«إذْ أبق» هرب «إلى الفلك المشحون» السفينة المملوءة حين غاضب قومه لما لم ينزل بهم العذاب الذي وعدهم به فركب السفينة فوقفت في لجة البحر، فقال الملاحون هنا عبد أبق من سيده تظهره القرعة.
وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (182)
والحمد للّه أي عواقب الثناء إذ كل ما جاءوا به إنما قصدوا به الثناء على اللّه ، فعواقب
[ إشارة : الحمد للّه ]
الثناء على اللّه بما نزه نفسه عنه وبما نزهه العباد به ، فإن الحمد العاقب ، فعواقب الثناء ترجع إلى اللّه ، وعاقب الأمر آخره «رَبِّ الْعالَمِينَ» من حيث ثبوته في ربوبيته بما يستحقه الرب من النعوت المقدسة ، وهو سيد العالم ومربيهم ومغذيهم ومصلحهم ، لا إله إلا هو العزيز الحكيم ، ومن سياق الآيات دل على أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم حمد اللّه رب العالمين عقيب نصره وظفره بخيبر ، فهو حمد نعمة - إشارة - «الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ» جاءت في أول سورة الفاتحة ، وفي وسط سورة يونس ، وفي آخر سورة الصافات ، فعمت الطرفين والواسطة .
(38) سورة ص مكيّة
بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
------------
(182) الفتوحات ج 3 /
537 ، 196
قوله تعالى "إذا أبق إلى الفلك المشحون" قال ابن عباس رضي الله عنهما هو الموقر أي المملوء بالأمتعة.
فيه ثماني مسائل: الأولى: قوله تعالى: {وإن يونس لمن المرسلين} يونس هو ذو النون، وهو ابن متى، وهو ابن العجوز التي نزل عليها إلياس، فاستخفى عندها من قومه ستة أشهر ويونس صبي يرضع، وكانت أم يونس تخدمه بنفسها وتؤانسه، ولا تدخر عنه كرامة تقدر عليها. ثم إن إلياس سئم ضيق البيوت فلحق بالجبال، ومات ابن المرأة يونس، فخرجت في أثر إلياس تطوف وراءه في الجبال حتى وجدته، فسألته أن يدعو الله لها لعله يحيى لها ولدها؛ فجاء إلياس إلى الصبي بعد أربعة عشر يوما من موته، فتوضأ وصلى ودعا الله فأحيا الله يونس بن متى بدعوة إلياس عليه السلام. وأرسل الله يونس إلى أهل نينوى من أرض الموصل وكانوا يعبدون الأصنام ثم تابوا، حسبما تقدم بيانه في سورة {يونس} ومضى في {الأنبياء} قصة يونس في خروجه مغاضبا. واختلف في رسالته هل كانت قبل التقام الحوت إياه أو بعده. قال الطبري عن شهر بن حوشب : إن جبريل عليه السلام أتي يونس فقال : انطلق إلى أهل نينوى فأنذرهم أن العذاب قد حضرهم. قال : ألتمس دابة. قال : الأمر أعجل من ذلك. قال : ألتمس حذاء. قال : الأمر أعجل من ذلك. قال : فغضب فانطلق إلى السفينة فركب، فلما ركب السفينة احتبست السفينة لا تتقدم ولا تتأخر. قال : فتساهموا، قال : فسهم، فجاء الحوت يبصبص بذنبه؛ فنودي الحوت : أيا حوت! إنا لم نجعل لك يونس رزقا؛ إنما جعلناك له حرزا ومسجدا. قال : فالتقمه الحوت من ذلك المكان حتى مر به إلى الأبلة، ثم انطلق به حتى مر به على دجلة، ثم انطلق حتى ألقاه في نينوى. حدثنا الحارث قال حدثنا الحسن قال حدثنا أبو هلال قال حدثنا شهر بن حوشب عن ابن عباس قال : إنما كانت رسالة يونس بعد ما نبذه الحوت؛ واستدل هؤلاء بأن الرسول لا يخرج مغاضبا لربه، فكان ما جرى منه قبل النبوة. وقال آخرون : كان ذلك منه بعد دعائه