موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية: القرآن الكريم: سورة الرحمن: [الآية 33]

سورة الرحمن
يَٰمَعْشَرَ ٱلْجِنِّ وَٱلْإِنسِ إِنِ ٱسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوا۟ مِنْ أَقْطَارِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ فَٱنفُذُوا۟ ۚ لَا تَنفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَٰنٍ ﴿33﴾

تفسير الجلالين:

«يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا» تخرجوا «من أقطار» نواحي «السماوات والأرض فانفذوا» أمر تعجيز «لا تنفذون إلا بسلطان» بقوة ولا قوة لكم على ذلك.

تفسير الشيخ محي الدين:

تَبارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ (78)

[ مناسبة الإكرام للجلال : ]

الجلال نعت إلهي يعطي في القلوب هيبة وتعظيما ، وبه ظهر الاسم الجليل ، وهو يدل على الضدين ، فيعطى حكمه نعوت التنزيه والتشبيه ، ولحضرة الجلال السبحات الوجهية المحرقة ، ولهذا لا يتجلى في جلاله أبدا ، لكن يتجلى في جلال جماله لعباده ، فهو «ذُو الْجَلالِ» أي صاحب الجلال الذي نجده في نفوسنا «وَالْإِكْرامِ» بنا ،

فالكرم يتبع أبدا الجلال من حيث ما يعطيه وضع الجلال ، فإن السامع إذا أخذ الجلال على العظمة أدركه القنوط ، لعدم الوصول إلى من له العظمة ، لما يرى نفسه عليه من الاحتقار والبعد عن التفات ما يعطيه مقام العظمة إليه ، فأزال اللّه عن وهمه ذلك الذي تخيله بقوله :" وَالْإِكْرامِ»

أي وإن كانت له العظمة ، فإنه يكرم خلقه وينظر إليهم بجوده وكرمه ، نزولا منه من هذه العظمة ، فلما سمع القانط ذلك ، عظم في نفسه أكثر مما كان عنده أولا من عظمته ،

وذلك لأن العظمة الأولى التي كان يعظّم بها الحق كانت لعين الحق عن انكسار من العبد وذلة ، فلما وصف الحق نفسه بأنه يكرم عباده بنزوله إليهم ، حصل في نفس المخلوق أن اللّه ما اعتنى به هذه العناية إلا وللمخلوق في نفس هذا العظيم ذي الجلال تعظيم ،

فرأى نفسه معظما ، فلذلك زاد في تعظيم الحق في نفسه إيثارا لجنابه لاعتناء الحق به على عظمته ، فزاد الحق بالكرم تعظيما في نفس هذا العبد أعظم من العظمة الأولى ،

فإن كرامته بنا إعطاؤنا الوجود ، وهو تعالى كريم بما وهب وأعطى وجاد وامتن به من جزيل الهبات والمنح ، والتزام الجلال والإكرام التزام الألف واللام ، فكان الجلال للتنزيه عن التشبيه ، وكان الإكرام للتنويه به في نفي التشبيه بالشبيه.


(56) سورة الواقعة مكيّة

------------

(78) الفتوحات ج 2 / 541 - ج 4 / 252 ، 344

تفسير ابن كثير:

ثم قال : ( يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان ) أي : لا تستطيعون هربا من أمر الله وقدره ، بل هو محيط بكم ، لا تقدرون على التخلص من حكمه ، ولا النفوذ عن حكمه فيكم ، أينما ذهبتم أحيط بكم ، وهذا في مقام المحشر ، الملائكة محدقة بالخلائق ، سبع صفوف من كل جانب ، فلا يقدر أحد على الذهاب ( إلا بسلطان ) أي : إلا بأمر الله ، ( يقول الإنسان يومئذ أين المفر كلا لا وزر إلى ربك يومئذ المستقر ) [ القيامة : 10 - 12 ] . وقال تعالى : ( والذين كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثلها وترهقهم ذلة ما لهم من الله من عاصم كأنما أغشيت وجوههم قطعا من الليل مظلما أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ) [ يونس : 27 ] ; ولهذا قال :


تفسير الطبري :

