التي هي الأعيان الثابت ومشروعها الذي خرجت الأعيان بسببه من المرتبة الأولى ، فظهرت في الثانية ، ثم استشعر سؤالا بأن العلم كيف يصير مرآة الذات ، مع أن الأسماء الذاتية التي لا تغاير الذات ، إنما لزمت الذات بواسطته ، فلا مغايرة للعلم مع الذات أصلا والمرآة لا بدّ وأن تغاير المرئي فيها .

...........................................................

( 1 ) وذلك باعتبار الامتياز النسبي ، وإلا فيكون العلم عين الذات في الحقيقة .

فأجاب بأن : المراد بقولهم مرآة الذات ، أنه كالمرآة ، وإنما ساغ هذا التنبيه مع امتناع تبعية الشيء بنفسه باعتبار امتياز العلم عن الذات ، في المرتبة الثانية الامتياز الذي تقتضيه نسبة تعقل الذات إليها ، وهو الامتياز الاعتباري .

وإنما قلنا بهذا الامتياز إذ به يعقل تعين الحق في تعقل نفسه في نفسه فنفسه كالمرآة لنفسه ، وعلمه عين نفسه ، فعلمه الذاتي كالمرآة له بالطريق الأولى .

قال الشيخ رضي اللّه عنه : [ ولهذا قلنا في غير هذا الموضع أن حقيقة الحق عبارة عن صورة علمه بنفسه ، ونبهنا أيضا على أن كل ظاهر في مظهر ، فإنه يغاير المظهر من وجه أو وجوه إلا الحق ، فإن له أن يكون عين الظاهر وعين المظهر ، فتذكّر ] .

أي : ولأجل أن العلم كالمرآة للذات ، مغاير لها مغايرة نسبية اعتبارية لا حقيقية ، قلنا في غير هذه المواضع وهو النص الرابع عشر أن حقيقة الحق عبارة عن صورة علمه بنفسه ، ولولا أن علمه كالمرآة له ، لم يكن له صورة منتقشة في علمه ، وهو أيضا على نهج من المجاز ، وإلا فلا صورة ثمة لعدم مغايرة العالم للمعلوم ثمة ، لعدم الكثرة بالفعل في المرتبة الأولى ، ونبهت لبيان عدم مغايرة العالم للمعلوم على أن كل ظاهر في مظهر ، فإنه يغاير المظهر من وجه أو وجوه إلا الحق ، حيث قال : ولا يثمر بشيء ، ولا يظهر عنه عينه ، ذكره في السابع والثامن اللذين جمع بينهما مع أنه قال في النص الرابع ، فوحدته الحقيقية الماحية جميع الاعتبارات والأسماء والنسب والإضافات ، عبارة عن تعقل الحق نفسه وإدراكه لها من حيث تعيّنه ، ففهم منه ، إن الحق يكون بحسب هذه الوحدة عين الظاهر والمظهر جميعا ، وإنما قال : فتذكر ، لتعرف الموضعين المستثنى والمستثنى منه .

قال الشيخ الأعظم رضي اللّه عنه : [ وأما المراتب ، فعبارة عن تعينات كلية ، يشتمل عليها اللازم الواحد الذاتي الذي هو العلم ، وهي كالمحال لما يمر عليها من مطلق فيض الصادر عن الذات باعتبار عدم مغايرة الفيض للمفيض كما سبق التنبيه عليه في شأن مظهرية الحق وظاهريته ] .

أي : وإنما قلنا : العلم مرآة للمرتب ؛ فلأن المراتب عبارة عن تعينات كلية ، والكليات من حيث هي كليات ، لا تثبت إلا في العلم ، فحينئذ يشتمل عليها اللازم الواحد بالذات ، فيلزمها ذلك اللازم والواحد ، فهي منتقشة فيه انتقاش الذات ، لكن فرق بين الانتقاشين ، فإن لها صورة زائدة في حضرة العلم حتى صارت كالمحال لا يمر عليه

من مطلق فيض الذات ، فيتقيد ذلك الفيض بحسب قابلياتها .