من أرسل إليهم إلى ما أمره الله بدعائهم إليه، وتبليغه إياهم رسالة ربه، ولكنه وعدهم نزول ما كان حذرهم من بأس الله في وقت وقته لهم ففارقهم إذ لم يتوبوا ولم يراجعوا طاعة الله، فلما أظل القوم العذاب وغشيهم - كما قال الله تعالى في تنزيله - تابوا إلى الله، فرفع الله العذاب عنهم، وبلغ يونس سلامتهم وارتفاع العذاب الذي كان وعدهموه فغضب من ذلك وقال : وعدتهم وعدا فكذب وعدي. فذهب مغاضبا ربه وكره الرجوع إليهم، وقد جربوا عليه الكذب؛ رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس. وقد مضى هذا في {الأنبياء} وهو الصحيح على ما يأتي عند قوله تعالى: {وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون} [
الصافات : 147]. ولم ينصرف يونس؛ لأنه اسم أعجمي ولو كان عربيا لانصرف وإن كانت في أول الياء؛ لأنه ليس في الأفعال يفعل كما أنك إذا سميت بيُعفر صرفته؛ وإن سميت بيَعفر لم تصرفه. الثانية: قوله تعالى: {إذ أبق} قال المبرد : أصل أبق تباعد؛ ومنه غلام آبق. وقال غيره : إنما قيل ليونس أبق؛ لأنه خرج بغير أمر الله عز وجل مستترا من الناس. {إلى الفلك المشحون} أي المملوءة {والفلك} يذكر ويؤنث ويكون واحدا وجمعا وقد تقدم. قال الترمذي الحكيم : سماه آبقا لأنه أبق عن العبودية، وإنما العبودية ترك الهوى وبذل النفس عند أمور الله؛ فلما لم يبذل النفس عندما اشتدت عليه العزمة من الملك حسبما تقدم بيانه في: {الأنبياء}، وآثر هواه لزمه اسم الآبق، وكانت عزمة الملك في أمر الله لا في أمر نفسه، وبحظ حق الله لا بحظ نفسه؛ فتحرى يونس فلم يصب الصواب الذي عند الله فسماه آبقا ومليما. الثالثة: قوله تعالى: {فساهم} قال المبرد : فقارع، قال : وأصله من السهام التي تجال. {فكان من المدحضين} قال : من المغلوبين. قال الفراء : دحضت حجته وأدحضها الله. وأصله من الزلق؛ قال الشاعر : قتلنا المدحضين بكل فج ** فقد قرت بقتلهم العيون أي المغلوبين. الرابعة: قوله تعالى: {فالتقمه الحوت وهو مليم} أي أتى بما يلام عليه. فأما الملوم فهو الذي يلام، استحق ذلك أو لم يستحق. وقيل : المليم المعيب. يقال : لام الرجل إذا عمل شيئا فصار معيبا بذلك العمل. {فلولا أنه كان من المسبحين} قال الكسائي : لم تكسر {أن} لدخول اللام؛ لأن اللام ليست لها. النحاس : والأمر كما قال؛ إنما اللام في جواب لولا. {فلولا أنه كان من المسبحين} أي من المصلين {للبث في بطنه إلى يوم يبعثون} أي عقوبة له؛ أي يكون بطن الحوت قبرا له إلى يوم القيامة. واختلف كم أقام في بطن الحوت. فقال السدي والكلبي ومقاتل بن سليمان : أربعين يوما. الضحاك : عشرين يوما. عطاء : سبعة أيام. مقاتل بن حيان : ثلاثة أيام. وقيل : ساعة واحدة. والله أعلم. الخامسة: ""روى الطبري من حديث أبي هريرة"" قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (لما أراد الله تعالى ذكره - حبس يونس في بطن الحوت أوحى الله إلى الحوت أن خذه ولا تخدش لحما ولا تكسر عظما فأخذه ثم هوى به إلى مسكنه من البحر؛ فلما انتهى به إلى أسفل البحر سمع يونس حسا فقال في نفسه ما هذا؟ فأوحى الله تبارك وتعالى إليه وهو في بطن الحوت : (إن هذا تسبيح دواب البحر) قال : (فسبح وهو في بطن الحوت) قال : (فسمعت الملائكة تسبيحه فقالوا : يا ربنا إنا نسمع صوتا ضعيفا بأرض غريبة) قال : (ذلك عبدي يونس عصاني فحبسته في بطن الحوت في البحر) قالوا : العبد الصالح الذي كان يصعد إليك منه في كل يوم وليلة عمل صالح؟ قال نعم. فشفعوا له عند ذلك فأمر الحوت بقذفه في الساحل كما قال تعالى: {وهو سقيم}). وكان سقمه الذي وصفه به الله - تعالى ذكره - أنه ألقاه الحوت على الساحل كالصبى المنفوس قد نشر اللحم والعظم. وقد روي : أن الحوت سار مع السفينة رافعا رأسه يتنفس فيه يونس ويسبح، ولم يفارقهم حتى انتهوا إلى البر، فلفظه سالما لم يغير منه شيء فأسلموا؛ ذكره الزمخشري في تفسيره. وقال ابن العربي : أخبرني غير واحد من أصحابنا عن إمام الحرمين أبي المعالي عبدالملك بن عبدالله بن يوسف الجويني : أنه سئل عن الباري في جهة؟ فقال : لا، هو يتعالى عن ذلك. قيل له : ما الدليل عليه؟ قال : الدليل عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم : (لا تفضلوني على يونس بن متى) فقيل له : ما وجه الدليل في هذا الخبر؟ فقال : لا أقوله حتى يأخذ ضيفي هذا ألف دينار يقضي بها دينا. فقام رجلان فقالا : هي علينا. فقال لا يتبع بها اثنين؛ لأنه يشق عليه. فقال واحد : هي علي. فقال : إن يونس بن متى رمى بنفسه في البحر فالتقمه الحوت، فصار في قعر البحر في ظلمات ثلاث، ونادى: {لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين} [
الأنبياء : 87] كما أخبر الله عنه، ولم يكن محمد صلى الله عليه وسلم حين جلس على الرفرف الأخضر وارتقى به صعدا، حتى انتهى به إلى موضع يسمع فيه صريف الأقلام، ومناجاه ربه بما ناجاه به، وأوحى إليه ما أوحى بأقرب إلى الله تعالى من يونس في بطن الحوت في ظلمة البحر. السادسة: ذكر الطبري : أن يونس عليه السلام لما ركب في السفينة أصاب أهلها عاصفة من الريح، فقالوا : هذه بخطيئة أحدكم. فقال يونس وعرف أنه هو صاحب الذنب : هذه خطيئتي فألقوني في البحر، وأنهم أبوا عليه حتى أفاضوا بسهامهم. {فساهم فكان من المدحضين} فقال لهم : قد أخبرتكم أن هذا الأمر بذنبي. وأنهم أبوا عليه حتى أفاضوا بسهامهم الثانية فكان من المدحضين، وأنهم أبوا أن يلقوه في البحر حتى أعادوا سهامهم الثالثة فكان من المدحضين. فلما رأى ذلك ألقى نفسه في البحر، وذلك تحت الليل فابتلعه الحوت. وروي أنه لما ركب في السفينة تقنع ورقد فساروا غير بعيد إذ جاءتهم ريح كادت السفينة أن تغرق، فاجتمع أهل السفينة فدعوا فقالوا : أيقظوا الرجل النائم يدعوا معنا؛ فدعا الله معهم فرفع الله عنهم تلك الريح. ثم انطلق يونس إلى مكانه فرقد، فجاءت ريح كادت السفينة أن تغرق، فأيقظوه ودعوا فارتفعت الريح. قال : فبينما هم كذلك إذ رفع حوت عظيم رأسه إليهم أراد أن يبتلع السفينة، فقال لهم يونس : يا قوم هذا من أجلي فلو طرحتموني في البحر لسرتم ولذهب الريح عنكم والروع. قالوا : لا نطرحك حتى نتساهم، فمن وقعت عليه رميناه في البحر. قال : فتساهموا فوقع على يونس؛ فقال لهم : يا قوم اطرحوني فمن أجلي أوتيتم؛ فقالوا : لا نفعل حتى نتساهم مرة أخرى. ففعلوا فوقع على يونس. فقال لهم : يا قوم اطرحوني فمن أجلي أوتيتم؛ فذلك قول الله عز وجل: {فساهم