قوله تعالى: ‏{‏سنفرغ لكم أيها الثقلان‏}‏ يقال‏:‏ فرغت من الشغل أفرغ فروغا وفراغا وتفرغت لكذا واستفرغت مجهودي في كذا أي بذلته‏.‏ والله تعالى ليس له شغل يفرغ منه، إنما المعنى سنقصد لمجازاتكم أو محاسبتكم، وهذا وعيد وتهديد لهم كما يقول القائل لمن يريد تهديده‏:‏ إذا أتفرغ لك أي أقصدك‏.‏ وفرغ بمعنى قصد، وأنشد ابن الأنباري في مثل هذا لجرير‏:‏ ألان وقد فرغت إلى نمير ** فهذا حين كنت لها عذابا يريد وقد قصدت‏،‏ وقال أيضا وأنشده النحاس‏:‏ فرغت إلى العبد المقيد في الحجل ** وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بايع الأنصار ليلة العقبة، صاح الشيطان‏:‏ يا أهل الجباجب‏!‏ هذا مذمَّم يبايع بني قيلة على حربكم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ‏{‏هذا إزب العقبة أما والله يا عدو لأتفرغن لك‏}‏ أي أقصد إلى إبطال أمرك‏.‏ وهذا اختيار القتبي والكسائي وغيرهما‏.‏ وقيل‏:‏ إن الله تعالى وعد على التقوى وأوعد على الفجور، ثم قال: ‏{‏سنفرغ لكم‏}‏ مما وعدناكم ونوصل كلا إلى ما وعدناه، أي أقسم ذلك وأتفرغ منه‏.‏ قال الحسن ومقاتل وابن زيد‏.‏ وقرأ عبد الله وأبي ‏{‏سنفرغ إليكم‏}‏ وقرأ الأعمش وإبراهيم ‏{‏سيفرغ لكم‏}‏ بضم الياء وفتح الراء على ما لم يسم فاعله‏.‏ وقرأ ابن شهاب والأعرج ‏{‏سنفرغ لكم‏}‏ بفتح النون والراء، قال الكسائي‏:‏ هي لغة تميم يقولون فرغ يفرغ، وحكى أيضا فرغ يفرغ ورواهما هبيرة عن حفص عن عاصم‏.‏ وروى الجعفي عن أبي عمرو ‏{‏سيفرغ‏}‏ بفتح الياء والراء، ورويت عن ابن هرمز‏.‏ وروي عن عيسى الثقفي ‏{‏سنفرغ لكم‏}‏ بكسر النون وفتح الراء، وقرأ حمزة والكسائي ‏{‏سيفرغ لكم‏}‏ بالياء‏.‏ الباقون بالنون وهي لغة تهامة‏.‏ والثقلان الجن والإنس، سميا بذلك لعظم شأنهما بالإضافة إلى ما في الأرض من غيرهما بسبب التكليف، وقيل‏:‏ سموا بذلك لأنهم ثقل على الأرض أحياء وأمواتا، قال الله تعالى‏{‏وأخرجت الأرض أثقالها‏} [‏الزلزلة‏:‏ 2‏]‏ ومنه قولهم‏:‏ أعطه ثقله أي وزنه‏.‏ وقال بعض أهل المعاني‏:‏ كل شيء له قدر ووزن ينافس فيه فهو ثقل‏.‏ ومنه قيل لبيض النعام ثقل، لأن واجده وصائده يفرح به إذا ظفر به‏.‏ وقال جعفر الصادق‏:‏ سميا ثقلين، لأنهما مثقلان بالذنوب‏.‏ وقال: ‏{‏سنفرغ لكم‏}‏ فجمع، ثم قال‏{‏أيه الثقلان‏}‏ لأنهما فريقان وكل فريق جمع، وكذا قوله تعالى‏: {‏يا معشر الجن والإنس إن استطعتم‏}‏ ولم يقل إن استطعتما، لأنهما فريقان في حال الجمع، كقوله تعالى‏: {‏فإذا هم فريقان يختصمون‏}‏ [النمل‏:‏ 45‏]‏ و‏}‏هذان خصمان اختصموا في ربهم‏}‏ [الحج‏:‏ 19‏]‏ ولو قال‏:‏ سنفرغ لكما، وقال‏:‏ إن استطعتما لجاز‏.‏ وقرأ أهل الشام ‏{‏أيه الثقلان‏}‏ بضم الهاء‏.‏ الباقون بفتحها وقد تقدم‏.