موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

كتاب عوارف المعارف

للشيخ الإمام شهاب الدين عمر السهروردي

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


الباب الحادي والأربعون في آداب الصوم

الباب الحادي والأربعون في آداب الصوم

آداب الصوفية في الصوم ضبط الظاهر والباطن، وكف الجوارج عن الآثام، كمنع النفس عن الطعام، ثم كف النفس عن الاهتمام بالأقسام.

سمعت أن بعض الصالحين بالعراق كان طريقة وطريق أصحابه أنهم كانوا يصومون، وكلما فتح عليهم قبل وقت الإفطار يخرجونه.

ولا يفطرون إلا على ما فتح لهم وقت الإفطار، وليس من الأدب أن يمسك المريد عن المباح ويفطر بحرام الآثام.

قال أبو الدرداء: يا حبذا نوم الأكياس وفطرهم، كيف يغبنون قيام الحمقي وصيامهم، ولذرة من ذي يقين وتقوى أفضل من أمثال الجبال من أعمال المغتربين.

ومن فضيلة الصوم وأدبه أن يقلل الطعام عن الحد الذي كان يأكله وهو مفطر، وإلا فإذا جمع الآكلات بأكلة واحدة فقد أدرك بها ما فوت.

ومقصود القوم من الصوم قهر النفس ومنعها عن الاتساع، وأخذهم من الطعام قدر الضرورة لعلمهم أن الاقتصار على الضرورة يجذب النفس من سائر الأفعال والأقوال إلى الضرورة.

والنفس من طبعها أنها إذا أقهرت لله تعالى في شيء واحد على الضرورة تأدي ذلك إلى سائر أحوالها، فيصير بالأكل النوم ضرورة، والقول والفعل ضرورة، وهذا باب كبير من أبواب الخير لأهل الله تعالى يجب رعايته وافتقاده.

ولا يخص بعلم الضرورة وفائدتها وطلبها إلا عبد يري الله تعالى أن يقر به ويدينه، ويصطفيه ويربيه. ويمتنع في صومه من ملاعبة الأهل بالملامسة، فإن ذلك أنزه للصوم، ويتسحر استعمالا للسنة.

وهو أدعي إلى إمضاء الصوم لمعنيين، أحدهما عود بركة السنة عليه، والثاني التقوىة بالطعام على الصيام.

روي أنس بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «تسحروا فإن في السحور بركة».

ويعجل الفطر عملا بالسنة، فإن لم يرد تناول الطعام إلا بعد العشاء ويريد إحياء ما بين العشاءين يفطر بالماء أو على أعداد من الزبيب أو التمر، أو يأكل لقيمات إن كانت النفس تنازع ليصفو له الوقت بين العشاءين، فإحياء ذلك له فضل كثير، وإلا فيقتصر على الماء لأجل السنة.

أخبرنا الشيخ العالم ضياء الدين عبد الوهاب بن على قال أنا أبو الفتح الهروي قل أنا أبو نصر الترياقي قال أنا أبو محمد الجراحي قال أنا أبو العباس المحبوبي قال أنا أبو عيسي الترمذي.

قال حدثنا إسحاق بن موسي الأنصاري قال حدثنا الوليد بن مسلم عن الأوزاعي عن قرة عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حكاية عن ربه: «قال الله عز وجل: أحب عبادي إلى أعجلهم فطرا».

وقال عليه السلام: «لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر».

والإفطار قبل الصلاة سنة، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفطر على جرعة من ماء، أو مذقة من لبن، أو تمرات.

وفي الخير: كم من صائم حظه من صيامه الجوع والعطش.

قيل: هو الذي يجوع بالنهار ويفطر على الحرام.

وقيل: هو الذي يصوم عن الحلال من الطعام ويفطر على لحوم الناس بالغيبة.

قال سفيان: من اغتاب فسد صومه.

و ن مجاهد: خصلتان تفسدان الصوم: الغيبة، والكذب.

قال الشيخ أبو طالب المكي: قرن الله الاستماع إلى الباطل والقول بالإثم بأكل الحرام، فقال {سَمّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكّالُونَ لِلسُّحْتِ} (١).

وورد في الخبر أن امرأتين صامتا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأجهدهما الجوع والعطش من آخر النهار حتى كادتا أن تهلكا، فبعثتا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تستأذنانه في الإفطار.

فأرسل إليهما قدحا وقال قولوا لهما قيئا فيه ما أكلتما، فقاءت أحدهما نصفه دما عبيطا ولحما غريضا، وقاءت الأخري مثل ذلك حتى ملأناه، فعجب الناس من ذلك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هاتان صامتا وأفطرتا على ما حرم الله عليهما».

وقال عليه الصلاة والسلام: «إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يجهل، فإن امرؤ شاتمه فليقل إني صائم».

وفي الخبر: إن الصوم أمانة، فليحفظ أحدكم أمانته.