وإنما قلنا : أن فيض الذات مطلق ؛ لأن ظاهر الحق ومظهره لما كانا متحدين في مرتبة الوحدة والتعين الأول ، والمفيض هو الظاهر ، والفيض هو المظهر ، كانا متحدين ثمة ، ثم يقيد بحسب صور المراتب المنتقشة في حضرة العلم بقيود زائدة .

قال رضي اللّه عنه : [ ولها مدخل في حقيقة التأثير لا مطلقا ، بل من حيث ما قلت أنها كالمحال ] .

أي : لما كان الفيض يصير مقيدا بحسب المراتب عند المرور عليها ، فلها مدخل في حقيقة التأثير ، إذ هي المؤثرة في الفيض الواحد المطلق بالتقييد والتكثير ، ولا تأثير قبل ذلك ؛ لاتحاد الفيض والمفيض قبلها ، لكن لا مدخل لها في حقيقة التأثير مطلقا ، لما ذكر في النص الرابع أن كل ما يوصف بالمؤثرية في شيء أو في أشياء ، فإنه لا يصدق إطلاق هذا الوصف عليه تماما ما لم يؤثر في حقيقة ذلك من حيث هو ، دون تعقل انضمام قيد آخر ، أي : تلك الحقيقة موصوفة بالتأثير أو شرف خارجي ، وهنا قد انضم إليها قيد آخر مع أنها كالمحال " .

قال قدس سره : [ فكل مرتبة مجلى معنوي لجملة من أحكام الوجود والإمكان ، المتفرعة من الأسماء الذاتية وأمهات الأسماء الألوهية ، وما يليها من الأسماء التالية ] .

أي : إنما كانت المراتب مؤثرة في تقييد الفيض وتكثيره بعد إطلاقه ووحدته ، أي :

كل مرتبة مجلى معنوي ، وهو كالحسي في التأثير “ لون الماء لون إنائه “ لجملة من أحكام الوجوب والإمكان ، وللأولى تأثير الفاعلية ، وللأخرى تأثير القابلية ، وقد اجتمعا في كل مرتبة متوزعة تلك الأحكام الوجوبية عن الأسماء الذاتية التي لا تدل على معاني زائدة على الذات أصلا ، كالاسم هو واللّه والوجود والقديم والعلام والظاهر ،

وأمهات الأسماء الألوهية وهي التي جعلناها الأسماء الذاتية فيما تقدم بدليل أنه نص وصفها بأنها مفاتيح الغيب ، وسيأتي منه التصريح بذلك ومتفرعة تلك الأحكام الإمكانية عن الأسماء التالية ، كالخالق والرازق والمصور ، فبواسطة أحكام تلك الأسماء أثرت ، فالمؤثر بالحقيقة تلك الأسماء بل الذات الموصوفة بها ، فافهم .

قال الشيخ رضي اللّه عنه : [ ولها - أعني للمراتب - أعيان ثابتة في عرصة العلم والتعقل ، ول

أثر لها على سبيل الاستقلال ، بل بالوجود ، وهكذا شأن الوجوب مع المراتب ، فإنها مؤثرة ظاهرة الحكم في كل ما يتصل بها ويتعين لديها بتكيفات مطلق الفيض الواصل إليها والمارّ عليها ] .

بيّن الضمير ؛ لئلا يتوهم عوده إلى الأسماء التي هي أقرب المذكورات .