‏ مسألة‏:‏ هذه السورة و {الأحقاف} و‏{‏قل أوحي‏}‏ دليل على أن الجن مخاطبون مكلفون مأمورون منهيون مثابون معاقبون كالإنس سواء، مؤمنهم كمؤمنهم، وكافرهم ككافرهم، لا فرق بيننا وبينهم في شيء من ذلك‏.‏ قوله تعالى: ‏{‏معشر الجن والإنس‏}‏ ذكر ابن المبارك‏:‏ وأخبرنا جويبر عن الضحاك قال إذا كان يوم القيامة أمر الله السماء الدنيا فتشققت بأهلها، فتكون الملائكة على حافاتها حتى يأمرهم الرب، فينزلون إلى الأرض فيحيطون بالأرض ومن فيها، ثم يأمر الله السماء التي تليها كذلك فينزلون فيكونون صفا من خلف ذلك الصف، ثم السماء الثالثة ثم الرابعة ثم الخامسة ثم السادسة ثم السابعة، فينزل الملك الأعلى في بهائه وملكه ومجنبته اليسرى جهنم، فيسمعون زفيرها وشهيقها، فلا يأتون قطرا من أقطارها إلا وجدوا صفوفا من الملائكة، فذلك قوله تعالى‏: {‏يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانقذوا لا تنقذون إلا بسلطان‏}‏ والسلطان العذر‏.‏ وقال الضحاك أيضا‏:‏ بينما الناس في أسواقهم انفتحت السماء، ونزلت الملائكة، فتهرب الجن والإنس، فتحدق بهم الملائكة، فذلك قوله تعالى‏: {‏لا تنقذون إلا بسلطان‏}‏ ذكره النحاس‏.‏ قلت‏.‏ فعلى هذا يكون في الدنيا، وعلى ما ذكر ابن المبارك يكون في الآخرة‏.‏ وعن الضحاك أيضا‏:‏ إن استطعتم أن تهربوا من الموت فاهربوا‏.‏ وقال ابن عباس‏:‏ إن استطعتم أن تعلموا ما في السماوات وما في الأرض فاعلموه، ولن تعلموه إلا بسلطان أي ببينة من الله تعالى‏.‏ وعنه أيضا أن معنى‏: {‏لا تنفذون إلا بسلطان‏}‏ لا تخرجون من سلطاني وقدرتي عليكم‏.‏ قتادة‏:‏ لا تنفذون إلا بملك وليس لكم ملك‏.‏ وقيل‏:‏ لا تنفذون إلا إلى سلطان، الباء بمعنى إلى، كقوله تعالى: ‏{‏وقد أحسن بي‏} [‏يوسف‏:‏ 100‏]‏ أي إلى‏.‏ قال الشاعر‏:‏ أسيئي بنا أو أحسني لا ملولة ** لدينا ولا مقلية إن تقلت وقوله: ‏{‏فانفذوا‏}‏ أمر تعجيز‏.‏ قوله تعالى: ‏{‏يرسل عليكما شواظ من نار ونحاس‏}‏ أي لو خرجتم أرسل عليكم شواظ من نار، وأخذكم العذاب المانع من النفوذ‏.‏ وقيل‏:‏ ليس هذا متعلقا بالنفوذ بل أخبر أنه يعاقب العصاة عذابا بالنار‏.‏ وقيل‏:‏ أي بآلاء ربكما تكذبان يرسل عليكما شواظ من نار ونحاس عقوبة على ذلك التكذيب‏.‏ وقيل‏:‏ يحاط على الخلائق بالملائكة وبلسان من نار ثم ينادون ‏{‏يا معشر الجن والإنس‏}‏، فتلك النار قوله: ‏{‏يرسل عليكما شواظ من نار‏}‏ والشواظ في قول ابن عباس وغيره اللهب الذي لا دخان له‏.‏ والنحاس‏:‏ الدخان الذي لا لهب فيه، ومنه قول أمية بن أبي الصلت يهجو حسان بن ثابت رضي الله عنه، كذا وقع في تفسير الثعلبي والماوردي ابن أبي الصلت، وفي الصحاح و الوقف والابتداء لابن الباري‏:‏ أمية بن خلف قال‏:‏ ألا من مبلغٍ حسان عني ** مغلغلة تدب إلى عكاظ أليس أبوك فينا كان قينا ** لدي القينات فسلا في الحفاظ يمانيا يظل يشد كيرا ** وينفح دائبا لهب الشواظ فأجابه حسان رضي الله عنه فقال‏:‏ هجوتك فاختضعت لها بذل ** بقافية تأجج كالشواظ وقال رؤبة‏:‏ إن لهم من وقعنا أقياظا ** ونار حرب تسعر الشواظا وقال مجاهد‏:‏ الشواظ اللهب الأخضر المنقطع من النار‏.