موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

كتاب عوارف المعارف

للشيخ الإمام شهاب الدين عمر السهروردي

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


الباب السابع في ذكر المتصوف والمتشبه به

الباب السابع في ذكر المتصوف والمتشبه به

أخبرنا شيخنا شيخ الإسلام أبو النجيب السروردي إجازة قال: أنا الشيخ أبو منصور بن خيرون قال: أنا أبو محمد الحسن بن على الجوهري إجازة قال: أنا محمد بن العباس بن زكريا قال: أنا أبو محمد يحي بن محمد بن صاعد الأصفهاني قال: أنا المعتمر بن سليمان قال: أنا حميد الطويل عن أنس بن مالك قال: جاء رجل إلى النبي عليه الصلاة والسلام فقال: يا رسول الله متى قيام الساعة؟ فقال امن؟ فقال لرجل: أنا يا رسول الله، قال: «ما أعددت له؟» قال ما أعددت له كثير صلاة ولا صيام، أو قال: ما أعددت له كبير عمل، إلا أني أحب الله ورسوله، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: «المرء مع من أحب، أو أنت مع من أحببت» قال أنس: فما رأيت المسلمين فرحوا بشيء بعد الإسلام فرحهم بهذا.

فالمتشبه بالصوفية ما اختار التشبه بهم دون غيرهم من الطوائف إلا لمحبته إياهم، وهو مع تقصيره عن القيام بما هم فيه يكون معهم لموضع إرادته ومحبته.

وقد ورد بلفظ آخر أوضح من الخبر الذي رويناه في المعني.

روي عبادة بن الصامت عن أبي ذر الغفاري قال: قلت يا رسول الله:

الرجل يحب القوم ولا يستطيع أن يعمل كعملهم، قال «أنت يا أبا ذر مع من أحببت. قال: قلت فإني أحب الله ورسوله. قال: فإنك مع من أحببت».

قال: فأعادها أبو ذر، فأعادها رسول صلى الله عليه وسلّم.

فمحبة المتشبه إياهم لا تكون إلا لتنبه روحه لما تنبهت له أرواح الصوفية، لأن محبة أمر الله وما يقرب إليه ومن يقرب منه تكون بجاذب الروح، غير أن المتشبه تعوق بظلمة النفس، والصوفي تخلص من ذلك.

والمتصوف متطلع إلى حال الصوفي، وهو مشارك ببقاء شيء من صفات نفسه

عليه للمتشبه، وطريق الصوفية أوله إيمان، ثم علم، ثم ذوق. فالتشبه صاحب إيمان، والإيمان بطريق الصوفية أصل كبير.

قال الجنيد رحمة الله عليه: الإيمان بطريقنا هذا ولاية.

ووجه ذلك أن الصوفية تميزوا بأحوال عزيزة، وآثار مستغربة عند أكثر الخلق، لأنهم مكاشفون بالقدر وغرائب العلوم، وإشاراتهم إلى عظيم أمر الله والقرب منه، والإيمان بذلك إيمان بالقدرة.

وقد أنكر قوم من أهل الملة كرامات الأولياء، والإيمان بذلك إيمان بالقدرة، ولهم علوم من هذا القبيل فلا يؤمن بطريقهم إلا من خصه الله تعالى بمزيد عنايته.

فالمتشبه صاحب إيمان، والمتصوف صاحب علم، لأنه بعد الإيمان اكتسب مزيد علم بطريقهم، وصار له من ذلك مواجيد يستدل له على سائرها.

والصوفي صاحب ذوق، فالمتصوف وهكذا سنة الله تعالى جارية أن كل صاحب حال له ذوق فيه لابد أن يكشف له علم بحال أعلى مم هو فيه، فيكون في الحال الأول صاحب ذوق، وفي الحال الذي كوشف به صاحب علم، وبحال فوق ذلك صاحب إيمان، حتى لا يزال طريق الطلب مسلوكا، فيكون في حال الذوق صاحب قدم، وفي حال العلم صاحب نظر، وفي حال فوق ذلك صاحب إيمان، قال الله تعالى:

{إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ (١٣)} (١).

{وَمِزاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ (٢٧) عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ (٢٨)} (٢).

فكان لشراب الأبرار مزج من شراب المقربين وللمقربين ذلك صرفا.

__________

١) سورة الانفطار آية:١٣.