فكان من المدحضين} أي وقع السهم عليه؛ فانطلقوا به إلى صدر السفينة ليلقوه في البحر، فإذا الحوت فاتح فاه، ثم جاءوا به إلى جانب السفينة، فإذا بالحوت، ثم رجعوا به إلى الجانب الآخر، فإذا بالحوت فاتح فاه؛ فلما رأى ذلك ألقى بنفسه فالتقمه الحوت؛ فأوحى الله تعالى إلى الحوت : إني لم أجعله لك رزقا ولكن جعلت بطنك له وعاء. فمكث في بطن الحوت أربعين ليلة فنادى في الظلمات{أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين. فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين} [
الأنبياء : 87] وقد تقدم ويأتي. ففي هذا من الفقه أن القرعة كانت معمولا بها في شرع من قبلنا، وجاءت في شرعنا على ما تقدم في {آل عمران} قال ابن العربي : وقد وردت القرعة في الشرع في ثلاثة مواطن. الأول : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد سفرا أقرع بين نسائه، فأيتهن خرج سهمها خرج بها معه. الثاني : أن النبي صلى الله عليه وسلم رفع إليه أن رجلا أعتق ستة أعبد لا مال له غيرهم، فأقرع بينهم؛ فأعتق اثنين وأرق أربعة. الثالث : أن رجلين اختصما إليه في مواريث قد درست فقال : (اذهبا وتوخيا الحق واستهما وليحلل كل واحد منكما صاحبه). فهذه ثلاثة مواطن، وهي القسم في النكاح، والعتق، والقسمة، وجريان القرعة فيها لرفع الإشكال وحسم داء التشهي. واختلف علماؤنا في القرعة بين الزوجات في الغزو على قولين؛ الصحيح منهما الإقراع؛ وبه قال فقهاء الأمصار. وذلك أن السفر بجميعهن لا يمكن، واختيار واحدة منهن إيثار فلم يبق إلا القرعة. وكذلك في مسألة الأعبد الستة؛ فإن كل اثنين منهما ثلث، وهو القدر الذي يجوز له فيه العتق في مرض الموت، وتعيينهما بالتشهي لا يجوز شرعان فلم يبق إلا القرعة. وكذلك التشاجر إذا وقع في أعيان المواريث لم يميز الحق إلا القرعة، فصارت أصلا في تعيين المستحق إذا أشكل. قال : والحق عندي أن تجري في كل مشكل، فذلك بين لها، وأقوى لفصل الحكم فيها، وأجلى لرفع الإشكال عنها؛ ولذلك قلنا : إن القرعة بين الزوجات في الطلاق كالقرعة بين الإماء في العتق. السابعة: الاقتراع على إلقاء الآدمي في البحر لا يجوز. وإنما كان ذلك في يونس وزمانه مقدمة لتحقيق برهانه، وزيادة في إيمانه؛ فإنه لا يجوز لمن كان عاصيا أن يقتل ولا يرمى به في النار أو البحر، وإنما تجرى عليه الحدود والتعزير على مقدار جنايته. وقد ظن بعض الناس أن البحر إذا هال على القوم فاضطروا إلى تخفيف السفينة أن القرعة تضرب عليهم، فيطرح بعضهم تخفيفا؛ وهذا فاسد؛ فإنها لا تخف برمي بعض الرجال وإنما ذلك في الأموال، ولكنهم يصبرون على قضاء الله عز وجل. الثامنة: أخبر الله عز وجل أن يونس كان من المسبحين، وأن تسبيحه كان سبب نجاته؛ ولذلك قيل : إن العمل الصالح يرفع صاحبه إذا عثر. قال ابن عباس: {من المسبحين} من المصلين. قال قتادة : كان يصلي قبل ذلك لحفظ الله عز وجل له فنجاه. وقال الربيع بن أنس : لولا أنه كان له قبل ذلك عمل صالح {للبث في بطنه إلى يوم يبعثون} قال : ومكتوب في الحكمة - إن العمل الصالح يرفع ربه إذا عثر. وقال مقاتل: {من المسبحين} من المصلين المطيعين قبل المعصية. وقال وهب : من العابدين. وقال الحسن : ما كان له