المنقذ من الضلال والموصل إلى ذي العزة والجلال
تأليف الشيخ الإمام حجة الإسلام أبي حامد الغزالي
![]() |
![]() |
ففارقت بغداد ،
وفرقت ما كان معي من المال ، ولم أدخر إلا قدر الكفاف ، وقوت الأطفال ، ترخصاً بأن مال العراق مرصد للمصالح ، ولكونه وقفاً على المسلمين. فلم أر في العالم مالاً يأخذه العالم لعياله أصلح منه.
ثم دخلت الشام ، وأقمت به قريباً من سنتين لا شغل لي إلا العزلة والخلوة ؛ والرياضة والمجاهدة ، اشتغالاً بتزكية النفس ، وتـهذيب الأخلاق ، وتصفية القلب لذكر الله ( تعالى ) ، كما كنت حصلته من كتب الصوفية. فكنت أعتكف مدة في مسجد دمشق ، أصعد منارة المسجد طول النهار ، وأغلق بابـها على نفسي.
ثم رحلت منها إلى بيت المقدس ، أدخل كل يوم الصخرة ، وأغلق بابـها على نفسي.
ثم تحركت فيَّ داعية فريضة الحج ، والاستمداد من بركات مكة والمدينة. وزيارة رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الفراغ من زيارة الخليل صلوات الله وسلامه عليه ؛ فسرت إلى الحجاز.
ثم جذبتني الهمم ، ودعوات الأطفال إلى الوطن ، فعاودته بعد أن كنت أبعد الخلق عن الرجوع إليه. فآثرت العزلة [ به ] أيضاً حرصاً على الخلوة ، وتصفية القلب للذكر.
وكانت حوادث الزمان ، ومهمات العيال ، وضرورات المعاش ، تغير فيَّ وجه المراد ، وتشوش صفوة الخلوة. وكان لا يصفو [ لي ] الحال إلا في أقوات متفرقة. لكني مع ذلك لا أقطع طمعي منها ، فتدفعني عنها العوائق ، وأعود إليها.
![]() |
![]() |






