موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

الشيخ صدر الدين القونوي

النفحات الإلهية

للشيخ أبي المعالي صدر الدين بن إسحق القونوي

نفحة كلية

 

 


الخشية خوف خاص لا يقوم الا لمن يعلم نتائج الأعمال و كون الحق يهب لها الوجود لا محالة، إذ لا منع الا من حيث القابل، و قد وجد الأصل و هو العمل، و انه يستلزم ظهور الثمرة و هي النتيجة من كل بدّ، فخشية العالم من الحق من هذا الوجه، و ثمرة الخشية في من قامت به عدم الإقبال على كل فعل يعلم ان نتيجته متى ظهرت له و اتصلت به لا توافقه و لا ترضيه .

و الخوف لا يشترط فيه العلم بمعرفة كل فعل و نتيجته، بل يشترط فيه حبّ السلامة و التصديق بامكان وقوع ما لا يلائم بسبب ارتكاب هذا الفعل المنهي عنه .

و التقوى ترقب و احتياط يوجبهما الحكم بالإمكان و التسويغ فيقصد حسم مادة ما تبقى منه و يحذر مما عساه ان يقع .

و اعلم ان العلم كما يقتضي الخشية و الاحجام عن التلبس بامر يعلم انّ نتيجته مضرة غير مرضية، فكذلك يوجب أحيانا الاقدام على امور يظن الخائف ان استلزامها للنتائج المضرة عام الحكم بالنسبة الى كل مباشر لها، و ان الامر بخلاف ذلك، فان الأثر المضر المتوقع منها انما يظهر على ذلك الوجه، إذا كان محل الفاعل مستعدا لقبوله، و بتقدير القبول لا بد من فرض عدم المقاوم القاهر ايضا .

الا ترى ان كثيرا من الاغذية الرديئة بل و من المسمومات يتناولها قوم ذو امزجة قوية او نفوس فعالة متلبسة بإيمان تام و صدق و توكل، فلا يتضررون بشي ء من ذلك، و ان النار لا تحرق كلما يتصل بها مطلقا، بل بشرط ان يكون الجسم الذي اتصلت به قابلا للاحتراق ؟ و لهذا لا تفعل في السمندر و الياقوت و في كثير من الاشخاص البشريين ذوى صدق و قوة قاهرة، حتى ان ثيابهم ايضا بحكم المجاورة تسرى فيها تلك الخاصية فلا يتأثر من النار، و شاهد هذا من الشريعة قوله صلّى اللّه عليه و سلّم: ان النار لا تأكل مواضع السجود من الإنسان، مع ان تلك المواضع من جملة أجزاء بدنه القابلة للاحتراق ، و قوله عن جهنم: انها تقول :

ادخل يا مؤمن فقد أطفأ نورك لهبى .

و كما ان الحسنات يذهبن السيئات، كذلك السر الذي في العبد الذي هو مصدر تلك الحسنة الماحية تمحو ضرر تلك السيئة .

فان المحو في هذا المقام عندنا محوان: محو صورة السيئة و محو نتيجتها و ضررها بعد الموت حيث شاء اللّه من المواطن و المواقف التي تمر الخلق عليها و في جهنم أعاذنا اللّه منها و كلا المحوين قد يكون سببهما امرا ذاتى في الإنسان و قد يكون موجبه فعل حسن تابع للفعل المذموم ناسخ حكمه محيل صورته، كما قال صلّى اللّه عليه و سلّم : اتبع السيئة الحسنة تمحها .

و رأيت في هذا المقام لما أدخلته و اطلعت عليه الفرق بين نتائج الأعمال

الظاهرة و باطنة، و الى اين تنتهي و كم هي سدر الانتها آت، و اطلعت على حقيقة المؤاخذة و العفو و الغفران، فرأيت اثر كل واحد مخالفا لاثر الاخر، و رأيت سر التبديل و اعدام صور الأعمال حتى تعود هباء منثورا .

و رأيت الأعمال الخالصة في الشر و الخير و الممتزجة منها بالاغلبية في الشر و الخير، و رأيت الحسنة تمحو الحسنة و رأيت بعض الأعمال المسمى سيئة تمحو سيئات أخر، و رأيت التبديل و المحو تارة يقعان دفعة و تارة بالتدريج بعد مدة يسيرا يسيرا، و كالاستحالات في عالمنا هذا، و رأيت أرواح الأعمال و انتشاءها بين ابوة علم العالم و امومة حضوره ، مع ما يعلم و مع ما يعتقد صحته، إذا كان اعتقادا صحيحا مطابقا لما هو الامر عليه . و رأيت ان العمل من حيث صورته أحيانا و إيقاعه في الموضع الشريف او في محضر عامل محق مقرب يغلب حكمه على حكم روحه المذموم من حيث النية الفاسدة و الحضور المختل و بالعكس ايضا، فتصلح صورة العمل المختلة لصلاح روح العمل بصحة العلم و صدق النية و حسن الجمعية حال الحضور، فيتم صلاح العمل الفاسد من حيث صورته و من حيث روحانيته معا .