‏ الضحاك‏:‏ هو الدخان الذي يخرج من اللهب ليس بدخان الحطب‏.‏ وقال سعيد بن جبير‏.‏ وقد قيل‏:‏ إن الشواظ النار والدخان جميعا، قاله عمرو وحكاه الأخفش عن بعض العرب‏.‏ وقرأ ابن كثير ‏{‏شواظ‏}‏ بكسر الشين‏.‏ الباقون بالضم وهما لغتان، مثل صوار وصوار لقطيع البقر‏.‏ ‏{‏ونحاس‏}‏ قراءة العامة ‏{‏ونحاس‏}‏ بالرفع عطف على ‏{‏شواظ‏}‏‏.‏ وقرأ ابن كثير وابن محيصن ومجاهد وأبو عمرو ‏{‏ونحاس‏}‏ بالخفض عطفا على النار‏.‏ قال المهدوي‏:‏ من قال إن الشواظ النار والدخان جميعا فالجر في ‏{‏النحاس‏}‏ على هذا بين‏.‏ فأما الجر على قول من جعل الشواظ اللهب الذي لا دخان فيه فبعيد لا يسوغ إلا على تقدير حذف موصوف كأنه قال‏: {‏يرسل عليكما شواظ من نار‏}‏ وشيء من نحاس، فشيء معطوف على شواظ، ومن نحاس جملة هي صفة لشيء، وحذف شيء، وحذفت من لتقدم ذكرها في ‏{‏من نار‏}‏ كما حذفت على من قولهم‏:‏ على من تنزل أنزل أي عليه‏.‏ فيكون ‏{‏نحاس‏}‏ على هذا مجرورا بمن المحذوفة‏.‏ وعن مجاهد وحميد وعكرمة وأبي العالية ‏{‏ونحاس‏}‏ بكسر النون لغتان كالشواظ والشواظ‏.‏ والنحاس بالكسر أيضا الطبيعة والأصل، يقال‏:‏ فلان كريم النحاس والنحاس أيضا بالضم أي كريم النجار‏.‏ وعن مسلم بن جندب ‏{‏ونحس‏}‏ بالرفع‏.‏ وعن حنظلة بن مرة بن النعمان الأنصاري ‏{‏ونحس‏}‏ بالجر عطف على نار‏.‏ ويجوز أن يكون ‏{‏ونحاس‏}‏ بالكسر جمع نحس كصعب وصعاب ‏{‏ونحس‏}‏ بالرفع عطف على ‏{‏شواظ‏}‏ وعن الحسن ‏{‏ونحس‏}‏ بالضم فيهما جمع نحس‏.‏ ويجوز أن يكون أصله ونحوس فقصر بحذف واوه حسب ما تقدم عند قوله‏: {‏وبالنجم هم يهتدون‏}‏ [النحل‏:‏ 16‏]‏‏.‏ وعن عبد الرحمن بن أبي بكرة ‏{‏ونُحُس‏}‏ بفتح النون وضم الحاء وتشديد السين من حس يحس حسا إذا استأصل، ومنه قوله تعالى: ‏{‏إذ تحسونهم بإذنه‏} [‏آل عمران‏:‏ 152‏]‏ والمعنى ونقتل بالعذاب‏.‏ وعلى القراءة الأولى ‏{‏ونحاس‏}‏ فهو الصفر المذاب يصب على رؤوسهم، قاله مجاهد وقتادة، وروي عن ابن عباس‏.‏ وعن ابن عباس أيضا وسعيد بن جبير أن النحاس الدخان الذي لا لهب فيه، وهو معنى قول الخليل، وهو معروف في كلام العرب بهذا المعنى، قال نابغة بني جعدة‏:‏ يضيء كضوء سراج السليط ** لم يجعل الله فيه نحاسا قال الأصمعي‏:‏ سمعت أعرابيا يقول السليط دهن السمسم بالشام ولا دخان فيه‏.‏ وقال مقاتل‏:‏ هي خمسة أنهار من صفر مذاب، تجري من تحت العرش على رؤوس أهل النار، ثلاثة أنهار على مقدار الليل ونهران على مقدار النهار‏.‏ وقال ابن مسعود‏:‏ النحاس المهل‏.‏ وقال الضحاك‏:‏ هو دردي الزيت المغلي‏.‏ وقال الكسائي‏:‏ هو النار التي لها ريح شديدة‏.‏ ‏{‏فلا تنتصران‏}‏ أي لا ينصر بعضكم بعضا يعني الجن والإنس‏.

