موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

كتاب عوارف المعارف

للشيخ الإمام شهاب الدين عمر السهروردي

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


الباب العشرون في ذكر من يأكل من الفتوح

الباب العشرون في ذكر من يأكل من الفتوح

إذا كمل شغل الصوفي بالله، وكمل زهده لكمال تقواه، يحكم الوقت عليه بترك التسبب، وينكشف له صريح التوحيد وصحة الكفالة من الله الكريم، فيزول عن باطنه الاهتمام بالأقسام، ويكون مقدمة هذا أن يفتح الله له بابا من التعريف بطريق المقابلة على كل فعل يصدر منه، حتى لو جري عليه يسير من ذنب بحسب حاله أو الذنب مطبقا مما هو منهي عنه في الشرع، يجد عقاب ذلك في وقته أو يومه.

كان يقول بعضهم: إني لأعرف ذنبي في سوء خلق غلامي.

وقيل: عن بعض الصوفية قرض الفأر خفه فلما رآه تألم وقال:

لو كنت من مازن لم تستبح إبلي ... بنو اللقيطة من ذهل بن شيبان

إشارة منه إلى أن الداخل عليه مقابلة له على شيء استوجب به ذلك، فلا تزال به المقابلات متضمنة للتعريفات الإلهية، حتى يتحصن بصدق المحاسبة وصفاء المراقبة عن تضييع حقوق العبودية، ومخالفة حكم الوقت، ويتجرد له حكم فعل الله، وتنمحي عنده أفعال غير الله، فيري المعطي والمانع هو الله سبحانه ذوقا وحالا لا علما وإيمانا، ثم يتداركه الحق تعالى بالمعونة، ويوقفه على صريح التوحيد وتجريد فعل الله تعالى.

كما حكى عن بعضهم أنه خطر له خاطر الاهتمام بالرزق، فخرج إلى بعض الصحاري فرأي قنبرة عمياء عرجاء ضعيفة، فوقف متعجبا منها، متفكرا فيما تأكل مع عجزها عن الطيران والمشي والرؤية، فبينما هو كذلك إذا انشقت الأرض وخرجت سكرجتان، في إحداهما سمسم نقي وفي

الأخري ماء صاف، فأكلت من السمسم وشربت من الماء، ثم انشقت الأرض وغابت السكرجتان. قال: فلما رأيت ذلك سقط عن قلبي الاهتمام بالرزق.

فإذا أوقف الحق عبده في هذا المقام، يزيل عن باطنه الاهتمام بالأقسام، ويري الدخول في التسبب والتكسب بالسؤال وغيره رتبة العوام، ويصير مسلوب الاختيار، غير متطلع إلى الأغيار، ناظرا إلى فعل الله تعالى، منتظرا لأمر الله فتساق إليه الأقسام، ويفتح عليه باب الإنعام، ويكون بدوام ملاحظته لفعل الله، وترصده ما يحدث من أمر الله تعالى مكاشفا له تجليات من الله تعالى بطريق الأفعال، والتجلي بطريق الأفعال رتبة من القرب، ومنه يترقي إلى التجلي بطريق الصفات، ومن ذلك يترقي إلى تجلي الذات والإشارة في هذه التجليات إلى رتب في اليقين، ومقامات في التوحيد شيء فوق شيء وشيء أصفي من شيء.

فالتجلي بطريق الأفعال يحدث صفو الرضا والتسليم، والتجلي بطريق الصفات يكسب الهيبة والأنس، والتجلي بالذات يكسب الفناء والبقاء.

وقد يسمي ترك الاختبار والوقوف مع فعل الله فناء، يعنون به فناء الإرادة والهوى، والإرادة ألطف أقسام الهوى، وهذا الفناء هو الفناء الظاهر، فأما الفناء الباطن وهو محو آثار الوجود عند لمعان نور الشهود، يكون في تجلي الذات، وهو أكمل أقسام اليقين في الدنيا، فأما تجلي حكم الذات فلا يكون إلا في الآخرة، وهو المقام الذي حظي به رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج، ومنع عنه موسي بلن تراني.

فليعلم أن قولنا في التجلي إشارة إلى رتب الحظ من اليقين ورؤية البصيرة، فإذا ولي العبد إلى مبادئ أقسام التجلي، وهو مطالعة الفعل الإلهي مجردا عن فعل سواه يكون تناوله الأقسام من الفتوح.

روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من وجه إليه شيء من هذا الرزق من غير مسألة ولا إشراف فليأخذه وليوسع به في رزقه، فإن كان عنده غني فليدفعه إلى من هو أحوج منه».

وفي هذا دلالة ظاهرة على أن العبد يجوز أن يأخذ زيادة على حاجته بنية صرفه إلى غيره. وكيف لا يأخذ وهو يري فعل الله تعالى. ثم إذا أخذ فمنهم من يخرجه إلى المحتاج، ومنهم من يقف في الإخراج أيضا حتى يرد عليه من الله علم خاص، ليكون أخذه بالحق وإخراجه بالحق.

أخبرنا الشيخ أبو زرعه طاهر قال: أنبأنا والدي الحافظ أو الفضل المقدسي قال: أنا أبو إسحاق إبراهيم بن سعيد الحبال قال: أنا محمد بن عبد الرحمن بن سعيد قال: أنا أبو طاهر أحمد بن محمد بن عمرو قال: أنا يونس بن عبد الأعلى قال: حدثنا عمرو بن الحارث عن ابن شهاب عن السائب بن يزيد عن حويطب بن عبد العزي عن عبيد الله السعدي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطيني العطاء فأقول له أعطه يا رسول الله من هو أفقر مني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خذه فتموله أو تصدق به، وما جاءك من هذا المال وأنت غير متشوف ولا سائل فخذه، وإلا فلا تتبعه نفسك» قال سالم: فمن أجل ذلك كان ابن عمر لا يسال أحدا شيئا ولا يرد شيئا أعطيه.

درج رسول الله صلى الله عليه وسلم الأصحاب بأوامره إلى رؤية فعل الله تعالى، والخروج من تدبير النفس إلى حسن تدبير الله تعالى.

سئل سهل بن عبد الله التستري عن علم الحال قال: هو ترك التدبير، ولو كان هذا في واحد لكان من أوتاد الأرض.

وروي يزيد بن خالد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من جاءه معروف من أخيه من غير مسألة ولا إشراف نفس فيقبله فإنما هو شيء من رزق الله تعالى ساقه الله إليه».

وهذا العبد الواقف مع الله تعالى في قبول ما ساق الحق آمن ما يخشي عليه إنما يخشي على من يرد، لأن من رد لا يأمن من دخول النفس عليه أن يري بعين الزهد، ففي أخذه إسقاط نظر الخلق تحققا بالصدق والإخلاص، وفي إخراجه إلى الغير إثبات حقيقة فلا يزال في كلا الحالتين زاهدا يراه الغير بعين الرغبة لقلة العلم بحاله، وفي هذا المقام يتحقق الزهد في الزهد.

ومن أهل الفتوح من يعلم دخول الفتوح عليه، ومنهم من لا يعلم دخول الفتوح عليه، فمنهم من لا يتناول من الفتوح إلا إذا تقدمه علم بتعريف من الله إياه، ومنهم من يأخذ غير متطلع إلى تقدم العلم حيث تجرد له الفعل، ومن لا ينتظر تقدمة العلم فوق من ينتظر تقدمة العلم لتمام صحبته مع الله وانسلاخه من إرادته، وعلم حاله في ترك الاختيار، ومنهم من يدخل الفتوح عليه لا بتقدمة العلم ولا رؤية تجرد الفعل من الله، ولكن يرزق شربا من المحبة بطريق رؤية النعمة، وقد يتكدر شرب هذا بتغير معهود النعمة، وهذا حال ضعيف بالإضافة إلى الحالتين الأولىن، لأنه علة في المحبة ووليجة في الصدق عند الصديقين.

وقد ينتظر صاحب الفتوح العلم في الإخراج أيضا، كما ينتظر في الأخذ، لأن النفس تظهر في الإخراج كما تظهر في الأخذ. وأتم من هذا من يكون في إخراجه مختارا، وفي أخذه مختارا بعد تحققه بصحة التصرف، فإن انتظار العلم إنما كان لموضع اتهام النفس، وهو ببقية هوي موجود، فإذا زال الاتهام بوجود صريح العلم يأخذ غير محتاج إلى علم متجدد ويخرج كذلك، وهذه حال من تحقق بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم حاكيا عن ربه: «فإذ

أحببته كنت له سمعا وبصرا، فبي يسمع، وبي يبصر، وبي ينطق» الحديث.