و رأيت عمل زيد الصالح يصلح عمل عمرو الفاسد و بالعكس إذا ظهرت سلطنة الفاسد كما قال تعالى: وَ اتَّقُوا فِتْنَةً لََا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً الاية (25الأنفال) و ليس هذا بمخالف للأصل المترجم عنه بقوله تعالى: وَ لََا تَزِرُ وََازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ََ * ( 18فاطر) فان هذا الأثر لا يقع و لا يسرى بحكم ما به امتاز الصالح من الطالح، بل بموجب حكم ما به الاتحاد و الاشتراك بين زيد و عمرو، و قوله: وَ لََا تَزِرُ وََازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ََ * : لسان غلبة ما به الامتياز على حكم ما به الاشتراك، فافهم .

و رأيت في هذا المقام من اسرار الأعمال و العمال و المجازاة عليها شرا و خيرا، دنيا و برزخا و آخرة، و النية و الحضور، علما و شهودا و تعقلا ما لا يمكن شرحه لعظمته و تعذر العبارة عنه و كون الشرح لا يفي ببيانه .

و رأيت بعض الأعمال يكون بصدد الاضمحلال فيصدر عمل آخر فيثبته، و قد يكون ذلك العمل المثبت صادرا من ذلك العامل و قد يكون من غيره، و الذي من غيره قد يكون بقصد و قد لا بقصد، بل بخاصية اشتراك و مناسبة بين الشخصين في الحال او الفعل او المقام، او للاشتراك في صفات ذاتية او في صفة واحدة هي الغالبة حكما على كل منهما حين التلبس بذلك العمل .

و رأيت انواع الأعمال مرتبة بعضها بالبعض، فقد يقصد شخص بعلم ما على نحو اعتقاد ما امرا ما، فيغلب بحكم الوقت و الحال او المقام ايضا حكم عمل آخر بصورة اخرى، فتظهر نتيجة مجهولة قلّ من يعرف مم انتشأت و كيف ظهرت، و ذلك للسراية و غلبة حكم نوع اخرى من الأعمال له سلطنة خفية اعتضدت بحكم وقت العامل و حاله و ان خالفت قصده و مغزاه و رأيت كليات اسرار المعاصي و الطاعات و استشرفت من حضرة المطلع على اسرار نتائجها و المقدمات، فوجدتها بالنسبة الى البعض حجج سر القدر ليصدق غدا الخبر الخبر و بالنسبة الى البعض علل و أدوات يظهر بها احكام الإهمال و الاعتناء و سر المعدلة في المكافاة و الجزاء، و بالنسبة الى البعض مصايد و خيالات يصاد بعضهم بها من الدنيا للآخرة، و بعضهم من الآخرة ايضا للأمر الجامع سر كمالات الدنيا و الآخرة، و بعضهم من هذه الأمور الثلاثة للتحقق بها و بمعرفة ما فيها و التمتع بالاستشراف عليها و الحكم و الاسرار المودع لديها .

و رأيت ان بعضهم منها يعدى من حظه المعين في كل ما مر ذكره الى حظه المطلق الأتم مستجليا كمال الجلاء المودع في جميع ذلك، متعديا ايضا الى استجلاء وحدة الفعل الأصلي و التصريف، فيرى وحدة المتصرف و التصرف و موجب تعددات ذلك الفعل الواحد في القوابل المختلفة و اكسابه مع التعددات أوصافا متنوعة يسمى ذلك الفعل الوحداني بسببها حال التعدد طاعة و معصية و ينعت بالحسن و القبح و الاثمار الملائم الأبدي و الاثمار الغير الملائم، موقتا متناهى الحكم و غير موقت .

ثم رأيت في عودتى من هذا المشهد العلى حال التنزل بعض الأفعال المسماة أعمالا بالنسبة لغير المؤهل لمعرفة الحق و شهوده من ايمان و صدق في معاملات ، و وجدتها ايضا بالنسبة الى البعض اسباب نهبته لتخلّيه او تحلئة او دفع مضرة من غفلة طبيعية او حجية او جلب منحة و تفريج كربة و طلب الخلاص من محنة .

و لما كانت هذه آخر دائرة فلك الأعمال و كانت متصلة بأولها و أعلاها، وجدت اعمال الأكابر انها يسير في مقامات مجالى عدل الحق و رضاه، و ولوج في مراتب العلم و الجهل و الوصل و الفصل من حماه، ظهر و تلبس بأحكام شئونه بحسب علمه بتنوعات .

فافهم و تدبر هذه الاسرار، فما اظنّ طرقت سمعك، و ربّما لم يذكر بعد، و اللّه المرشد.



 

 

البحث في نص الكتاب

كتب صدر الدين القونوي:

كتب صدر الدين القونوي:

كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن

مفتاح غيب الجمع ونفصيله

كتاب الفكوك في أسرار مستندات حكم الفصوص

الأسماء الحسنى

رسالة النصوص

مشرع الخصوص إلى معاني النصوص للشيخ علاء الدين علي بن أحمد المهائمي

النفحات الإلهية

مرآة العارفين ومظهر الكاملين في ملتمس زين العابدين

المكتوبات

الوصية

إجازة الشيخ محي الدين له

التوجه الأتم إلى الحق تعالى

المراسلات بين صدرالدين القونوي وناصرالدين الطوسي

الرسالة المهدوية

الرسالة الهادية

الرسالة المفصحة

نفثة المصدور

رشح بال

الرسالة المرشدية

شرح الشجرة النعمانية {وهي تنسب خطأً إليه}



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!