٢) سورة المطففين آية:٢٧،٢٨.

فلصوفي شراب صرف، وللمتصوف من مزج في شرابه، وللمتشبه مزج من شراب المتصوف فالصوفي سبق إلى مقار الروح من بساط القرب، والمتصوف بالنسبة إلى الزاهد، لأنه تفعل وتعمل وتسبب، إشارة إلى ما بقي عليه من وصفه، فهو مجتهد في طريقه سائر على ربه.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم «سيروا سبق المفردون، والمتصوف في مقام السائرين، واصل في سيره إلى مقار القلب من ذكر الله عز وجل ومراقبته بقلبه، وتلذذه بنظره إلى نظر الله إليه.

فالصوفي في مقار الروح صاحب مشاهدة والمناصب في مقار صاحب مراقبة. والمتشبه في مقاومة النفس، وصاحب مجاهدة، وصاحب محاسبة فتلوين الصوفي بوجود قلبه. وتلوين المتصوف بوجود نفسه، والمتشبه لا تلوين له، لأن التلوين لأرباب الأحوال، والمتشبه مجتهد سالك لم يصل بعد إلى الأحوال، والكل تجمعهم دائرة الاصطفاء. قال الله تعالى: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اِصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ ومِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ ومِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ (٣٢)} (١).

قال بعضهم: الظالم الزاهد، والمقتصد العارف، والسابق المحب.

وقال بعضهم: الظالم الذي يجزع من البلاء، والمتقصد الذي يصبر عند البلاء، والسابق الذي يتلذذ بالبلاء.

وقال بعضهم: الظالم يعبد على الغفلة والعادة، والمقتصد يعبد على الرغبة والرهبة، والسابق يعبد على الهيبة والمنة.

وقال بعضهم: الظالم بذكر الله بلسانه، والمقتصد بقلبه، والسابق لا ينسي ربه.

وقال أحمد بن عاصم الأنطاكي رحمه الله: الظالم صاحب الأقوال، والمقتصد صاحب الأفعال، والسابق صاحب الأحوال.

__________

١) سورة فاطر آية:٣٢.

وكل هذه الأقوال قريبه التناسب من حال الصوفي والمتصوف والمتشبه، وكلهم من أهل الفلاح والنجاح، تجمعهم دائرة الاصطفاء، وتؤلف بينهم نسبه التخصيص بالمنح والعطاء.

أخبرنا الشيخ العالم رضي الدين أبو الخير أحمد بن إسماعيل القزويني إجازة قال أنا أبو سعد محمد بن أبي العباس: قال أنا القاضي محمد بن سعيد قال: أنا أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم قال: أخبرني الحسين بن محمد بن فنجويه

قال: حدثنا أحمد بن محمد بن رزمة قال: حدثنا يوسف بن عاصم الرازي قال: حدثنا أبو أيوب سليمان بن داود قال: حدثنا حصين بن نمير، عن أبي ليلي، عن أخيه، عن أسامة بن زيد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في قوله تعالى: فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ ومِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ ومِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ (٣٢)} (١).

«كلهم في الجنة»

قال ابن عطاء: الظالم الذي يحب الله من أجل الدنيا، والمقتصد الذي يحب الله من أجل العقبي، والسابق هو الذي أسقط مراده بمراد الله فيه.

وهذا هو حال الصوفي. فالمتشبه تعرض لشيء من أمر القوم، ويوجب له ذلك القرب منهم. مقدمة كل خير.

سمعت شيخنا يقول: جاء بعض أبناء الدنيا إلى الشيخ أحمد الغزالي ونحن بإصبهان يريد منه الخرقة، فقال له الشيخ: اذهب إلى فلان - يشير إلى - حتى يكلمك في معني الخرقة، ثم احضر حتى ألبسك الخرقة. قال فجاء إلى فذكرت له حقوق الخرقة، وما يجب من رعاية حقها، وآداب من يلبسها، ومن يؤهل للبسها، فاستعظم الرجل حقوق الخرقة وجبن أن يلبسها.

فأخبر الشيخ بما تجدد عند الطالب من قولي له، فاستحضرني وعاتبني على قولي له ذلك، وقال: بعثته إليك حتى تكلمه بما يزيد رغبته في الخرقة، فكلمته بما فترت عزيمته. ثم الذي ذكرته كله صحيح وهو

__________

١) سورة فاطر آية:٣٢.