أي : إنما قلنا : تأثير المراتب من حيث هي محال معنوية لجملة من أحكام الوجوب والإمكان لا بنفسها ؛ لأنه لو لم يعتبر في تأثيرها ذلك ، لا عتبر مجرد صورها العلمية ، إذ ليس لها من حيث هي الأعيان الثابتة في عرصة العلم الذي تعقلها ، وهي من حيث هي معدومة ، ولا أثر للمعدوم في الموجود ، والفيض المقيد أمر وجودي ومتحقق في الخارج ، فلا أثر لتلك الأعيان على سبيل الاستقلال ، بل بالوجود المستلزم أحكام الوجوب بالأسماء الذاتية وأحكام الإمكان بالأسماء التالية .

وإنما لم يقل الأثر للوجود ؛ لأنه لا يستقل بتنويع الفيض بالنسبة إلى المراتب ؛ لأنه واحد فلا يصدر عنه إلا الواحد الذي هو الوجود العام وإذا كان كذلك ، فالمراتب ظاهرة الحكم في كل ما يتصل بها من الفيض ، ومعنى الاتصال بها ، التعين لديها .

أي : عند النسبة إليها بإعطاء تلك المراتب تكييفات بحسبها لمطلق الفيض الواصل إليها ،

أي : المنتهى إليها ، والفيض المار عليها إلى غيرها ، فإن للمرور عليها تكييفا غير تكييف الموصول إليه ، فالتأثير لها من حيث هي محل الأحكام الوجوب النسبي للوجود وأحكام الإمكان التي لها ، ولم يقل التأثير لتلك الأحكام نفسها ؛ لأنها أيضا لا تستقل بنفسها ، بل لا بدّ لها من القيام من المراتب فالأثر للمجموع ، فافهم .

قال الشيخ المصنف رضي اللّه عنه : [ وإنها كالنهايات النسبية باعتبار سير الفيض الذاتي والتجلي الوجودي في المنازل والدرجات المتعينة بين الأزل والأبد ، لا إلى غاية ولا إلى قرار] .

جواب سؤال مقدر هو : أن المراتب إنما تؤثر فيها ، يتصل بها ويتعين عندها ؛ وذلك وإن تحقق في الواصل إليها ، لكن لا يتحقق في المار عليها ، فلم قلتم بتأثيرها فيه .

فقال : وإنها أي : المراتب سواء اعتبر وصول الفيض إليها بأن دوام وجودها من الأزل إلى الأبد كالأرواح القدسية ، أو المرور عليها ، نهايات نسبية إنها لا تدوم ، ينتقل الفيض منه إلى غيره ما دام ، وإن لم ينتقل عنه إلى غيره ما يخصه ، لكن ينتقل بواسطة الفيض

إلى ما يؤثر فيه مما دونه ، فالكل نهايات نسبية ، وذلك كان في تعيين الفيض عندها وإيصالها بها ، وإنما كانت نهايات نسبية باعتبار سر الفيض الذاتي الذي هو التجلي الوجودي في كل منزل ودرجة من المنازل والدرجات .

وإنما جمع بينهما ؛ لأن المنازل تفرض فيما ينتقل الفيض منه بالكلية ، والدرجات فيما عداه المتعينة بين الأزل والأبد ، لا إلى غاية لا يكون وراءها غاية ، ولا قرار فيما فاض عليه لحصول الخلق الجديد في الآيات كلها ؛ وذلك لأن الحركة وجودية والسكون أمر عدمي ، فلا بدّ للتجلي من الحركة الدائمة ، فلكل منزل ودرجة ، نهاية بالنسبة إلى ما قبله دون ما بعده ، فافهم .

فقد استبان بما ذكرته إن المراتب مجتمع جمل الأحكام المستقرة لديها من حضرة الوجوب والإمكان ، وهي المظهرة لنتائج تلك الاجتماعات لكن بحسبها لا بحسب الأحكام ، ولا بحسب مطلق الفيض فحكمها حكم الأشكال والقوالب مع كل متشكل ومتقولب يتصل بها ويحل فيها ، فهذا أثرها فهي ثابتة العين ، وإليها يستند نتائج الأحكام وينضاف آخرا ؛ لأنها المشرع والمرجع ، فافهم .

