المكتبة الأكبرية
*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***
*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***
النفحات الإلهية
للشيخ أبي المعالي صدر الدين بن إسحق القونوي
نكتة من بارقة العلم بالوجود و النفس و العلم
و نحو ذلك من الأمور التي كثر البحث فيها بأنها شي ء ما غير و بأنها ما هي على التفصيل و التعيين شي ء آخر و الظاهر الجلي انما هو معرفة كون كل منها شيئا ما و انها ليست أمورا عدمية، و ليست الصعوبة في معرفتها بهذا الاعتبار، و انما الصعب معرفتها بالاعتبار الثاني و هو معرفة حقائقها، المعرفة التامة المحققة التي لا ريب معها، فاما بالبرهان او ما قام مقامه . فقول من يقول: ان العلم بوجودي او بالوجود او بنفسي او بالعلم بديهى و انه لغاية الوضوح يتعذر تعريفه او إقامة البرهان عليه، ليس بقول سادّ، فان الواضح البديهي انما هي المعرفة الاولى بالاعتبار الأول و لا كلام فيها، او قل: انها عبارة عن الإحساس بالوجود و ادراك شيئيته، فان من عنده ادنى عقل لا ينازع في ذلك و لا يرتاب، و لكن الصعب انما هو المعرفة الثانية بالاعتبار المذكور آنفا، اعنى معرفته من حيث حقيقته المتميزة بذاتها عن غيرها و لا شك في صعوبتها، و لهذا كثر اضطراب الناس فيها و اختلفت آرائهم و اشتدت حيرتهم، فلو كانت معرفة الوجود و العلم و النفس كما زعم القائل بديهية لما وقعت حيرة و لا حصل نزاع، لان البديهي عند العقلاء ما لا يقع فيه خلاف و لا نزاع، و هذا ليس كذلك، فليس ببديهى قطعا، فافهم .
و لما كان ما سوى هذه الأمور من المعلومات التفصيلية نسبتها الى هذه نسبة الفروع الى الأصول و تعذر على اكثر الخلق معرفة هذه، سرى الخلل فيما هو فرع عليها و تبع لها، لأنها المرجع و المستند، فصارت معرفتهم ضعيفة ناقصة للنقص و الخلل الواقع في الأصل، بخلاف من يؤدى بمعرفة الحق و اصول الحقائق الكلية اول الامر، فان معرفته تسرى في جميع الفروع بلا خلل و لا انحراف، فيسلم من الغلط و الخطأ و الحيرة، و هذا حال المحققين جعلنا اللّه منهم .