موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

كتاب عوارف المعارف

للشيخ الإمام شهاب الدين عمر السهروردي

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


الباب الحادي والثلاثون في ذكر الأدب ومكانه من التصوف

الباب الحادي والثلاثون في ذكر الأدب ومكانه من التصوف

روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال «أدبني ربي فأحسن تأديبي».

فالأدب تهذيب الظاهر والباطن، فإذا تهذب ظاهر العبد وباطنه صار صوفيا أديبا.

وإنما سميت المأدبة مأدبة لاجتماعهما على أشياء.

ولا يتكامل الأدب في العبد إلا بتكامل مكارم الأخلاق. ومكارم الأخلاق مجموعها في تحسين الخلق، فالخلق صورة الإنسان، والخلق معناه. فقال بعضهم: الخلق لا سبيل إلى تغييره كالخلق. وقد ورد: فرغ ربكم من الخلق والخلق والرزق والأجل. وقال تعالى لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ الله (١). والأصح أن تبديل الأخلاق ممكن مقدور عليه بخلاف الخلق.

وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال «حسنوا أخلاقكم» وذلك أن الله تعالى خلق الإنسان وهيأه لقبول الصلاح والفساد، وجعله أهلا للأدب ومكارم الأخلاق. ووجود الأهلية فيه كوجود النار في الزناد، ووجود النخل في النوي. ثم إن الله تعالى بقدرته ألهم الإنسان ومكنه من إصلاحه بالتربية إلى أن يصير النوي نخلا، والزناد بالعلاج حتى تخرج منه نار، وكما جعل في نفس الإنسان صلاحية الخير جعل فيها صلاحية الشر حال الإصلاح والإفساد.

فقال سبحانه وتعالى {ونَفْسٍ وما سَوّاها (٧) فَأَلْهَمَها فُجُورَها وتَقْواها (٨)} (٢). فتسويتها بصلاحيتها للشيئين جميعا. ثم قال عز وجل {

__________

١) سورة الروم: الآية ٣٠.

٢) سورة الشمس: الآيات ٧ - ٨.

قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكّاها (٩) وقَدْ خابَ مَنْ دَسّاها (١٠)} (١). فإذا تركت النفس تدبرت بالعقل، واستقامة أحوالها الظاهرة والباطنة، وتهذبت الأخلاق، وتكونت الآداب.

فالأدب استخراج ما في القوة إلى الفعل، وهذا يكون لمن ركبت السجية الصالحة فيه، والسجية فعل الحق لا قدرة للبشر على تكوينها، كتكون النار في الزناد، إذ هو فعل الله المحض، واستخراجه بكسب الآدمي، فهكذا الآداب منبعها السجايا الصالحة، والمنح الإلهية.

لما هيأ الله تعالى بواطن الصوفية بتكميل السجايا فيها، توصلوا بحسن الممارسة والرياضة إلى استخراج ما في النفوس مركوز بخلق الله تعالى إلى الفعل، فصاروا مؤدبين مهذبين. والآداب تقع في حق بعض الأشخاص من غير زيادة ممارسة ورياضة، لقوة ما أودع الله تعالى في غرائزهم، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أدبني ربي فأحسن تأديبي».

وفي بعض الناس من يحتاج إلى طول الممارسة، لنقصان قوي أصولها في الغريزة، فلهذا احتاج المريدون إلى صحبة المشايخ، لتكون الصحبة والتعلم عونا على استخراج ما في الطبيعة إلى الفعل. قال الله تعالى {قُوا أَنْفُسَكُمْ وأَهْلِيكُمْ نارًا} (٢). قال ابن عباس رضي الله عنهما: فقهوهم وأدبوهم.

وفي لفظ آخر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أدبني ربي فأحسن تأديبي، ثم أمرني بمكارم الأخلاق فقال {خُذِ الْعَفْوَ وامُرْ بِالْعُرْفِ وأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ (١٩٩)} (٣).

__________

١) سورة الشمس: الآيات ٩ - ١٠.

٢) سورة التحريم: الآية ٦.

٣) سورة الأعراف: الآية ١٩٩.

قال يوسف بن الحسين: بالأدب يفهم العلم، وبالعلم يصح العمل، وبالعمل تنال الحكمة، وبالحكمة يقام الزهد، وبالزهد تترك الدنيا، وبترك الدنيا يرغب في الآخرة، وبالرغبة في الآخرة تنال الرتبة عند الله تعالى.

قيل: لما ورد أبو حفص العراق، جاء إليه الجنيد فرأي أصحاب أبي حفص وقوفا على رأسه يأتمرون لأمره، لا يخطئ أحد منهم، فقال يا أبا حفص: أدبت أصحابك أدب الملوك، فقال: لا يا أبا القاسم، ولكن حسن الأدب في الظاهر عنوان الأدب في الباطن.

قال أبو الحسين النوري: ليس لله في عبده مقام ولا حال ولا معرفة تسقط معها آداب الشريعة، وآداب الشريعة حلية الظاهر، والله تعالى لا يبيح تعطيل الجوارح من التحلي بمحاسن الآداب.