الذي يجب من حقوق الخرقة، ولكن إذا ألزمنا المبتدي بذلك نفر وعجز عن القيام به، فنحن نلبسه الخرقة حتى يتشبه بالقوم ويتزيي بزيهم، فيقربه ذلك من مجالسهم ومحافلهم، وببركة مخالطته معهم، ونظره إلى أحوال القوم وسيرهم، يحب أن يسلك مسلكهم ويصل بذلك إلى شيء من أحوالهم.

ويوافق هذا القول من الشيخ أحمد الغزالي ما أخبرنا رحمه الله قال: أنا عصام الدين عمر بن احمد الصفار قال: أنا أبو بكر أحمد بن على بن خلف قال: أنا الشيخ عبد الرحمن السلمي قال: سمعت الحسين بن يحي يقول:

سمعت جعفر يقول: سمعت أبا القاسم الجنيد يقول إذا لقيت الفقير فلا تبدأه بالعلم وابدأه بالرفق، فإن العلم يوحشه والرفق يؤنسه.

وبرفق الصوفية بالمتشبهين بهم ينتفع المبتدي الطالب، وكل من كان منهم أكمل حالا وأوفر علما كان أكثر رفقا بالمبتدي الطالب.

حكى عن بعضهم أنه صحبه طالب فكان يأخذ نفسه بكثرة المعاملات والمجاهدات، ولم يقصد بذلك إلا نظر المبتدي إليه، والتأدب بأدبه، والاقتداء به في عمله.

وهذا هو الرفق الذي ما دخل في شيء إلا زانه.

فالمتشبه الحقيقي له إيمان بطريق القوم، وعمل بمقتضاه، وسلوك واجتهاد على ما ذكرناه أنه صاحب مشاهدة. فأما من لم يتطلع إلى حال المتصوف والصوفي بالتشبه ولا يقصد أوائل مقاصدهم، بل هو مجرد تشبه ظاهر من ظاهر اللبسة والمشاركة في الزي والصورة، دون السيرة والصفة، فليس بمتشبه، يعتزي إلى القوم بمجرد لبسه، ومع ذلك هم القوم لا يشقي بهم جليسهم، وقد ورد «من تشبه بقوم فهو منهم».

أخبرنا الشيخ أبوا الفتح محمد بن سليمان قال: أنا أبو الفضل حميد قال: أنا الحافظ أبو نعيم الأصفهاني قال: أنا عبد الله بن محمد بن جعفر قال: حدثنا عمر بن أحمد بن أبي عاصم قال حدثنا إبراهيم بن محمد الشافعي قال: حدثنا على بن أحمد قال: حدثنا على بن على المقدسي قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن عامر قال: حدثنا إبراهيم بن الأشعث قال:

حدثنا فضيل بن عياض، عن سليمان الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن لله ملائكة فضلا عن كتاب الناس يطوفون في الطرق ويتتبعون مجالس الذكر، فإذا رأوا قوما يذكرون الله تنادوا هلموا إلى حاجتكم، فيحفونهم بأجنحتهم إلى عنان السماء، فيقول الله - وهو أعلم - ما يقول عبادي؟ قالوا: يحمدونك ويسبحونك ويمجدونك، فيقول: وهل رأوني؟ فيقولون: لا، فيقول كيف لو رأوني؟ قالوا: لو رأوك كانوا أشد تسبيحا وتحميدا وتمجيدا، فيقول: ما يسألونني؟ قالوا: يسألونك الجنة، فيقول: وهل رأوها؟ قالوا: لا، فيقول كيف لو رأوها؟ قلوا لو رأوها كانوا أشد لها طلبا وعليها أكثر حرصا قالوا: ويعوذون من النار، فيقول: وهل رأوها؟ قالوا: لا، فيقول: كيف لو رأوها؟ قالوا: لو رأوها كانوا أشد منهم تعوذا، وأشد فرارا، فيقول: أشهدكم أني قد غفرت لهم.

فيقول الملك: فمنهم فلان ليس منهم إنما جاء لحاجة، فيقول تبارك وتعالى:

«هم الجلساء لا يشقي جليسهم».

فلا يشقي جليس الصوفية والمتشبه بهم والمحب لهم.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!