المكتبة الأكبرية
*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***
*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***
النفحات الإلهية
للشيخ أبي المعالي صدر الدين بن إسحق القونوي
سرّ كبير
ورد علىّ وارد قوى و انا عابر في بعض أسواق القاهرة، قال: من لم يعمل فيما علم بما يعلم، اتى عليه من حيث لا يعلم، و كان علمه ذلك حجة عليه، و كان تركه العمل بموجب علمه كفرانا منه بتلك النعمة العلمية، فان شكر كل نعمة من نوعها، و شكر العلم الذي لم يؤمر العبد بكتمانه مطلقا هو نشره، و العمل بمقتضاه و رعاية حق اللّه فيه بموجب الميزان المختص بذلك العلم .
ثم قيل لي: و للعلم المأمور بكتمانه شكر ايضا و هو ان يفرّد العبد للََّه عملا خاصا لا يعلمه منه غير الحق، فان ذلك يثمر المزيد من خير لا يكون بين العبد و بين ربه فيه واسطة، و يثمر المزيد من العلم المكنون المشار اليه و انه من اشرف العلوم، فإنه لا يكتم الا ما يعظم و يعز .
و لهذا كان حملة العلوم المكنونة أمناء الحق و خزنة اسراره، الذين لهم كمال القرب و الاختصاص بالتمكن و الثبات و الصبر الذي منحوه و تحلوا به، فلا يقلقون لحمل تلك الاسرار و لا ينبعث بواطنهم لإفشائها لهزّة حاصلة من محبة خلّ عزيز او غضب ثائر على عدو معتد اثيم، او تشوف لإظهار ما يثمر عزا ظاهرا و شرفا باهرا و راحة عاجلة، بل هم ثابتون تحت امر ربهم فيما ائتمنوا عليه، مواجهين لحضرة ذاته بقلوب طاهرة من كل نقش مذموم و محمود و علم و عمل و شوق الى مطلب متعيّن، وافين بعهده مراقبين لما يصدر من حضرته في حقهم و ما يتعين لهم منه ليكونون بحسبه .