التفسير الميسّر:

يا معشر الجن والإنس، إن قَدَرْتم على النفاذ من أمر الله وحكمه هاربين من أطراف السموات والأرض فافعلوا، ولستم قادرين على ذلك إلا بقوة وحجة، وأمر من الله تعالى (وأنَّى لكم ذلك وأنتم لا تملكون لأنفسكم نفعًا ولا ضرًا؟). فبأي نِعَم ربكما - أيها الثقلان- تكذِّبان؟

تفسير السعدي

أي: إذا جمعهم الله في موقف القيامة، أخبرهم بعجزهم وضعفهم، وكمال سلطانه، ونفوذ مشيئته وقدرته، فقال معجزا لهم: { يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ } أي: تجدون منفذا مسلكا تخرجون به عن ملك الله وسلطانه، { فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ } أي: لا تخرجون عنه إلا بقوة وتسلط منكم، وكمال قدرة، وأنى لهم ذلك، وهم لا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا، ولا موتا ولا حياة ولا نشورا؟! ففي ذلك الموقف لا يتكلم أحد إلا بإذنه، ولا تسمع إلا همسا، وفي ذلك الموقف يستوي الملوك والمماليك، والرؤساء والمرءوسون، والأغنياء والفقراء.


تفسير البغوي

( يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا ) أي تجوزوا وتخرجوا ، ( من أقطار السماوات والأرض ) أي من جوانبهما وأطرافهما ( فانفذوا ) معناه إن استطعتم أن تهربوا من الموت بالخروج من أقطار السماوات والأرض : فاهربوا واخرجوا منها . [ والمعنى ] حيثما كنتم أدرككم الموت ، كما قال جل ذكره : " أينما تكونوا يدرككم الموت " ، ( النساء - 78 ) وقيل : يقال لهم هذا يوم القيامة إن استطعتم أن تجوزوا أطراف السماوات والأرض فتعجزوا ربكم حتى لا يقدر عليكم فجوزوا ( لا تنفذون إلا بسلطان ) أي : بملك ، وقيل بحجة ، والسلطان : القوة التي يتسلط بها على الأمر ، فالملك والقدرة والحجة كلها سلطان ، يريد حيثما توجهتم كنتم في ملكي وسلطاني . وروي عن ابن عباس قال : معناه : إن استطعتم أن تعلموا ما في السماوات والأرض فاعلموا ولن تعلموه إلا بسلطان أي ببينة من الله - عز وجل - . وقيل قوله : " إلا بسلطان " أي إلا إلى سلطان كقوله : " وقد أحسن بي " ( يوسف - 100 ) أي إلي .