فلما صح تعرفه صح تصرفه، وهذا أعز في الأحوال من الكبريت الأحمر.

وكان شيخنا ضياء الدين أبو النجيب السهروردي رحمه الله يحكى عن الشيخ حماد الدباس أنه كان يقول: أنه لا آكل إلا من طعام الفضل، فكان يري الشخص في المنام أن يحمل إليه شيئا وقد كان يعين للرائي في المنام أن أحمل إلى حماد كذا وكذا. وقيل إنه بقي زمانا يري هو في واقعته أو منامه أنك أحلت على فلان بكذا وكذا.

وحكى عنه أنه كان يقول: كل جسم تربي بطعام الفضل لا يتسلط عليه البلاء، ويعني بطعام الفضل ما شهد له صحة الحال من فتوح الحق. ومن كانت هذه حالته فهو غني بالله.

قال الواسطي: الافتقار إلى الله أعلى درجة المريدين، والاستغناء بالله أعلى درجة الصديقين.

وقال ابو سعيد الخراز: العارف تدبيره فني في تدبير الحق. فالواقف مع الفتوح واقف مع الله ناظر إلى الله.

وأحسن ما حكى في هذا أن بعضهم رأي النووي يمد يده ويسأل الناس قال: فاستعظمت ذلك منه واستقبحته له، فأتيت الجنيد فأخبرته فقال لي:

لا يعظم هذا علىك، فإن النووي لم يسأل الناس إلا ليعطيهم سؤلهم في الآخرة، فيؤجرون من حيث لا يضره.

وقول الجنيد ليعطيهم كقول بعضهم اليد العلىا يد الآخذ، لأنه يعطي الثواب.

قال: ثم قال الجنيد: هات الميزان، فوزن مائة درهم ثم قبض قبضة فألقاها على المائة، ثم قال احملها إليه، فقلت في نفسي: إنما يزن ليعرف مقدارها كيف خلط المجهول بالموزون وهو رجل حكيم، واستحييت أن أسأله، فذهبت بالصرة إلى النوري، فقال هات الميزان، فوزن مائة درهم وقال: ردها عليه وقل له أنا لا أقبل منك شيئا، وأخذ ما زاد على المائة. قال فزاد تعجبي، فسألته عن ذلك فقال: الجنيد رجل حكيم، يريد أن يأخذ الحبل بطرفيه، وزن المائة لنفسه طلبا للثواب، وطرح عليها قبضة بلا وزن لله، فأخذت ما كان لله ورددت ما جعله لنفسه. قال فرددتها على الجنيد فبكي وقال: أخذ ماله ورد مالنا.

ومن لطائف ما سمعت من أصحاب شيخنا أنه قال ذات يوم لأصحابه: نحن محتاجون إلى شيء من المعلوم، فارجعوا إلى خلواتكم واسألوا الله تعالى، وما فتح الله تعالى لكم ائتوني به، ففعلوا ثم جاءوه من بينهم شخص يعرف بإسماعيل البطائحي، ومعه كاغد عليه ثلاثون دائرة، وقال هذا الذي فتح الله لي في واقعتي، فأخذ الشيخ الكاغد فلم يكن إلا ساعة فإذا بشخص دخل ومعه ذهب فقدمه بين يدي الشيخ، ففتح القرطاس وإذا هو ثلاثون صحيحا، فترك كل صحيح على دائرة وقال هذا فتوح الشيخ إسماعيل أو كلاما هذا معناه.

وسمعت أن الشيخ عبد القادر رحمه الله بعث إلى شخص وقال لفلان عندك طعام وذهب، ائتني من ذلك بكذا ذهبا وكذا طعاما، فقال الرجل:

كيف أتصرف في وديعة عندي ولو استفتيتك ما أفتيتني في التصرف؟ فألزمه الشيخ بذلك، فأحسن الظن بالشيخ وجاء إليه بالذي طلب، فلما وقع التصرف منه جاءه مكتوب من صاحب الوديعة وهو غائب في بعض نواحي العرق أن أحمل إلى الشيخ عبد القادر كذا وكذا، وهو القدر الذي عينه

الشيخ عبد القادر فعاتبه الشيخ بعد ذلك على توقفه وقال: ظننت بالفقراء أن إشاراتهم تكون على غير صحة وعلم.