صلاة في بطن الحوت؛ ولكنه قدم عملا صالحا في حال الرخاء فذكره الله به في حال البلاء، وإن العمل الصالح ليرفع صاحبه، وإذا عثر وجد متكأ. قلت : ومن هذا المعنى قوله صلى الله عليه وسلم : (من استطاع منكم أن تكون له خبيئة من عمل صالح فليفعل) فيجتهد العبد، ويحرص على خصلة من صالح عمله، يخلص فيها بينه وبين ربه، ويدخرها ليوم فاقته وفقره، ويخبؤها بجهده، ويسترها عن خلقه، يصل إليه نفعها أحوج ما كان إليه. وقد خرج البخاري ومسلم من حديث ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : (بينما ثلاثة نفر - في رواية ممن كان قبلكم - يتماشون أخذهم المطر فأووا إلى غار في جبل فانحطت على فم الغار صخرة من الجبل فانطبقت عليهم فقال بعضهم لبعض انظروا أعمالا عملتموها صالحة لله فادعوا الله بها لعله يفرجها عنكم...) الحديث بكماله وهو مشهور، شهرته أغنت عن تمامه. وقال سعيد بن جبير : لما قال في بطن الحوت: {لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين} [
الأنبياء : 87] قذفه الحوت. وقيل: {من المسبحين} من المصلين في بطن الحوت. قلت : والأظهر أنه تسبيح اللسان الموافق للجنان، وعليه يدل حديث أبي هريرة المذكور قبل الذي ذكره الطبري. قال : فسبح في بطن الحوت. قال : فسمعت الملائكة تسبيحه؛ فقالوا : يا ربنا إنا نسمع صوتا ضعيفا بأرض غريبة. وتكون {كان} على هذا القول زائدة؛ أي فلولا أنه من المسبحين. وفي كتاب أبي داود عن سعد بن أبي وقاص عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (دعاء ذي النون في بطن الحوت {لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين} [
الأنبياء : 87] لم يدع به رجل مسلم في شيء قط إلا استجيب له) وقد مضى هذا في سورة [الأنبياء] فيونس عليه السلام كان قبل مصليا مسبحا، وفي بطن الحوت كذلك. وفي الخبر : فنودي الحوت : إنا لم نجعل يونس لك رزقا؛ إنما جعلناك له حرزا ومسجدا. وقد تقدم.
وإن عبدنا يونس اصطفيناه وجعلناه من المرسلين، إذ هرب من بلده غاضبًا على قومه، وركب سفينة مملوءة ركابًا وأمتعة.
{ إِذْ أَبَقَ } أي: من ربه مغاضبا له، ظانا أنه لا يقدر عليه، ويحبسه في بطن الحوت، ولم يذكر اللّه ما غاضب عليه، ولا ذنبه الذي ارتكبه، لعدم فائدتنا بذكره، وإنما فائدتنا بما ذُكِّرنا عنه أنه أذنب، وعاقبه اللّه مع كونه من الرسل الكرام، وأنه نجاه بعد ذلك، وأزال عنه الملام، وقيض له ما هو سبب صلاحه.
فلما أبق لجأ { إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ } بالركاب والأمتعة، فلما ركب مع غيره، والفلك شاحن، ثقلت السفينة، فاحتاجوا إلى إلقاء بعض الركبان، وكأنهم لم يجدوا لأحد مزية في ذلك، فاقترعوا على أن من قرع وغلب، ألقي في البحر عدلا من أهل السفينة، وإذا أراد اللّه أمرا هيأ أسبابه.
( إذ أبق إلى الفلك المشحون ) يعني : هرب .
قال ابن عباس - رضي الله عنهما - ووهب : كان يونس وعد قومه العذاب ، فلما تأخر عنهم العذاب خرج كالمشور منهم ، فقصد البحر فركب السفينة ، فاحتبست السفينة فقال الملاحون : هاهنا عبد آبق من سيده ، فاقترعوا فوقعت القرعة على يونس ، فاقترعوا ثلاثا فوقعت على يونس ، فقال يونس : أنا الآبق ، وزج نفسه في الماء .