الإعراب:

(يا مَعْشَرَ) منادى مضاف (الْجِنِّ) مضاف إليه (وَالْإِنْسِ) معطوف عليه والجملة استئنافية لا محل لها (إِنِ اسْتَطَعْتُمْ) إن حرف شرط وماض في محل جزم فعل الشرط والتاء فاعله والجملة ابتدائية لا محل لها (أَنْ تَنْفُذُوا) مضارع منصوب بأن وعلامة نصبه حذف النون والواو فاعله والمصدر المؤول من أن وما بعدها في محل نصب مفعول به لاستطعتم (مِنْ أَقْطارِ) متعلقان بالفعل (السَّماواتِ) مضاف إليه (وَالْأَرْضِ) معطوف على السموات (فَانْفُذُوا) الفاء واقعة في جواب الشرط وأمر وفاعله والجملة في محل جزم جواب الشرط (لا) نافية (تَنْفُذُونَ) مضارع مرفوع والواو فاعله والجملة استئنافية لا محل لها (إِلَّا) حرف حصر (بِسُلْطانٍ) متعلقان بالفعل.

---

Traslation and Transliteration:

Ya maAAshara aljinni waalinsi ini istataAAtum an tanfuthoo min aqtari alssamawati waalardi faonfuthoo la tanfuthoona illa bisultanin

