موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

كتاب عوارف المعارف

للشيخ الإمام شهاب الدين عمر السهروردي

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


الباب الأربعون في اختلاف أحوال الصوفية بالصوم والإفطار

الباب الأربعون في اختلاف أحوال الصوفية بالصوم والإفطار

جمع من المشايخ الصوفية كانوا يديمون الصوم في السفر والحضر على الدوام حتى لحقوا بالله تعالى.

وكان أبو عبد الله بن جابار قد صام نيفا وخمسين سنة لا يفطر في السفر والحضر، فجهد به أصحابه يوما فأفطر فاعتل من ذلك أياما.

فإذا رأي المريد صلاح قلبه في دوام الصوم فليصم دائما ويدع للإفطار جانبا، فهو عون حسن له على ما يريد.

روي أبو موسي الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من صام الدهر ضيقت عليه جهنم هكذا» وعقد تسين، أي لم يكن له فيها موض.

وكره قوم صوم الدهر، هو ألا يفطر العيدين وأيام التشريق فهو الذي يكره. وإذا أفطر هذه الأيام فليس هو الصوم الذي كرهه رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ومنهم من كان يصوم يوما ويفطر يوما. وقد ورد «أفضل الصيام صوم أخي داود عليه السلام، كان يصوم يوما ويفطر يوما».

واستحسن ذلك قوم من الصالحين، ليكون بين حال الصبر وحال الشكر.

ومنهم من كان يصوم يومين ويفطر يوما، أو يصوم يوما ويفطر يومين ومنهم من كان يصوم يوم الاثنين والخميس والجمعة.

وقيل: كان سهل بن عبد الله يأكل في كل خمسة عشر يوما مرة، وفي رمضان يأكل أكل واحدة، وكان يفطر بالماء القراح للسنة.

وحكى عن الجنيد أنه كان يصوم على الدوام، فإذا دخل عليه إخوانه أفطر معهم ويقول: ليس فضل المساعدة مع الإخوان بأقل من فضل الصوم غير أن هذا الإفطار يحتاج إلى علم.

فقد يكون الداعي إلى ذلك شره النفس لا نية الموافقة. وتخليص النية لمحض الموافقة مع وجود شره النفس صعب.

وسمعت شيخنا يقول: لي سنين ما أكلت شيئا بشهوة نفس ابتداء واستدعاء، بل يقدم إلى الشيء فأراه من فضل الله ونعمته وفعله، فأوافق الحق في فعله.

وذكر أنه في ذات يوم اشتهي الطعام ولم يحضر، ومن عادته تقديم الطعام إليه. قال ففتحت باب البيت الذي فيه الطعام وأخذت رمانة لآكلها.

فدخلت السنور وأخذت دجاجة كانت هناك، فقت: هذا عقوبة لي على تصرفي في أخذ الرمانة.

ورأيت الشيخ أبا السعود رحمه الله يتناول الطعام في اليوم مرات أي وقت أحضر الطعام أكل منه، ويري أن تناوله للطعام موافقة الحق، لأن حاله مع الله كان ترك الاختيار في مأكوله وملبوسه وجميع تصاريفه.

وكان حاله الوقوف مع فعل الحق، وقد كان له في ذلك بداية يعز مثلها، حتى نقل أنه كان يبقي أياما لا يأكل ولا يعلم أحد بحاله ولا يتصرف هو لنفسه، ولا يتسبب إلى تناول شيء، وينتظر فعل الحق ليساقة الزرق إليه، ولم يشعر أحد بحاله مدة من الزمان.

ثم إن الله تعالى أظهر حاله وأقام له الأصحاب والتلامذة، وكانوا يتكلفون الأطعمة ويأتون بها إليه، وهو يري في ذلك فضل الحق والموافقة.

سمعته يقول: أصبح كل يوم وأحب ما إلى الصوم، وينقص الحق على محبتي الصوم بفعله فأوافق الحق في فعله.

