موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

كتاب عوارف المعارف

للشيخ الإمام شهاب الدين عمر السهروردي

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


الباب التاسع في ذكر من أنتمي إلى الصوفية وليس منهم

الباب التاسع في ذكر من أنتمي إلى الصوفية وليس منهم

فمن أولئك قوم يسمون نفوسهم قلندرية تارة، وملامتية أخري، وقد ذكرنا حال الملامتي، وأنه حال شريف، ومقام عزيز، وتمسك بالسنن والآثار وتحقق بالإخلاص والصدق، وليس مما يزعم المفتونون بشيء.

فأما القلندرية فهو إشارة إلى أقوام ملكهم سكر طيبة قلوبهم حتى خربوا العادات، وطرحوا بآداب المجالسات والمخالطات، وساحوا في ميادين طيبة قلوبهم، فقلت أعمالهم من الصوم والصلاة إلا الفرائض، ولم يبالوا بتناول شيء من لذات الدنيا من كل ما كان مباحا برخصة الشرع، وربما اقتصروا على رعاية الرخصة، ولم يطلبوا حقائق العزيمة.

ومع ذلك هم متمسكون بترك الادخار، وترك الجمع والاستكثار، ولا يترسمون بمراسم المتقشفين والمتزهدين والمتعبدين، وقنعوا بطيبة قلوبهم مع الله تعالى، واقتصروا على ذلك، وليس عندهم تطلع إلى طلب مزيد سوي ما هم عليه من طيبة القلوب.

والفرق بين الملامتي والقلندري، الملامتي يعمل في كتم العبادات، والقلندري يعمل في تخريب العادات، والملامتي يتمسك بكل أبواب البر والخير ويري الفضل فيه، ولكن يخفي الأعمال والأحوال، ويوقف نفسه موقف العوام في هيئته وملبوسه وحركاته وأموره، سترا للحال لئلا يفطن له، وهو مع ذلك متطلع إلى طلب المزيد، باذل مجهوده في كل ما يتقرب به العبيد.

والقلندري لا يتقيد بهيئة، ولا يبالي بما يعرف من حاله وما لا يعرف، ولا ينعطف إلا على طيبة القلوب وهو رأس ماله. والصوفي يضع الأشياء مواضعها، ويدبر الأوقات والأحوال كلها بالعلم، يقيم الخلق مقامها، ويقيم

أمر الحق مقامه، ويستر ما ينبغي أن يستر ويظهر ما ينبغي أن يظهر، ويأتي بالأمور في مواضعها بحضور عقل، وصحة توحيد، وكمال معرفة، ورعاية صدق وإخلاص.

فقوم من المفتونين سموا أنفسهم ملامتية ولبسوا لبسة الصوفية لينسبوا بها إلى الصوفية وما هم من الصوفية بشيء، بل هم في غرور وغلط، يتسترون بلبسة الصوفية توقيتا تارة، وينتهجون مناهج أهل الإباحة، ويزعمون أن ضمائرهم خلصت إلى الله تعالى، ويقولون هذا هو الظفر بالمراد، والارتسام بمراسم الشريعة سمة العوام، والقاصرين الإفهام، المنحصرين في مضيق الاقتداء تقليدا، وهذا هو عين الإلحاد والزندقة والإبعاد، فكل حقيقة ردتها الشريعة فهي زندقة، وجهل هؤلاء المغرورون أن الشريعة حق العبودية، والحقيقة هي حقيقة العبودية، ومن صار من أهل الحقيقة تقيد بحقوق العبودية، وحقيقة العبودية، وصار مطالبا بأمور وزيادات لا يطالب بها من لم يصل إلى ذلك، لا أنه يخلع عن عنقه ربقة التكليف، ويحاصر باطنه الزيغ والتحريف.

أخبرنا أبو زرعة عن أبيه الحافظ المقدسي قال: أنا أبو محمد الخطيب، ثنا أبو بكر بن محمد بن عمر قال: ثنا أبو بكر بن أبي دواد قال: ثنا أحمد بن صالح قال: ثنا عنبسة قال: ثنا يونس بن يزيد قال: قال محمد يعني الزهري: أخبرني حميد بن عبد الرحمن، أن عبد الله بن عتبة بن مسعود حدثه قال:

سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: إن أناسا كانوا يؤخذون بالوحي على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن الوحي قد انقطع، وإنما نأخذكم الآن بما ظهر من أعمالكم، فمن أظهر لنا خيرا أمناه وقربناه، وليس إلينا من سريرته شيء، الله تعالى يحاسبه في سريرته، ومن أظهر لنا سوي ذلك لم نأمنه وإن قال سريرتي حسنة. وعنه أيضا رضي الله عنه قال: من عرض نفسه للتهم فلا يلومن أساء به الظن.

فإذا رأينا متهاونا بحدود الشرع، مهملا للصلوات المفروضات، لا يعتد بحلاوة التلاوة والصوم والصلاة ويدخل في المداخل المكروهة المحرمة نرده ولا نقبله، ولا نقبل دعواه أن له سريرة صالحة.