أي : فقد ظهر لي بما ذكرت مع أن لكل مرتبة محل معنوي لجملة من أحكام الوجوب والإمكان ، إن المراتب مجتمع جمل من الأحكام ، وهي مستقرة لديها ، وإن انتقل الفيض عنها ، أو أصاب الغير بواسطتها ؛ لأن تلك الأحكام حصلت من حضرة الأسماء الوجوبية والإلهية ، ومن حضرة الأسماء الإمكانية من الأسماء التالية ، والحضرتان مستقرتان ، فيستقر الحاصل منها .

وظهر مما ذكرته من أن لها مدخلا في حقيقة التأثير أنها المظهر لنتائج تلك الاجتماعات ، أي بين أحكام الوجوب وأحكام الإمكان ، لكن بحسبها من حيث أنها مجال لا بحسب الأحكام ، إنها لا تستقل بنفسها بالوجود دونها ، فكيف تؤثر دونها .

على أن تلك الأحكام ليست مرائي للفيض ، فكيف تؤثر فيه ، ولا بحسب مطلق الفيض ، إذ لا استقلال له في تنوعه على أنه عين الوجود ولا تنوع له استقلالا ، ثم بيّن تأثيرها من حيث هي مجال معنوية بأنها نسبه الحسية .

والغرض منه بيان أن الفيض هو المتأثر بها ، وهي لا تتغير ؛ فلذلك قال : فهي ثابتة

العين في عرصة العلم ، وإليها تستند نتائج الأحكام إذ هي أحكام لتلك الأعيان ؛ لأن التنوع إنما حصل من الأعيان ، وإليها ينضاف آثارها فتنوع الجزاء يترتب عليها لا على الأمر المقدر ؛ لأن هذه الأعيان هي موضع الجزاء ، وإلا فالوجوب وأحكامه من حيث هو لا يستحق جزاء ولا شيئا آخر ، كما أنها مشرع تلك الأفعال ، فلذا قال تعالى :جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ، وهي لا ينافي أن وجودها من الحق وبتجليه ، فافهم فإنه حينئذ للجمع بين القدر والشرع .

قال رضي اللّه عنه : [ ثم اعلم أن المراتب متعلقة الانتشاء بعضها من بعض ، وكذلك الأسماء ، فالألوهية بأسمائها الكلية التي هي : الحي العليم القادر المريد ظل للذات من حيث اشتمالها بذاتها على مفاتيح الغيب ، لكن بين الألوهية والذات في ذلك فرق دقيق في ذوق الكمل ، وهو أن الألوهية تتعقل ممتازة عن أمهات أسمائها المذكورة ، والذات لا يعقل تميزها عن أسمائها الذاتية إلا المحجوبون عن التجلي الذاتي ، وأما أهل التجلي الذاتي فلا يعقلون هذا النوع من التميز ، ولا يشاهدونه إلا باعتبار علمهم بعلم المحجوبين ، وإنما التميز عندهم في ذلك فهو بما أشرت إليه من أن الذات غير مغايرة لأسمائها الذاتية بوجه ما ، وهي تغاير بعضها بعضا مع أنه لا انفكاك .

ومع أن درجات المفاتيح متفاوتة ، فإن بعضها تابع للبعض ، كما نبهت عليه في الأسماء الألوهية من تبعية اسم الخالق والبارئ والمصور وأمثالها ، فتذكر ] .

لما ذكر أن كل مرتبة نهاية نسبة علم ، وأن بعضها مترتب على البعض فنبّه عليه ، ثم ذكر أن هذا الترتب متفرع على ترتب الأسماء ، فالألوهية التي هي مرتبة الواحدية بأسمائها الكلية ، وهي الأربعة المذكورة جعلها كليات ؛ لأن السميع والبصير راجعان إلى العالم ،

والمتكلم إلى القادر المريد ظل الذات الأحدية من حيث اشتمالها بذاتها على مفاتيح النسب التي هي الأسماء السبعة استشعر سؤالا ، وهو أن الأحدية إذ اشتملت على الأسماء التي هي مفاتيح الغيب ، كالواحدية ، فأي فرق بينهما حتى جعلا مرتبتين ، فقال : بينهما فرق دقيق يختص بالكمّل ، وهو أن في مرتبة الألوهية يعقل تميز الذات عن هذه الأسماء

......................................................