فالعبد إذا صح مع الله تعالى يرفع الله عن باطنه هموم الدنيا، ويجعل الغني في قلبه، ويفتح عليه أبواب الرفق، وكل الهموم المتسلطة على بعض الفقراء، لكون قلوبهم ما استكملت الشغل بالله والاهتمام برعاية حقائق العبودية. فعلى قدر ما خلت من الهم بالله ابتليت بهم الدنيا، ولو امتلأت من هم الله ما عذبت بهموم الدنيا وقنعت وارتقت.

روي أن عوف بن عبد الله المسعودي كان له ثلثمائة وستون صديقا، وكان يكون عند كل واحد يوما، وآخر كان له ثلاثون صديقا، يكون عند كل واحد يوما، وآخر كان له سبعة إخوان يكون كل يوم من الأسبوع عند واحد، فكان إخوانهم معلومهم، والمعلوم إذا أقامه الحق للناظر إلى الله الكامل توحيده يكون نعمة هنيئة.

جاء رجل إلى الشيخ أبي السعود رحمه الله وكان من أرباب الأحوال السنية، والواقفين في الأشياء مع فعل الله تعالى، متمكنا من حاله، تاركا لاختياره، ولعله سبق كثيرا من المتقدمين في تحقيق ترك الاختيار، راينا منه وشاهدنا أحوالا صحيحة عن قوة وتمكين، فقال له الرجل: اريد أن أعين لك شيئا كل يوم من الخبز أحمله إليك، ولكني قلت: الصوفية يقولون المعلوم شؤم، قال الشيخ: نحن ما نقول المعلوم شؤم، فإن الحق يصفي لنا، وفعله نري، فكل ما يقسم لنا نراه مباركا ولا نراه شؤما.

أخبرنا أبو زرعة إجازة قال: أنا أبو بكر بن أحمد بن خلف الشيرازي إجازة قال: أنا عبد الرحمن السلمي قال: سمعت أبا بكر بن شاذان قال: سمعت أبا بكر الكتاني قال: كنت أنا وعمرو المكي وعياش بن المهدي نصطحب ثلاثين سنة، نصلي الغداة على طهر العصر، وكنا قعودا بمكة على التجريد، مالنا على الأرض ما يساوي فلسا، وربما كان يصحبنا الجوع يوم

ويومين وثلاثة وأربعة وخمسة ولا نسأل أحدا، فإن ظهر لنا شيء وعرفنا وجهه من غير سؤال ولا تعريض قبلناه وأكلناه وإلا طوينا، فإذا اشتد بنا الأمر وخفنا على أنفسنا النقصان في الفرائض قصدنا أبا سعيد الخراز فيتخذ لنا ألوانا من الطعام، ولا نقصد غيره، ولا ننبسط إلا إليه، لما نعرف من تقواه وورعه.

وقيل لأبي يزيد: ما نراك تشتغل بكسب، فمن أين معاشك؟ فقال: مولاي يزرق الكلب والخنزير، تراه لا يرزق أبا يزيد.

قال السلمي: سمعت أبا عبد الله الرازي يقول: سمعت مظفرا القرميسني يقول: الفقير الذي لا يكون له عند الله حاجه.

وقيل لبعضهم: ما الفقر؟ قال: وقوف الحاجة على القلب، ومحوها من كل أحد سوي الرب.

وقال بعضهم: أخذ الفقير الصدقة ممن يعطيه لا ممن تصل إليه على يده، ومن قبل من الوسائط فهو المترسم بالفقر مع دناءة همته.

أنبأنا شيخنا ضياء الدين أبو النجيب السهروردي قال: أنا عصام الدين أبو حفص عمر بن احمد بن منصور الصفار قال: أنا أبو بكر أحمد بن خلف الشيرازي قال: أنا أبو عبد الرحمن السلمي قال: سمعت احمد بن على ابن جعفر يقول سمعت أن أبا سليمان الداراني كان يقول: آخر إقدام الزاهدين أول إقدام المتوكلين.

