المكتبة الأكبرية
*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***
*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***
النفحات الإلهية
للشيخ أبي المعالي صدر الدين بن إسحق القونوي
نفحة كلية في معرفة الصفات الإلهية سلبا و اثباتا و هل ينتفي عنه وصف ما مطلقا او يثبت له مطلقا ام لا و ما حكم العلم الصحيح من حيث اعلى مراتبه في ذلك
فنقول: اعلم ان جميع الصفات التي أضافها الناس من حيث مداركهم العقلية و من حيث مفهوماتهم من الاخبارات الشرعية الى الحق سبحانه على سبيل التخصيص او أضافوها الى الخلق ايضا على سبيل التخصيص و سلبوها عن الحق تنزيها له عنها، حكموا باشتراكها بين الطرفين، بمعنى انه يصح اضافتها الى الحق من وجه و باعتبار، و كذلك يصح اضافتها الى الخلق من وجه و اعتبار ، انما مستندهم في اضافتهم هذه الصفات الى الحق و سلبها عنه هو حكمهم بحسن البعض و قبح البعض، و استناد حكمهم الى ما زعموا انهم علموه من مرتبتى الكمال و النقص .
فما ظنوه انه ثابت في اعلى درجات الكمال أضافوه الى الحق و حكموا بثبوته له و انفراده به و ما ظنوه انه متعين في مراتب النقص و الصور الغير المستحسنة أضافوه الى السوي و جعلوه من خصائصه و نفروا عن اضافته الى الحق بوجه ما و ما رأوا ان له من وجه صلاحية ان يضاف الى الحق من حيث الوجه المستحسن و الوصف الكمالي حكموا بجواز اضافته الى الحق من ذلك الوجه و حكموا بجواز اضافته الى الخلق من وجه آخر باعتبار اعلى درجات الخلق و ما يمكن انتهاؤهم اليه من درجات الكمال، مع توهم نقص ما باق، يمنع من اضافة تلك الصفة الى الحق بقيد تعقل ذلك النقص من حيث ذلك الاعتبار و هذا كله ظن لا تحقيق فيه، و وهم يستند الى معرفة ناقصة ضعيفة متعلقها الحسن و القبح و الكمال و النقص .
و انما الذي يقتضيه المشرب الصحيح الكمالي و العلم المحقق من حيث اعلى درجاته و أتمها هو ان جميع الصفات المحكوم بكمالها و نقصها و حسنها و قبحها ما حكم بصحة اضافته الى الحق و انفراده بذلك، و ما حكم باختصاصه بالحق و انفراده بها، و ما حكم بجواز الاشتراك فيه بين جناب الحق و مراتب الخلق كلها بأجمعها ثابتة للحق و ذاتية له، لكن على وجه لا يمكن تعقله و تصوره لاحد من المحجوبين و ان كانوا من اهل السعادة و المراتب الشريفة في الآخرة و كلها منتفية عن الحق و هو سبحانه تنزه عنها، لكن لا على الوجه المتعقل من التنزيه في تصور جملة المحجوبين .
و تفاوت الأكابر في هذا، انما يحصل و يظهر بمعرفة حقيقة الحق و حقيقة الخلق من كونه خلقا و سوى، و معرفة كيفية صحة الإضافة و سلبها مطلقا او في بعض المراتب دون البعض، و تقيد التلبس بأحوال مخصوصة او الانسلاخ عنها، فاعلم ذلك و اللّه اعلم