ومنهم سيدي الشيخ محمد الغمري رضي الله عنه
أحد أعيان أصحاب سيدي أحمد الزاهد رضي الله عنه، كان من العلماء العاملين، والفقراء الزاهدين المحققين، سار في الطريق سيرة صالحة وكانت جماعته في المحلة الكبرى، وغيرها يضرب بهم المثل في الأدب، والاجتهاد، ولما أذن له سيدي أحمد الزاهد أن يذهب إلى المحلة، وقال له: إن مقامك بها عارضه الشيخ أبو بكر الطريني، فرده إلى محلة أبي الهيثم مدة ثم رجع إلى مصر فقال: سيدي أحمد لسيدي مدين اذهب، وطن أخاك في المحلة فسافر معه سيدي مدين، ولم يجيء إلى أن طاب الوقت بينه، وبين الطرينية، وعملوا له مولداً، وصرفوا عليه من مالهم، وكان رضي الله عنه يقول: خدمت عند سيدي أحمد رضي الله عنه مدة في البوابة ومدة في الوقادة، ومدة في النقابة، وكان قد قسم الفقراء إلى ثلاثة أقسام كهول، وشباب، وأطفال، وجعل لكل قسم مكاناً يخصه، ولا يختلط بالآخر، وكانوا لا يجتمعون إلا يوماً واحداً في الجمعة فيتناقشون فيما وقع بينهم في بقية الجمعة لأنه كان أخذ عليهم العهد أن لا أحد يجيب عن نفسه قط بل يعفو عن الظالم أو يشكوه للشيخ يفعل فيه ما شاء من حيث أنهم كانوا يرون نفوسهم ملكاً للشيخ يفعل فيهم ما شاء، وهم أوصياء على أجسامهم فينتصرون لها من حيث إنها مضافة إلى الحق، وما كان أحد منهم يتكدر قط مما يفعله الشيخ معه من هجر أو إخراج أو ضرب أو جوع أو نحو ذلك بل كانوا يرون الفضل للشيخ، ولمن غمز عليهم في ذلك لمكان صدقهم في طلب الأدب، وكان رضي الله عنه يقول: كان سيدي أحمد رضي الله عنه لا يأذن قط لفقير أن يجلس على سجادة إلا إن ظهرت له كرامة، وكانت كرامتي أنني نمت عن الوقود، فأشرت إلى القناديل فاتقدت كلها، وأخبرني الأخ الصالح الشيخ شمس الدين الطنيخي أن الفقراء أرسلوه يوماً إلى البستان فأتى بشيء من الرطب للفقراء، فغلبته النفس فأكل ثلاث رطبات، فأول ما رآه النقيب قال: هذا أكل من الرطب من وراء الفقراء، فأخبرتهم أني أكلت ثلاث رطبات، فأمر الشيخ بهجري عن كل رطبة يوماً، وأخبرني رحمه الله أن الفقير كان يأتيه أبوه أو أخوه من البلاد، فيقع بصره عليه فلا يقدر يسلم عليه حتى يشاور النقيب، ودخل عليه سيدي محمد بن شعيب الخيسي يوماً الخلوة، فرآه جالساً في الهواء وله سبع عيون، فقال له: الكامل من الرجال يسمى أبا العيون، ووقع الغلاء في سنة، فأخرج الشيخ جميع ما في المخزن من القمح فباعه للناس، وصار يشتري مثل الناس، وقال: إن الله يكره الرجل المتميز عن أخيه. ولما أراد عمارة جامعه بمصر بسويقة أمير الجيوش أرسل يستأذن النبي صلى الله عليه وسلم في عمارته على يد شخص يرعى المعزى في مصر كان مشهوراً بالولاية بباب النصر، فقال له: أرد لك الجواب غداً، فلما كان الغد قال له: عمر أذن لك النبي صلى الله عليه وسلم، وكان رضي الله عنه يحب المشي إلى الشفاعات مع قدرته على قضاء الحاجة بقلبه، ويقول: إن الحديث ورد فيمن مشى في قضاء الحاجة لا فيمن يقضيها بقلبه، ولما أرسل السلطان جقمق تجريدة خلف بن عمر أمير الصعيد جاءوا به في الحديد فعثر حمار بياع، فجل من فقراء سيدي محمد في الصعيد، فقال: يا سيدي محمد يا غمري فسمعه ابن عمر فقال من هذا فقال: شيخي فقال، وأنا الآخر أقول: سيدي محمد يا غمري لاحظني فسمعه سيدي محمد، وهو في المحلة قال: الحاكي لي الشيخ شهاب الدين بن النخال فطلب رضي الله عنه ثلاث حمير وقال: اركبوا فركبنا مع الشيخ، وسافرنا إلى القاهرة، فجلس الشيخ تحت قبة السلطان حسن لحظة وإذا بابن عمر طالعون به الحديد إلى القلعة فقال لابن النخال اطلع خلف هذا الرجل فإذا رأيت السلطان أغلظ عليه، وأمر بإتلافه فضع إصبعك السبابة على الإبهام، وتحامل عليه فإن كل من في الموكب تضيق نفسه، ويخنق حتى السلطان فلما طلع ورآه أغلظ عليه السلطان فصنع ما أمره الشيخ فصاح السلطان أطلقوه واخلعوا عليه فتلطخ جماعة بالزعفران فنزل ابن النخال فأخبر الشيخ فقال اركبوا قضيت الحاجة، ولم يكن أحد يعلم ابن عمر بالواقعة، ولا بمجيء الشيخ ورجع إلى المحلة، وقال: المعاملة مع الله تعالى، وما مع أحد منكم دستور يتكلم بذلك حتى أموت قال لي: ابن النخال فما أخبرت بها أحداً قبلك. مات رضي الله عنه سنة نيف وخمس وثمانمائة، ودفن بجامع المحلة رضي الله عنه.