والصوفي الذي لا يرجع إلى معلوم، ولا يدري متى يساق إليه الرزق، فإذا ساق الله الرزق تناوله الأدب، وهو دائم المراقبة لوقته.

وهو في إفطاره أفضل من الذي له معلوم معد، فإن كان مع ذلك يصوم فقد أكمل الفضل.

__________

١) سورة المائدة: الآية ٤٢.

حكى عن رويم قال: اجتزت في المهاجرة ببعض سكك بغداد، فعطشت، فتقدمت إلى باب دار فاستسقيت فإذا جارية قد خرجت ومعها كوز جديد ملآن من الماء المبرد، فلما أردت أن أتناوله من يدها قالت: صوفي ويشرب بالنهار؟ وضربت بالكوز على الأرض وانصرفت.

قال رويم: فاستحيت من ذلك ونذرت ألا أفطر أبدا.

والجماعة الذين كرهوا دوام الصوم كرهوه لمكان أن النفس إذا ألقت الصوم وتعودته اشتد عليها الإفطار، وهكذا بتعودها الإفطار تكره الصوم، فيرون الفضل في ألا تركن النفس إلى عادة، ورأوا أن إفطار يوم وصوم يوم أشد على النفس.

ومن أدب الفقراء أن الواحد إذا كان بين جمع وفي صحبة جماعة لا يصوم إلا بإذنهم، وإنما كان ذلك لأن قلوب الجمع متعلقة بفطوره وهم على غير معلوم.

فإن صام بإذن الجمع وفتح عليهم بشيء لا يلزمهم ادخاره للصائم، مع العلم بأن الجمع المفطرين يحتاجون إلى ذلك، فإن الله تعالى يأتي للصائم برزقه، إلا أن يكون الصائم يحتاج إلى الرفق لضعف حاله أو ضعف بنيته لشيخوخة أو غير ذلك.

وهكذا الصائم لا يليق أن يأخذ نصيبه فيدخره، لأن ذلك من ضعف الحال، فإن كان ضعيفا يعترف بحاله وضعفه فيدخره.

والذي ذكرناه لأقوام هم على غير معلوم، فأما الصوفية المقيمون في رباط على معلوم فالأليق بحالهم الصيام، ولا يلزمهم موافقة الجمع مع الإفطار، وهذا يظهر في جمع منهم لهم معلوم يقدم لهم بالنهار.

فأما إذا كانوا على غير معلوم فقد قيل: مساعدة الصوام للمفطرين أحسن من استدعاء الموافقة من المفطرين للصوام.

وأمر القوم مبناه على الصدق، ومن الصدق افتقاد النية وأحوال النفس، فكل ما صحت النية فيه من الصوم والإفطار والموافقة وترك الموافقة هو الأفضل.

فأما من حيث السنة فمن يوافق له وجه إذا كان صائما وأفطر للموافقة، وإن صام ولم يوافق فله وجه.

فأما وجه من يفطر ويوافق فهو ما أخبرنا به أبو زرعة طاهر عن أبيه أبي الفضل الحافظ المقدسي.

قال أنا أبو الفضل محمد بن عبد الله قال أنا السيد أبو الحسن محمد بن الحسين العلوي قال أنا أبو بكر محمد بن حمدويه قال حدثنا عبد الله بن حماد قال حدثنا عبد اله بن صالح قال حدثني عطاء بن خالد عن حماد اب حميد عن محمد بن المنكدر عن أبي سعيد الخدري قال: اصطنعت لرسول الله صلى الله عليه وسلم «دعاكم أخوكم وتكلف لكم ثم تقول إني صائم، أفطر واقض يوما مكانه».

وأما وجه من لا يوافق فقد ورد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه أكلوا وبلال صائم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «نأكل رزقنا، ورزق بلال في الجنة».

فإذا علم أن هنالك قلبا يتأذي أو فضلي يرجي من موافقة من يغتنم موافقته يفطر بحسن النية لا بحكم الطبع وتقاضيه.

فإذا لم يجد هذا المعني لا ينبغي أن يلتبس عليه الشره وداعية النفس فليتم صومه. وقد تكون الإجابة لداعية النفس لا لقضاء حق أخيه.

ومن أحسن آداب الفقير الطالب أنه إذا أفطر وتناول الطعام ربما يجد باطنه متغيرا عن هيئته، ونفسه متثبطة عن أداء وظائف العبادة، فيعالج مزاج القب المتغير بإذهاب التغير عنه.

ويذيب الطعام بركعات يصليها أو بآيات يتلوها، أو بأذكار واستغفار يأتي به، فقد ورد في الخبر: أذيبوا طعامكم بالذكر.

ومن مهام آداب الصوم كتمانه مهما أمكن إلا أن يكون متمكنا من الإخلاص فلا يبالي ظهر أم بطن.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!