أخبرنا شيخنا ضياء الدنيا أبو النجيب السهروردي إجازة، عن عمر بن أحمد، عن ابن خلف، عن السلمي قال: سمعت أبا بكر الرازي، سمعت أبا محمد الجريري يقول: سمعت الجنيد يقول لرجل ذكر المعرفة، فقال الرجل: أهل المعرفة بالله يصلون إلى ترك الحركات من باب البر والتقوى إلى الله تعالى.

فقال الجنيد: إن هذا قول قوم تكلموا بإسقاط الأعمال، وهذه عندي عظيمة، والذي يسرق ويزني أحسن حالا من الذي يقول هذا، وإن العرافين بالله أخذوا الأعمال عن الله وإليه يرجعون فيها، ولو بقيت ألف عام لم أنقص من أعمال البر ذرة إلا أن يحال بي دونها، وإنها لآكد في معرفتي وأقوي لحالي.

ومن جملة أولئك قوم يقولون بالحلول، ويزعمون أن الله تعالى يحل فيهم ويحل في أجسام يصطفيها، ويسبق لأفهامهم معني من قول النصاري في اللاهوت والناسوت.

ومنهم من يستبيح النظر إلى المستحسنات، إشارة إلى هذا الوهم، وتخايل له أن من قال كلاما في بعض غلباته كان مضمر الشيء مما زعموه، مثل قول الحلاج: أنا الحق، وما يحكى عن أبي يزيد من قوله:

سبحاني. حاشا أن نعتقد في أبي يزيد أنه يقول ذلك إلا على معني الحكاية عن الله تعالى. وهكذا ينبغي أن يعتقد في قول الحلاج ذلك. ولو علمنا أنه ذكر ذلك القول مضمر الشيء من الحلول رددناه كما نردهم.

وقد أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم بشريعة بيضاء نقية، يستقيم بها كل معوج، وقد دلتنا عقولنا على ما يجوز وصف الله تعالى به وما لا يجوز.

والله تعالى منزه أن يحل به شيء، حتى لعل بعض المفتونين يكون عنده ذكاء وفطنة غريزية، ويكون قد سمع كلمات تعلقت بباطنه، فيتألف له في فكره كلمات ينسبها إلى الله تعالى، وأنها مكالمة الله تعالى إياه، مثل أن يقول قال لي وقلت له، وهذا رجل إما جاهل بنفسه، وحديثها، جاهل، بربه وبكيفية المكالمة والمحادثة، وإما عالم ببطلان ما يقول يحمله هواه على الدعوي بذلك ليوهم أنه ظفر بشيء.

وكل هذا ضلال، ويكون سبب تجرّئه على هذا ما سمع من كلام بعض المحققين مخاطبات وردت عليهم بعد طول معاملات لهم ظاهرة وباطنة، وتمسكهم بأصول القوم من صدق التقوى وكمال الزهد في الدنيا.

فلما صفت أسرارهم تشكلت في سرائرهم مخاطبات موافقة للكتاب والسنة، فنزلت تلك المخاطبات عند استغراق السرائر، ولا يكون ذلك كلاما يسمعونه، بل كحديث في النفس يجدونه برؤية موافقا للكتاب والسنة، مفهوما عند أهله، موافقا للعلم.

و يكون ذلك، مناجاة لسرائرهم، ومناجاة سرائرهم إياهم، فيثبتون لنفوسهم وإلي مولاهم، وهم مع ذلك عالمون بأن ذلك ليس كلام الله، وإنما هو علم حادث أحدثه الله في بواطنهم.

فطريق الأصحاء في ذلك الفرار إلى الله تعالى من كل ما تحدث نفوسهم به، حتى إذا برئت ساحتهم من الهوي الهموا في بواطنهم شيئا ينسبونه إلى الله تعالى نسبة الحادث إلى المحدث، لا نسبة الكلام إلى المتكلم، ليصانوا عن الزيغ والتحريف.

ومن أولئك قوم يزعمون أنهم يغرقون في بحار التوحيد ويسقطون ولا يثبتون لنفوسهم حركة وفعلا ويزعمون أنهم مجبورون على الأشياء، وأن لا فعل لهم مع فعل الله، ويسترسلون في المعاصي، وكل ما تدعوا النفس إليه،

ويركنون إلى البطالة ودوام الغفلة، والاغترار بالله، والخروج من الملة، وترك الحدود والأحكام، والحلال والحرام.

وقد سئل سهل عن رجل يقول: أنا كالباب لا أتحرك إلا إذا حركت، قال: هذا لا يقوله إلا أحد رجلين:

إما صديق.

أو زنديق.

لأن الصديق يقول هذا القول إشارة إلى أن قوام الأشياء بالله مع إحكام الأصول ورعاية حدود العبودية.

والزنديق يقول ذلك إحالة للأشياء على الله، وإسقاطا للائمة عن نفسه، وانخلاعا عن الدين ورسمه. فأما من كان معتقدا وجوب التوبة منها، فهو سليم صحيح، وإن كان تحت القصور بما يركن إليه من البطالة، ويتروح بهوي النفس إلى الأسفار والتردد في البلاد، متوصلا إلى تناول اللذائذ والشهوات، غير متمسك بشيخ يؤدبه ويهذبه، ويبصره بعيب ما هو فيه.

والله الموفق.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!