وروي في القصة : أنه لما وصل إلى البحر كانت معه امرأته وابنان له ، فجاء مركب فأراد أن يركب معهم فقدم امرأته ليركب بعدها ، فحال الموج بينه وبين المركب ومر المركب ، ثم جاءت موجة أخرى وأخذت ابنه الأكبر وجاء ذئب فأخذ الابن الأصغر ، فبقي فريدا ، فجاء مركب آخر فركبه فقعد ناحية من القوم ، فلما مرت السفينة في البحر ركدت ، فاقترعوا ، وقد ذكرنا القصة في سورة يونس .
(إِذْ) ظرف زمان (أَبَقَ) ماض فاعله مستتر (إِلَى الْفُلْكِ) متعلقان بأبق (الْمَشْحُونِ) صفة والجملة في محل جر بالإضافة
Traslation and Transliteration:
Ith abaqa ila alfulki almashhooni
When he fled unto the laden ship,
Hani, yolcularla dolu bir gemiye kaçmıştı da.
Quand il s'enfuit vers le bateau comble,
(Erinnere daran), als er zum voll beladenen Schiff floh.
|
بيانات السورة |
اسم السورة |
سورة الصافات (As-Saffat - Those who set the Ranks) |
ترتيبها |
37 |
عدد آياتها |
182 |
عدد كلماتها |
865 |
عدد حروفها |
3790 |
معنى اسمها |
الصَّافَّاتُ: جَمْعُ (الصَّافَّةُ)، وَالمُرَادُ (بِالصَّافَّاتِ): المَلائِكَةُ تَصُفُّ لِرَبِّهَا فِي السَّمَاءِ كَصُفُوفِ المُصَليِّنَ فِي الصَّلاةِ |
سبب تسميتها |
دِلَالَةُ هَذَا الاسْمِ عَلَى الْمَقْصِدِ الْعَامِّ لِلسُّورَةِ وَمَوضُوعَاتِهَا |
أسماؤها الأخرى |
اشتُهِرَتْ بِسُورَةِ (الصَّافَّاتِ)، وَتُسَمَّى سُورَةَ (الذَّبْحِ) |
مقاصدها |
امْتِنَانُ اللهِ تعَالَى علَى عِبَادِهِ بِنِعْمَةِ الْخَلْقِ وَالرُّسُلِ، وَرَدُّ شُبُهَاتِ المُكَذِّبِينَ |
أسباب نزولها |
سُورَةٌ مَكِّيَّةٌ، لَمْ تَصِحَّ رِوَايَةٌ فِي سَبَبِ نُزُولِهَا أَو فِي نُزُولِ بَعْضِ آياتِهَا |
فضلها |
خَصَّهَا النَّبِيُّ ﷺ فِي الصَّلَوَاتِ، فَعَنْ عَبْدِ اللهِ بِن عُمَرَ رضي الله عنه قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يَأْمُرُنَا بِالتَّخْفِيفِ وَيَؤُمُّنَا بِالصَّافَّاتِ». (حَدِيثٌ صَحيحٌ، رَوَاهُ النَّسائِي) |
مناسبتها |
مُنَاسَبَةُ أَوَّلِ سُورَةِ (الصَّافَّاتِ) بِآخِرِهَا: تَنْزِيهُ الْخَالِقِ سُبْحَانَهُ مِنْ شُبْهَةِ الْمُشْرِكِينَ، فَقَالَ فِي أَوّلِ السُّورَةِ: ﴿ إِنَّ إِلَٰهَكُمۡ لَوَٰحِدٞ ٤﴾، وَرَدَّ عَلَيهِمْ فِي خِتَامِهَا فَقَالَ: ﴿سُبۡحَٰنَ رَبِّكَ رَبِّ ٱلۡعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ ١٨٠﴾.
مُنَاسَبَةُ سُورَةِ (الصَّافَّاتِ) لِمَا قَبلَهَا مِنْ سُورَةِ (يسٓ): خُتِمَتْ (يسٓ) بِسَعَةِ مُلْكِ اللهِ تَعَالَى، فَقَالَ: ﴿فَسُبۡحَٰنَ ٱلَّذِي بِيَدِهِۦ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيۡءٖ وَإِلَيۡهِ تُرۡجَعُونَ ٨٣﴾، وافتُتِحَتِ (الصَّافَّاتُ) بذَلِكَ فَقَالَ: ﴿رَّبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَمَا بَيۡنَهُمَا وَرَبُّ ٱلۡمَشَٰرِقِ ٥﴾. |