بيانات السورة

اسم السورة سورة الرحمن (Ar-Rahman - The Beneficent)
ترتيبها 55
عدد آياتها 78
عدد كلماتها 352
عدد حروفها 1585
معنى اسمها (الرَّحْمَنُ وَالرَّحِيمُ) اسْمَانِ لِلَّهِ تَعَالَى مُشْتَقَّانِ مِنَ الرَّحْمَةِ عَلَى وَجْهِ المُبَالَغَةِ. وَ(الرَّحْمَنُ) لِجَمِيعِ الْخَلْقِ، وَ(الرَّحِيمُ) خَاصٌّ بِالْمُؤْمِنِينَ
سبب تسميتها حَدِيثُ السُّورَةِ عَنْ رَحْمَةِ اللهِ تَعَالَى بِبَيَانِ نِعَمِهِ عَلَى خَلْقِهِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ
أسماؤها الأخرى اشتُهِرَتْ بِسُورَةِ (الرَحْمَنِ)، وتُسَمَّى (عَرَوسَ القُرْآنِ)
مقاصدها إِظْهَارُ نِعَمِ اللهِ تَعَالَى عَلَى عِبَادِهِ، وَدَعْوَتُهُمْ إِلَى الاعْتِرَافِ بِهَا؛ بِتَكْرَارِ قَولِهِ تَعَالَى: ﴿فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾ (31) مَرَّةً فِي السُّورَةِ
أسباب نزولها سُورَةٌ مَكِّيَّةٌ، لَمْ تَصِحَّ رِوَايَةٌ فِي سَبَبِ نُزُولِهَا أَو فِي نُزُولِ بَعْضِ آياتِهَا
فضلها مِن النَّظَائِرِ الَّتِي كَانَ يَقرَأُ بِهَا النَّبِيُّ ﷺ فِي الصَّلَوَاتِ، فَفِي حَدِيثِ ابنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه الطَّوِيْلِ قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَقْرَأُ النَّظائِرَ، السُّورَتَيْنِ فِي رَكْعَةٍ، .... (الرَّحمنَ والنَّجمِ) فِي رَكْعَةٍ». (حَدِيثٌ صَحيحٌ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ)
مناسبتها مُنَاسَبَةُ أَوَّلِ سُورَةِ (الرّحْمَنِ) بِآخِرِهَا: الحَدِيثُ عَن اسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ، فَافتُتِحَتْ باسْمِ اللهِ: ﴿ٱلرَّحۡمَٰنُ ١﴾، وَاختُتِمَتْ بِهِ، فَقَالَ: ﴿تَبَٰرَكَ ٱسۡمُ رَبِّكَ ذِي ٱلۡجَلَٰلِ وَٱلۡإِكۡرَامِ ٧٨﴾. مُنَاسَبَةُ سُورَةِ (الرَّحْمَنِ) لِمَا قَبلَهَا مِنْ سُورَةِ (الْقَمَرِ): لَمَّا أبْرَزَ قَولَهُ سُبْحَانَهُ: ﴿عِندَ مَلِيكٖ مُّقۡتَدِرِۭ ٥٥﴾ بِصُورَةِ التَّنكِيرِ فكَأَنَّ سَائِلًا قَالَ: مَنِ المُتَّصِفُ بِهَاتَيْنِ الصِّفَتَيْنِ الْجَلِيلَتَيْنِ؟ فَقِيلَ: ﴿ٱلرَّحۡمَٰنُ ١﴾ ﷻ.
اختر الًجزء:
1
2
3
4
5
6
7
8
9
10
11
12
13
14
15
16
17
18
19
20
21
22
23
24
25
26
27
28
29
30
اختر السورة:
1 - ﴿الفاتحة﴾
2 - ﴿البقرة﴾
3 - ﴿آل عمران﴾
4 - ﴿النساء﴾
5 - ﴿المائدة﴾
6 - ﴿الأنعام﴾
7 - ﴿الأعراف﴾
8 - ﴿الأنفال﴾
9 - ﴿التوبة﴾
10 - ﴿يونس﴾
11 - ﴿هود﴾
12 - ﴿يوسف﴾
13 - ﴿الرعد﴾
14 - ﴿إبراهيم﴾
15 - ﴿الحجر﴾
16 - ﴿النحل﴾
17 - ﴿الإسراء﴾
18 - ﴿الكهف﴾
19 - ﴿مريم﴾
20 - ﴿طه﴾
21 - ﴿الأنبياء﴾
22 - ﴿الحج﴾
23 - ﴿المؤمنون﴾
24 - ﴿النور﴾
25 - ﴿الفرقان﴾
26 - ﴿الشعراء﴾
27 - ﴿النمل﴾
28 - ﴿القصص﴾
29 - ﴿العنكبوت﴾
30 - ﴿الروم﴾
31 - ﴿لقمان﴾
32 - ﴿السجدة﴾
33 - ﴿الأحزاب﴾
34 - ﴿سبأ﴾
35 - ﴿فاطر﴾
36 - ﴿يس﴾
37 - ﴿الصافات﴾
38 - ﴿ص﴾
39 - ﴿الزمر﴾
40 - ﴿غافر﴾
41 - ﴿فصلت﴾
42 - ﴿الشورى﴾
43 - ﴿الزخرف﴾
44 - ﴿الدخان﴾
45 - ﴿الجاثية﴾
46 - ﴿الأحقاف﴾
47 - ﴿محمد﴾
48 - ﴿الفتح﴾
49 - ﴿الحجرات﴾
50 - ﴿ق﴾
51 - ﴿الذاريات﴾
52 - ﴿الطور﴾
53 - ﴿النجم﴾
54 - ﴿القمر﴾
55 - ﴿الرحمن﴾
56 - ﴿الواقعة﴾
57 - ﴿الحديد﴾
58 - ﴿المجادلة﴾
59 - ﴿الحشر﴾
60 - ﴿الممتحنة﴾
61 - ﴿الصف﴾
62 - ﴿الجمعة﴾
63 - ﴿المنافقون﴾
64 - ﴿التغابن﴾
65 - ﴿الطلاق﴾
66 - ﴿التحريم﴾
67 - ﴿الملك﴾
68 - ﴿القلم﴾
69 - ﴿الحاقة﴾
70 - ﴿المعارج﴾
71 - ﴿نوح﴾
72 - ﴿الجن﴾
73 - ﴿المزمل﴾
74 - ﴿المدثر﴾
75 - ﴿القيامة﴾
76 - ﴿الإنسان﴾
