المكتبة الأكبرية
*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***
*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***
النفحات الإلهية
للشيخ أبي المعالي صدر الدين بن إسحق القونوي
نفحة الهية و منحة قدسية
أحضرني الحق سبحانه في بعض مشاهده ليلة السابع و العشرين من رجب سنة أربع و ستين و ست مائة، و في مثل تلك الليلة فتح لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم باب البعثة الى الحق، و تجلى لي الرب سبحانه على عرش غير مكيّف في صورة مثالية مع انها غير مكيّفة و كنت أجدني واقفا بين يديه، فأسمعني خطابه و قال: أريد ان اميتك، فتموت لتحيى واحد فقلت: لك الامر كله، و وقعت في الحين و استلقيت على القفا و وضعت يمناى على شمالى منتظرا للموت، فإذا شخص واحد من جهة اليسار يقول: كيف يمكن موتك و ليس بك علة تقتضي الموت، فقلت: إذا كان هو المريد لموتى يمتني و من شاء كيف شاء و متى شاء دفعة او بالتدريج فذهب ذلك الشخص ثم اسدل الحجاب ثم تغير الحال الى نمط اعلى من ذلك من وجه .
ثم قيل لي صبيحة ذلك اليوم بالنهار حال يقظة تامة: هل ذلك في مطالعة مفتاح مقام جوامع الكلم من الوارث المحمدي؟ فقلت: ان ربى هو المفتاح العليم، فتلا على قلبى
إِنَّ اللََّهَ فََالِقُ الْحَبِّ وَ النَّوى ََ ( 95الانعام) و اطلعت على خزائنه فرأيته يغلق كلا منهما بذاته المحتجبة بأسمائه و صفاته المجعولة مجاليه، لا بمعنى ان الحجب و المجالى و المنصات غير المتجلى فيها و بها و عليها، بل بمعنى ان مطلق ظاهره سبحانه مجلى لباطنه، و ان كل مجلى بل كل صورة محسوسة او متخيلة موهومة او معنوية معقولة، هي نسبة من نسب مطلق ظاهريته يظهر فيها و من حيثها ذاته المطلقة و تتعين بها اى بتلك النسب وحدة جملتها دون تعقل عدد فهو من حيث كل نسبة من نسب ظاهريته معيّن نفسه و مقيدها و مظهرها و حاجبها بما سبق ظهوره من ذاته من تعيناته السالفة الاصلية و لا واسطة و لا غير و لا عدد الا من حيث النسب، و لا خفاء و لا ظهور الا من حيث العلم و الشهود و عدمهما، موقتا و غير موقت، متناهيا من حيث بعض المجالى و غير متناه من حيث بعض آخر .
ثم أشهدت انه فالق الحب و النوى من حيث قدرته الذاتية السارية في المجالى التي سبق التنبيه على حقيقتها ، لا في زمان منضبط بعدد و تقدير و توهم و تصوير الا بعد الوقوع و من حيث رؤية الامر، لا من حيث شهود الكيفية و ادراك تعلق القدرة بالمسمى مقدورا ثم اريت انه فالق الحب و النوى من حيث قدرته التي هي صفة الالوهية بموجب التخصيص الإرادي للسبق العلمي المتعلق ازلا بالعلوم على ما هو عليه المعلوم في نفسه من حيث حقيقته دون جعل و انفعال .
ثم اريت انه فالق الحب و النوى من حيث سريان حكم قضائه في حضرة قدرته، و تفصيل ذلك الحكم بآثار القدرة في الأرواح العلوية و الحركات الكوكبية و التشكلات الفلكية و الامتزاجات الطبيعية العنصرية، و كلها من حيث هذا المقام سدنة للتجلى الذاتي الساري فيها من مكمن الغيب الى عرصة الجمع و الظهور و تفصيلات للحكم الكلى المسمى قضاء، و هذا التفصيل هو التقدير، فالقدر تفصيل القضاء و توقيته، و المراد بهذا الجمع و التفصيل الافهام و التوصيل و ليظهر كل فرد من افراد مجموع الامر كله بصورة الجمع و وصفه و حاله و حكمه، ليبدو و يحصل كمال الجلاء و الاستجلاء، هكذا الى منتهى الخلق و الامر مرتبة لا غاية استقرارية في نفس الامر و لا استقرار .
و أريت انه فالق الحب و النوى من حيث بعض التجليات المقيدة بالزمان و المكان و غيرهما من الشروط و الوسائط، فيستعمل ذلك التجلي الأفلاك و الاملاك و الكواكب و الطبائع ليتصل به وصف من اوصاف التجلي الذاتي الكامن في كل منها و يسير الى المقام الذي احتجب فيه و به ذلك التجلي، حتى سمى بسبب ذلك من حيث الحجاب حبا و نوى، و خزن فيه ذاتا جامعة لكل ما بدا و تعرف .
فظهر بالفلق سر اولية الظهور الذاتي بحسب المرتبة التي منها تعين الظهور، و جعل ما قبل ذلك الظهور من وجه شروطا و من وجه وسايط ، و جعل لتجليه في ذلك الشي ء وجهين لهما حكمان: وجه يلي الشروط و الوسائط كيف قلت او النسب و الإضافات، و وجه يلي الذات فقط .
و الوجه الذي يلي الذات ايضا ذو وصفين: وصف يتحد به مع الذات من حيث الظاهرية بالاعتبار المذكور آنفا، بمعنى ان ظاهره مجلى لباطنه مجملا و مفصلا و وصف يتحد به مع الذات من حيث كمال القرب الحاصل بين ذلك التجلي و بين الذات المطلقة الغيبية في ثبوتها لنفسها و غناها عن مجاليها و منصاتها و أسمائها و صفاتها .
ثم اريت ايضا انه فالق الحب و النوى من حيث ان الساري من ذاته في الحجب السببية و الوسائط الشرطية هو الفالق عند اتصاله بالتجلى المستجن في الحب و النوى، فما فلق الحب غير حقيقة الحبّ، و قد نبهتك ما الحقيقة فادّكر فكل شي ء من شجرة نفسه جنى ثمرة غرسه حقا من حيث ما ذكرناه مجملا، و خلقا من حيث تعلق العلم بالمعلوم ازلا على ما هو المعلوم عليه في نفسه، فتبع العلم في التعلق المعلوم و تبعت الإرادة العلم و تبعت القدرة الإرادة، و يفصل حكم العلم المسمى بالقضاء
بعد تعين مرتبتى الإرادة و القدرة في الاملاك و الأفلاك و ما حوى كل منها بأحكام متعددة أوجبها استعداد القوابل، فسمى ذلك الحكم باعتبار تفصيله و تعديده و توقيته و تناهيه و عدم تناهيه قدرا، و القوابل مقدورات و الاحكام مقدرات ، و تنازل الامر و تعالى و تناهي و توالى، و وراء ذلك ما لا ينقال و لا يبدو لذي ذوق مقيد و مقام مخصوص و حال .