روي أن بعض العارفين زهد، فبلغ من زهده أن فارق الناس وخرج من الأمصار وقال لا أسأل أحدا شيئا حتى يأتيني رزقي، فأخذ يسيح، فأقام في سفح جبل سبعا لم يأته شيء حتى كاد أن يتلف، فقال يا رب إن أحببتني فأتني برزقي الذي قسمت لي، وإلا فاقبضني إليك، فألهمه الله تعالى في قلبه: وعزتي وجلالي لا أرزقك حتى تدخل الأمصار وتقيم بين الناس، فدخل

المدينة وأقام بين ظهراني الناس، فجاء هذا بطعام، وهذا بشراب فأكل وشرب، فأوجس في نفسه من ذلك، فسمع هاتفا: أردت أن تبطل حكمته بزهدك في الدنيا، أما علمت أنه يرزق العباد بأيدي العباد أحب إليه من أن يرزقهم بأيدي القدرة.

فالواقف مع الفتوح استوي عنده أيدي الآدميين وأيدي الملائكة، واستوي عنده القدرة والحكمة، وطلب القفار، والتوصل إلى قطع الأسباب، من الارتهان برؤية الأسباب. وإذا صح التوحيد تلاشت الأسباب في عين الإنسان.

أخبرنا شيخنا قال: أنا أبو حفص عمر قال: أنا أبو عبد الرحمن قال: أنا محمد بن أحمد بن حمدان العكبري قال: سمعت أحمد بن محمود بن اليسري يقول: سمعت محمدا الإسكاف يقول: سمعت يحيي بن معاذ الرازي يقول: من استفتح باب المعاش بغير مفاتيح الأقدار وكل إلى المخلوقين.

قال بعض المنقطعين: كنت ذا صنعة جليلة فأريد مني تركها، فحاك في صدري من أين المعاش، فهتف بي هاتف لا أراه: تنقطع إلى وتتهمني في رزقك؟ على أن أخدمك وليا من أوليائي، أو أسخر لك منافقا من أعدائي، فلما صح حال الصوفي، وانقطعت أطماعه، وسكنت عن كل تشوف وتطلع، خدمته الدنيا، وصلحت له الدنيا خادمة، وما رضيها مخدومة.

فصاحب الفتوح يري حركة النفس بالتشوف جناية وذنبا.

روي أن أحمد بن حنبل خرج ذات يوم إلى شارع باب الشام فاشتري دقيقا ولم يكن في ذلك الموضع من يحمله، فوافي أيوب الحمال فحمله ودفع إليه أحمد أجرته، فلما دخل الدار بعد إذنه له اتفق أن أهل الدار قد خبزوا ما كان عندهم من الدقيق وتركوا الخبز على السرير ينشف، فرآه أيوب وكان يصوم الدهر، فقال أحمد لابنه صالح: ادفع إلى أيوب من الخبز، فدفع

له رغيفين، فردهما، قال أحمد: ضعهما، ثم صبر قليلا، ثم قال: خذهما فألحقه بهما، فلحقه فأخذهما، فرجع صالح متعجبا، فقال له أحمد: عجبت من رده وأخذه؟ قال: نعم، قال: هذا رجل صالح، فرأي الخبز فاستشرفت نفسه إليه فلما أعطيناه مع الاستشراف رده، ثم أيس فرددناه إليه بعد الإياس فقبل.

هذا حال أرباب الصدق، إن سألوا سألوا بعلم، وإن أمسكوا عن السؤال أمسكوا بحال، وإن قبلوا قبلوا بعلم، فمن لم يزرق حال الفتوح فله حال السؤال والكسب بشرط العلم. فأما السائل مستكثرا فوق الحاجة لا في وقت الضرورة فليس من الصوفية بشيء.

سمع عمر رضي الله عنه سائلا يسأل، فقال لمن عنده: ألم أقل لك عش السائل؟ فقال: قد عشيته، فنظر عمر فإذا تحت إبطه مخلاة مملوءة خبزا، فقال عمر: أ لك عيال؟ فقال: لا، فقال عمر: لست بسائل ولكنك تاجر، ثم نثر مخلاته بين يدي أهل الصدقة وضربه بالدرة.

وروي عن على بن أبي طالب رضي الله عنه قال: إن الله تعالى في خلقه مثوبات فقر، وعقوبات فقر، فمن علامة الفقر إذا كان مثوبة أن يحسن خلقه، ويطيع ربه، ولا يشكو حاله، ويشكر الله تعالى على فقره.

ومن علامة الفقر إذا كان عقوبة أن يسوء خلقه، ويعصي ربه، ويكثر الشكاية، ويتسخط للقضاء.

فحال الصوفية حسن الأدب في السؤال، والفتوح والصدق مع الله على كل حال كيف تقلب.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!