( 1 ) هو أعلى التجليات ، وأعلى مراتب التجريد الذي عرفت بأنه تجريد الذات الذي لا يرى فيه سوى ذات واحدة في تعيناتها .

بظهورها بالفعل فيها ، وأما الأحدية ، فالذات لا يعقل تميزها عن أسمائها الذاتية ؛ لأن كلها ثمرة بالقوة ، فلا يتعقل تميزها عنها ، لا من حجب عن هذا السر ، فيقول : لا أسماء ولا صفات هناك أصلا ، وإنما هي في حضرة الألوهية حتى أنهم منعوا من التجلي الذاتي إذ الذات مجردة عن الصفات لا تتجلى على شيء لغاية غنائها عن العالمين على أن كل متجلّ لا بدّ وأن يتصف بالظهور .

وأما الذين تجلى لهم الذات ، فلا يعقلون هذا النوع من التمييز بين الألوهية والذات ، أعني بنفي الصفات في مرتبة الذات ، وإثباتها في مرتبة الألوهية ، ولا يشهدونه عند التجلي الذاتي ؛ لأن التجلي يستلزم الاتصاف بالظهور ، بل يستلزم ظهور كل شيء ؛ لأنه الظاهر في كل شيء ، كما أنه الباطن عن الكل إلا باعتبار علمهم بعلم المحجوبين ؛ لأنهم لما كوشفوا بكل شيء عند تجلي الذات ، كوشفوا بعلمهم أيضا ، فيتعقلون هذا التمييز بالنسبة إلى علم المحجوبين الجاهلين في علمهم ، لا بالنسبة إلى نفس الأمر .

بلى التميز الصادق عندهم هو التمييز بما أشرت إليه من أن الذات لا تغاير أسماءها الذاتية في المرتبة الأولى بوجه ما ، وتغاير في مرتبة الألوهية عن أسمائها ، ولا لبعض الأسماء عن بعض ، فهي معا في التحقيق مع تفاوت درجات المفاتيح فضلا عن الأسماء التالية ، فإن العالم يسبق الحي ظهورا ، والحي شرط والقادر عنها والمريد عن الثلاث ، فبعضها تابع للبعض .

وقد نبّه الشيخ رضي اللّه عنه على ذلك في تبعية أسماء الألوهية أنها متبوعة للأسماء التالية ، ذكر أعلى اللّه قدره في الفصل الموضح بقية أسرار النّص الحادي عشر “ إن الأسماء أحوال . . ، فافهم .



 

 

البحث في نص الكتاب

كتب صدر الدين القونوي:

كتب صدر الدين القونوي:

كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن

مفتاح غيب الجمع ونفصيله

كتاب الفكوك في أسرار مستندات حكم الفصوص

الأسماء الحسنى

رسالة النصوص

مشرع الخصوص إلى معاني النصوص للشيخ علاء الدين علي بن أحمد المهائمي

النفحات الإلهية

مرآة العارفين ومظهر الكاملين في ملتمس زين العابدين

المكتوبات

الوصية

إجازة الشيخ محي الدين له

التوجه الأتم إلى الحق تعالى

المراسلات بين صدرالدين القونوي وناصرالدين الطوسي

الرسالة المهدوية

الرسالة الهادية

الرسالة المفصحة

نفثة المصدور

رشح بال

الرسالة المرشدية

شرح الشجرة النعمانية {وهي تنسب خطأً إليه}



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!