قال عبد الله بن المبارك: أدب الخدمة أعز من الخدمة.

حكى عن أبي عبيد القاسم بن سلام قال: دخلت مكة فكنت ربما أقعد بحذاء الكعبة، وربما كنت أستلقي وأمد رجلي، فجاءتني عائشة المسكينة فقالت لي: يا أبا عبيد يقال إنك من أهل العلم، اقبل مني كلمة، لا تجالسه إلا بأدب وإلا فيمحي اسمك من ديوان القرب. قال أبو عبيد: وكانت من العارفات.

وقال ابن عطاء: النفس مجبولة على سوء الأدب، والعبد مأمور بملازمة الأدب، والنفس تجري بطباعها في ميدان المخالفة، والعبد يردها بجهده إلى حسن المطالبة، فمن أعرض عن الجهد فقد أطلق عنان النفس، وغفل عن الرعاية، ومهما أعانه فهو شريكها.

وقال الجنيد: من أعان نفسه على هواها فقد أشرك في قتل نفسه، لأن العبودية ملازمة الأدب، والطغيان سوء الأدب.

أخبرنا الشيخ العالم ضياء الدين عبد الوهاب بن على قال أنا أبو الفتح الهروي قال أنا أبو النصر الترياقي قال أنا أبو محمد الجراحي قال أنا العباس المحبوبي أنا أبو عيسي الترمذي قال حدثنا قتيبة قال حدثنا يحيي بن يعلى عن ناصح عن سماك عن جابر بن سمرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لأن يؤدب الرجل ولده خير له من أن يتصدق بصاع».

وروي أيضا أنه قال عليه السلام «ما نحل والد ولدا من نحلة أفضل من أدب حسن».

وروت عائشة رضي الله عنها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «حق الولد على الوالد أن يحسن اسمه، ويحسن موضعه، ويحسن أدبه».

وقال أبو على الدقاق: العبد يصل بطاعته إلى الجنة، وبأدبه في طاعته إلى الله تعالى.

قال أبو القاسم القشيري رحمه الله: كان الأستاذ أبو على لا يستند إلى شيء، فكان يوما في مجمع فأردت أن أضع وسادة خلف ظهره لأني رأيت غير مستند، فتنحي عن الوسادة قليلا، فتوهمت أنه توقي الوسادة لأنه لم يكن عليها خرقة أو سجادة، فقال: لا أريد الاستناد، فتأملت بعد ذلك فعلمت أنه لا يستند إلى شيء أبدا.

وقال الجلالي البصري: التوحيد يوجب الإيمان، فمن لا إيمان له لا توحيد له، والإيمان يوجب الشريعة، فمن لا شريعة له لا إيمان له ولا توحيد له، والشريعة توجب الأدب، فمن لا أدب له لا شريعة له ولا إيمان ولا توحيد.

وقال بعضهم: الزم الأدب ظاهرا وباطنا، فما أساء أحد الأدب ظاهرا إلا عوقب ظاهرا، وما أساء أحد الأدب باطنا إلا عوقب باطنا.

قال بعضهم، هو غلام الدقاق: نظرت إلى غلام أمرد، فنظر إلى الدقاق وأنا أنظر إليه، فقال لتجدن غبها ولو بعد سنين. قال فوجدت غبها بعد عشرين سنة أن نسيت القرآن.

وقال سري: صليت وردي ليلة من الليالي ومددت رجلي في المحراب، فنوديت: يا سري هكذا تجالس الملوك. فضممت رجلي ثم قلت وعزتك لا مددت رجلي أبدا. وقال الجنيد: فبقي ستين سنة ما مد رجله ليلا ولا نهارا.

قال عبد الله بن المبارك: من تهاون بالأدب عوقب بحرمان السنن، ومن تهاون بالسنن عوقب بحرمان الفرائض، ومن تهاون بالفرائض عوقب بحرمان المعرفة.

وسئل السري عن مسألة في الصبر، فجعل يتكلم فيها، فدب على رجله عقرب فجعلت تضربه بإبرتها، فقيل له ألا تدفعها عن نفسك؟ قال: أستحي من الله أن أتكلم في حال ثم أخالف ما أعلم فيه.

وقيل: من أدب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال «زويت لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها» ولم يقل رأيت.

وقال يس بن مالك: الأدب في العمل علامة قبول العمل.

وقال ابن عطاء: الأدب الوقوف مع المستحسنات. قيل: ما معناه؟ قال: أن تعامل الله سرا وعلنا بالأدب، فإذا كنت كذلك كنت أديبا وإن كنت أعجميا، ثم أنشد:

إذا نطقت جاءت بكل مليحة ... وإن سكتت جاءت بكل مليح

وقال الجريري: منذ عشرين سنة ما مددت رجلي في الخلوة، فإن حسن الأدب مع الله أحسن وأولى.

وقال أبو على: ترك الأدب موجب للطرد، فمن أساء الأدب على البساط رد إلى الباب، ومن أساء الأدب على الباب رد إلى سياسة الدواب.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!