موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

كتاب عوارف المعارف

للشيخ الإمام شهاب الدين عمر السهروردي

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


الباب الثامن في ذكر الملامتي وشرح حاله

الباب الثامن في ذكر الملامتي وشرح حاله

قال بعضهم: الملامتي هو الذي لا يظهر خيرا ولا يضمر شرا. وشرح هذا هو أن الملامتي تشربت عروقه طعم الإخلاص، وتحقق بالصدق، فلا يحب أن يطلع أحد على حاله وأعماله.

أخبرنا الشيخ أبو زرعة طاهر بن أبي الفضل المقدسي إجازة قال: أنا أبو بكر أحمد بن على بن خلف الشيرازي إجازة قال: أنا الشيخ أبو عبد الرحمن السلمي قال: سمعت على بن سعيد وسألته عن الإخلاص ما هو؟ قال: سمعت محمد بن جعفر الخصاف وسألته عن الإخلاص ما هو؟ قال: سألت أحمد بن بشار عن الإخلاص ما هو؟ قال سألت أبا يعقوب الشروطي عن الإخلاص ما هو؟

قال: سألت أحمد بن غسان عن الإخلاص ما هو؟ قال: سألت أحمد بن على الجهمي عن الإخلاص ما هو؟ قال: سألت عبد الواحد بن زيد عن الإخلاص ما هو؟ قال: سألت الحسن عن الإخلاص ما هو؟ قال: سألت حذيفة عن الإخلاص ما هو؟

قال: سألت الحسن عن الإخلاص ما هو؟ قال: سألت حذيفة عن الإخلاص ما هو؟ قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الإخلاص ما هو؟ قال: «سألت جبرائيل عن الإخلاص ما هو؟ قال: سألت رب العزة عن الإخلاص ما هو؟ قال: «هو سر من سري استودعته قلب من أحببت من عبادي»

فالملامتية لهم مزيد اختصاص بالتمسك بالإخلاص، يرون كتم الأحوال والأعمال، ويتلذذون بكتمها، حتى لو ظهرت أعمالهم وأحوالهم لأحد أستوحشوا من ذلك كما يستوحش العاصي من ظهر معصيته.

فالملامتي عظم وقع الإخلاص وموضعه، وتمسك به معتدا به.

والصوفي غاب في إخلاصه عن إخلاصه.

قال أبوا يعقوب السوسي: متى شهدوا في إخلاصهم الإخلاص، احتاج إخلاصهم إلى إخلاص.

وقال ذو النون: ثلاث من علامات الإخلاص: استواء الذم والمدح من العامة، ونسيان رؤية الأعمال في الأعمال، وترك اقتضاء ثواب العمل في الآخرة.

أخبرنا أبو زرعة إجازة قال: أنا أبو بكر أحمد بن على بن خلف إجازة قال: أنا أبو عبد الرحمن قال: سمعت أبا عثمان المغربي يقول: الإخلاص ما لا يكون للنفس فيه حظ بحال، وهذا إخلاص العوام، وإخلاص الخواص ما يجري عليه لا بهم، فتبدو منهم الطاعات وهم عنها بمعزل، ولا يقع لهم عليه رؤية ولا بهم اعتداد، فذلك إخلاص الخواص.

وهذا الذي فصله الشيخ أبو عثمان المغربي يفرق بين الصوفي والملامتي، لأن الملامتي أخرج الخلق عن عمله وحاله، ولكن أثبت نفسه، فهو مخلص، والصوفي أخرج نفسه عن عمله وحاله كما أخرج غيره، فهو مخلص وشتان ما بين المخلص الخالص والمخلص.

قال أبوا بكر الزقاق: نقصان كل مخلص في إخلاصه رؤية إخلاصه، فإذا أراد الله أن يخلص إخلاصه أسقط عن إخلاصه رؤيته لإخلاصه، فيكون مخلصا لا مخلصا.

قال أبو سعيد الخراز: رياء العرافين أفضل من إخلاص المريدين.

و معني قوله إن إخلاص المريدين معلول برؤية الإخلاص، والعارف منزه عن الرياء الذي يبطل العمل، ولكن لعله يظهر شيئا من حاله وعمله بعلم كامل عنده فيه لجذب مريد، أو معاناة خلق من أخلاق النفس في

إظهاره الحال والعمل، وللعارفين في ذلك علم دقيق لا يعرفه غيرهم، فيري ذلك ناقص العلم صورة رياء وليس برياء، إنما هو صريح العلم لله بالله من غير حضور نفس ووجود آفة فيه.

قال رويم: الإخلاص أن لا يرضي صاحبه عليه عوضا في الدارين، ولا حظا من الملكين.

وقال بعضهم: صدق الإخلاص نسيان رؤية الخلق بدوام النظر إلى الخالق والملامتي يري الخلق فيخفي علمه وحاله.

وكل ما ذكرناه من قبل وصف إخلاص الصوفي.

ولهذا قال الزقاق: لابد لكل مخلص من رؤية إخلاصه، وهو نقصان عن كمال الإخلاص، والإخلاص هو الذي يتولي الله حفظ صاحبه حتى يأبي به على التمام.

