المكتبة الأكبرية
*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***
*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***
الرسالة المفصحة
للشيخ أبي المعالي صدر الدين بن إسحق القونوي
وهي ضمن مراسلاته مع الشيخ نصير الدين الطوسي
[ فصل في بيان أحوال طبقات الناس في طلب العلوم التي تستقلّ العقول ادراكها ]
فصل في بيان أحوال طبقات الناس في طلب العلوم التي تستقلّ العقول بإدراكها من حيث نظرها وفكرها ومن حيث القوى المزاجية والآلات البدنية والتي لا تستقلّ بإدراكها وصورة امتياز الطبقة العليا المشار إليها من قبل وفيما بعد أيضا وانفرادها من بين باقي الطبقات المتفرّعة من الطبقة الوسطى والتي تليها مما سأشير إليه إن شاء اللّه تعالى .
لمّا حاول الناس تحصيل العلوم وخاضوا في طلب معرفتها بالقوى والآلات حتى أدركوا من القسم الأول من القسمين المذكورين ما أدركوا ، وإن لم ينتهوا إلى حقيقته ومعرفة جليّة الأمر فيه على ما هو عليه ، تفاوتوا فيما أدركوه تفاوتا كثيرا بحسب تفاوت إدراكاتهم وأمزجتهم وأغراضهم التابعة لاستعداداتهم . فتامّ وأتمّ منه وناقص وأنقص منه على ما سأشير إلى نبذ من أحوالهم فيما بعد إن شاء اللّه .
والقسم الثاني الذي قلنا إنه ليس مما تستقلّ العقول البشرية ابتداء بإدراكه وإنّ كلّ محاول طلب شيئا منه متى توجه بفكره لمعرفة بعض متعلقاته ، انقلب إليه فكره ونظره خاسئا وهو حسير [ سورة 67 ، آية : 4 ] .
فلم يمكن لأحد الظفر به إلّا بتأييد إلهي أو تعريف من جانب الحق بواسطة بعض الأرواح وغيرها أو بدون واسطة على رأي .
ثم نقول : فلما شاء الحق تكميل مرتبة العلم وأحكامه اللازمة لوجوب وجود الحق وتكميل بعض عباده المستعدّين للتحلي بالعلم المختص بالقسم الثاني المثمر لكمال الاطّلاع على حقائق الأمور على ما هي عليه وعلى نحو تعيّنها في علم الحق ، اصطفى من خلقه في كل عصر ومن كل جيل نقاوة من خلقه ، سمّوا تارة أنبياء وتارة أولياء كاملين - أيدهم اللّه بنوره العلمي الذاتي الأحدي - بحسب ما علم من استعداداتهم الغير المجعولة التي بها قبلوا الوجود منه أولا . ثم أيدهم بروح منه وأطلعهم على ما شاء من حقائق صفاته وخزائن جوده وأسرار أحكام وجوب وجوده .
ثم أمرهم أن ينبّهوا جمهور الناس على هذا الطرز المذكور وما يتضمنه هذا القسم الثاني وأن يدعوا الناس إلى ربهم ويعرّفوهم بالطريق الموصّل إليه وإلى سعاداتهم بالحكمة والموعظة الحسنة . ثم أيدهم ثانيا بالمعجزات والدلائل القاهرة والنصرة التي تضمنتها أحكام نفوسهم الماضية وسيوفهم الباترة . فامتثلوا ما أمروا به وأعربوا عن بعض ما شاهدوا ، لكن بلسان التشويق والإيماء ، من المقام الجامع بين الكتم والإفشاء ، وفاء لحقوق الحكمة والحكيم وإسباغا على الخلق نعمة ربهم وفضله العميم .