77 - ﴿المرسلات﴾
78 - ﴿النبأ﴾
79 - ﴿النازعات﴾
80 - ﴿عبس﴾
81 - ﴿التكوير﴾
82 - ﴿الانفطار﴾
83 - ﴿المطففين﴾
84 - ﴿الانشقاق﴾
85 - ﴿البروج﴾
86 - ﴿الطارق﴾
87 - ﴿الأعلى﴾
88 - ﴿الغاشية﴾
89 - ﴿الفجر﴾
90 - ﴿البلد﴾
91 - ﴿الشمس﴾
92 - ﴿الليل﴾
93 - ﴿الضحى﴾
94 - ﴿الشرح﴾
95 - ﴿التين﴾
96 - ﴿العلق﴾
97 - ﴿القدر﴾
98 - ﴿البينة﴾
99 - ﴿الزلزلة﴾
100 - ﴿العاديات﴾
101 - ﴿القارعة﴾
102 - ﴿التكاثر﴾
103 - ﴿العصر﴾
104 - ﴿الهمزة﴾
105 - ﴿الفيل﴾
106 - ﴿قريش﴾
107 - ﴿الماعون﴾
108 - ﴿الكوثر﴾
109 - ﴿الكافرون﴾
110 - ﴿النصر﴾
111 - ﴿المسد﴾
112 - ﴿الإخلاص﴾
113 - ﴿الفلق﴾
114 - ﴿الناس﴾
اختر الًصفحة:
1
2
3
4
5
6
7
8
9
10
11
12
13
14
15
16
17
18
19
20
21
22
23
24
25
26
27
28
29
30
31
32
33
34
35
36
37
38
39
40
41
42
43
44
45
46
47
48
49
50
51
52
53
54
55
56
57
58
59
60
61
62
63
64
65
66
67
68
69
70
71
72
73
74
75
76
77
78
79
80
81
82
83
84
85
86
87
88
89
90
91
92
93
94
95
96
97
98
99
100
101
102
103
104
105
106
107
108
109
110
111
112
113
114
115
116
117
118
119
120
121
122
123
124
125
126
127
128
129
130
131
132
133
134
135
136
137
138
139
140
141
142
143
144
145
146
147
148
149
150
151
152
153
154
155
156
157
158
159
160
161
162
163
164
165
166
167
168
169
170
171
172
173
174
175
176
177
178
179
180
181
182
183
184
185
186
187
188
189
190
191
192
193
194
195
196
197
198
199
200
201
202
203
204
205
206
207
208
209
210
211
212
213
214
215
216
217
218
219
220
221
222
223
224
225
226
227
228
229
230
231
232
233
234
235
236
237
238
239
240
241
242
243
244
245
246
247
248
249
250
251
252
253
254
255
256
257
258
259
260
261
262
263
264
265
266
267
268
269
270
271
272
273
274
275
276
277
278
279
280
281
282
283
284
285
286
287
288
289
290
291
292
293
294
295
296
297
298
299
300
301
302
303
304
305
306
307
308
309
310
311
312
313
314
315
316
317
318
319
320
321
322
323
324
325
326
327
328
329
330
331
332
333
334
335
336
337
338
339
340
341
342
343
344
345
346
347
348
349
350
351
352
353
354
355
356
357
358
359
360
361
362
363
364
365
366
367
368
369
370
371
372
373
374
375
376
377
378
379
380
381
382
383
384
385
386
387
388
389
390
391
392
393
394
395
396
397
398
399
400
401
402
403
404
405
406
407
408
409
410
411
412
413
414
415
416
417
418
419
420
421
422
423
424
425
426
427
428
429
430
431
432
433
434
435
436
437
438
439
440
441
442
443
444
445
446
447
448
449
450
451
452
453
454
455
456
457
458
459
460
461
462
463
464
465
466
467
468
469
470
471
472
473
474
475
476
477
478
479
480
481
482
483
484
485
486
487
488
489
490
491
492
493
494
495
496
497
498
499
500
501
502
503
504
505
506
507
508
509
510
511
512
513
514
515
516
517
518
519
520
521
522
523
524
525
526
527
528
529
530
531
532
533
534
535
536
537
538
539
540
541
542
543
544
545
546
547
548
549
550
551
552
553
554
555
556
557
558
559
560
561
562
563
564
565
566
567
568
569
570
571
572
573
574
575
576
577
578
579
580
581
582
583
584
585
586
587
588
589
590
591
592
593
594
595
596
597
598
599
600
601
602
603
604


يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!