قال جعفر الخالدي: سألت أبا القاسم الجنيد رحمه الله قلت: أبين الإخلاص والصدق فرق؟ قال: نعم، الصدق أصل وهو الأول، والإخلاص فرع وهو تابع، وقال: بينهما فرق، لأن الإخلاص لا يكون إلا بعد الدخول في العمل، ثم قال: إنما هو إخلاص، ومخالصة الإخلاص، وخالصة كائنة في الخالصة.

فلعل هذا الإخلاص حال الملامتي، ومخالصة الإخلاص حال الصوفي، والخالصة الكائنة في الخالصة ثمرة مخالصة الإخلاص وهو فناء العبد عن رسومه برؤية قيامه بقيومه، بل غيبته عن رؤية قيامه، وهو الاستغراق في العين عن الآثار، والتخلص عن لوث الاستتار وهو فقد حال الصوفي.

والملامتي مقيم في أوطان إخلاصه، غير متطلع إلى حقيقة إخلاصه.

وهذا فرق واضح بين الملامتي والصوفي.

ولم يزل في خراسان منهم طائفة، ولهم مشايخ يمهدون أساسهم، ويعرفونهم شروط حالهم. وقد رأينا في العراق من يسلك هذا المسلك، ولكن لم يشتهر بهذا الاسم، وقلما يتداول ألسنة أهل العراق هذا الاسم.

فقال: لأني إن حضرت يظهر على وجد، ولا أوثر أن يعلم أحد حالي.

وقيل: أن أحمد بن أبي الحواري قال لأبي سليمان الداراني: إني إذا كنت في الخلوة أجد لمعاملتي لذة لا أجدها بين الناس، فقال له: إنك إذا لضعيف.

فالملامتي وإن كان متمسكا بعروة الإخلاص، مستفرشا بساط الصدق، ولكن بقي عليه بقية رؤية الخلق، وما أحسنها من بقية تحقق الإخلاص والصدق.

والصوفي صفا من هذه البقية في طرفي العمل والترك للخلق، وعزلهم بالكلية، ورآهم بعين الفناء والزوال، ولاح له ناصية التوحيد، وعين سر قوله: {ولا تَدْعُ مَعَ الله إِلهًا آخَرَ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلاّ وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٨٨)} (١).

كما قال بعضهم في بعض غلباته: ليس في الدارين غير الله.

وقد يكون إخفاء الملامتي الحال على وجهين:

أحد الوجهين لتحقيق الإخلاص والصدق.

والوجه الآخر وهو الأتم لستر الحال عن غيره، بنوع غيره، فإن من خلا بمحبوبه يكره اطلاع الغير عليه، بل يبلغ في صدق المحبة أن يكره اطلاع أحد على حبه لمحبوبه.

__________

١) سورة القصص آية:٨٨.

وهذا وإن علا ففي طريق الصوفي علة ونقص. فعلى هذا يتقدم الملامتي على المتصوف ويتأخر عن الصوفي.

وقيل: أن من أصول الملامتية أن الذكر على أربعة أقسام:

ذكر باللسان.

وذكر بالقلب.

وذكر بالسر.

وذكر بالروح.

فإذا صح ذكر الروح سكت السر والقلب واللسان عن الذكر، وذلك ذكر المشاهدة.

وإذا صح ذكر السر سكت القلب واللسان عن الذكر، وذلك ذكر الهيبة.

وإذا صح ذكر القلب فتر اللسان عن الذكر، وذلك الآلاء والنعماء.

وإذا غفل القلب عن الذكر، أقبل اللسان على الذكر، وذلك ذكر العادة.

ولكل واحد من هذه الأذكار عندهم آفة.

فآفة ذكر الروح اطلاع السر عليه.

وآفة ذكر السر اطلاع القلب عليه.

وآفة ذكر القلب اطلاع النفس عليه.

وآفة ذكر النفس رؤية ذلك وتعظيمه، أو طلب ثوابه، أو ظن أنه يصل إلى شيء من المقامات.

وأقل الناس قيمة عنهم مون يريد إظهاره وإقبال الخلق عليه بذلك.

وسر هذا الأصل الذي بنوا عليه أن ذكر الروح ذكر الذات.

وذكر السر ذكر الصفات بزعمهم، وذكر القلب من الآلاء والنعماء.

ذكر أثر الصفات، وذكر النفس متعرض للعلات.

فمعني قولهم: اطلاع السر على الروح، يشيرون إلى التحقق بالفناء عند ذكر الذات.

وذكر الهيبة في ذلك الوقت ذكر الصفات مشعر بنصيب الهيبة وهو وجود الهيبة، ووجود الهيبة يستدعي وجودا وبقية، وذلك يناقض حال الفناء.

وهكذا ذكر السر وجود هيبة وهو ذكر الصفات مشعر بنصيب القرب.

وذكر القلب الذي هو ذكر الآلاء والنعماء مشعر ببعد ما لأنه المعطي ضرب من بعد المنزلة واطلاع النفس نظرا إلى الأعواض اعتداد بوجود العمل، وذك عين الاعتدال حقيقة.

وهذه أقسام هذه الطائفة، وبعضها أعلى من بعض. والله أعلم.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!