وحكى عن بعض الصادقين من أهل واسط أنه صام سنين كثيرة، وكان يفطر كل يوم قبل غروب الشمس إلا في رمضان.

وقال أبو نصر السراج: أنكر قوم هذه المخالفة وإن كان الصوم تطوعا، واستحسنه آخرون، لأن صاحبه كان يريد بذلك تأديب النفس بالجوع، وألا يتمتع برؤية الصوم.

ووقع لي أن هذا أن قصد أن لا يتمتع برؤية الصوم فقد تمتع برؤية عدم التمتع برؤية الصوم وهذا يتسلسل، والأليق بموافقة العلم إمضاء الصوم. قال الله تعالى: {ولا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ (٣٣)} (١).

ولكن أهل الصدق لهمن نيات فيما يفعلون فلا يعارضون، والصدق محمود لعينه كيف كان، والصادق لهم نيات فيما يفعلون فلا يعارضون.

والصدق محمود لعينه كيف كان، والصادق في خفارة صدقه كيف تقلب.

وقال بعضهم: إذا رأيت الصوفي يصوم صوم التطوع فاتهمه فإنه قد اجتمع معه شيء من الدنيا.

وقيل: إذا كان جماعة متوافقين أشكالا وفيهم مريد يحثونه على الصيام، فإن لم يساعدوه يهتموا لإفطاره ويتكلفوا له رفقا به، ولا يحملوا حاله على حالهم وإن كانوا جماعة مع شيخ يصومون لصومه ويفطرون لإفطاره إلا من يأمره الشيخ بغير ذلك.

وقيل: إن بعضهم صام سنين بسبب شاب كان يصحبه، حتى ينظر الشاب إليه فيتأدب به ويصوم بصيامه.

__________

١) سورة محمد: الآية ٣٣.

وحكى عن أبي الحسن المكي أنه كان يصوم الدهر وكان مقيما بالبصرة، وكان لا يأكل الخبز إلا ليلة الجمعة، وكان قوته في كل شهر أربع دوانيق، يعمل بيده حبال الليف ويبيعها.

وكان الشيخ أو الحسن بن سالم يقول: لا أسلم عليه إلا أن يفطر ويأكل. وكان ابن سالم اتهمه بشهوة خفية له في ذلك لأنه كان مشهورا بين الناس.

وقال بعضهم: ما أخلص لله عبد قط إلا أحب أن يكون في جب لا يعرف، ومن أكل فضلا من الطعام أخرج فضلا من الكلام.

وقيل: أقام أبو الحسن التنيسي بالحرم مع أصحاب سبعة أيام لم يأكلوا، فخرج بعض أصحابه ليتطهر فرأي قشر بطيخ فأخذه وأكله، فرآه إنسان فاتبع أثره وجاء برفق فوضعه بين يدي القوم، فقال الشيخ: من جني منكم هذه الجناية؟

فقال الرجل أنا وجدت قشر بطيخ فأكلته، فقال: كن أنت مع جنايتك ورفقك، فقال: أنا تائب من جنايتي، فقال لا كلام بعد التوبة.

وكانوا يستحبون صيام أيام البيض، وهي الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر.

روي أن آدم عليه السلام لما أهبط إلى الأرض أسود جسده من أثر المعصية، فلما تاب الله عليه أمره أن يصوم أيام البيض فابيض ثلث جسده بكل يوم صامه، حتى ابيض جميع جسده بصيام أيام البيض.

و يستحبون صوم النصف الأول من شعبان، وإفطار نصفه الأخير، وإن واصل بين شعبان ورمضان فلا بأس به، ولكن إن لم يكن صام فلا يستقبل رمضان بيوم أو يومين.

وكان يكره بعضهم أن يصام رجب جميعه كراهة المضاهاة برمضان.

ويستحب صوم العشر من ذي الحجة، والعشر من المحرم، ويستحب الخميس والجمعة والسبت أن يصام من الأشهر الحرم.

وورد في الخبر «من صام ثلاثة أيام من شهر حرام الخميس والجمعة والسبت بعد من النار سبعمائة عاما».


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!