موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

كتاب عوارف المعارف

للشيخ الإمام شهاب الدين عمر السهروردي

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


الباب الثالث والأربعون في آداب الأكل

الباب الثالث والأربعون في آداب الأكل

فمن ذلك أن يبتدي بالملح ويختتم به.

روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لعلى رضي الله عنه: «يا على ابدأ طعامك بالملح واختم بالملح، فإن الملح شفاء من سبعين داء، منها الجنون والجذام والبرص ووجع البطن ووجع الأضراس».

وروت عائشة رضي الله عنها قالت: لدغ رسول الله صلى الله عليه وسلم في إبهامه من رجله اليسري لدغة فقال: «على بذلك الأبيض الذي يكون في العجيب».

فجئنا بملح فوضعه في كفه، ثم لعق منه ثلاث لعقات، ثم وضع بقيته على اللدغة فسكنت عنه.

ويستحب الاجتماع على الطعام، وهو سنة الصوفية في الربط وغيرها.

روي جابر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال «من أحب الطعام إلى الله تعالى ما كثرت عليه الأيدي».

وروي أنه قيل يا رسول الله: إنا نأكل ولا نشبع، قال «لعلكم تفترقون على طعامكم، اجتمعوا واذكروا اسم الله عليه يبارك لكم فيه». .

ومن عادة الصوفية الأكل على السفر، وهو سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

أخبرنا الشيخ أبو زرعة عن المقومي بإسناده إلى ابن ماجة الحافظ القزويني قال أنبأنا محمد بن المثني قال حدثنا معاذ بن هشام قال حدثنا أبي عن يونس بن الفرات عن قتادة عن أنس بن مالك قال: ما أكل رسول الله صلى الله عليه وسلم على خوان ولا في سكرجة. قال: فعلام كانوا يأكلون؟

قال: على السفر.

ويصغر اللقمة، وبجود الأكل بالمضغ، وينظر بين يديه، ولا يطالع وجوه الآكلين، ويقعد على رجله اليسري، وينصب اليمني، ويجلس جلسة التواضع غير متكئ ولا متعزز. نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأكل الرجل متكئا.

وروي أنه أهدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم شاة، فجثا رسول الله صلى الله عليه وسلم على ركبتيه يأكل.

فقال أعرابي: ما هذه الجلسة يا رسول الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله خلقني عبدا ولم يجعلني جبارا عنيدا».

ولا يبتدئ بالطعام حتى يبدأ المقدم أو الشيخ.

روي حذيفة قال: كنا إذا حضرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم طعاما لم يضع أحدنا يده حتى يبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ويأكل باليمين.

روي أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال «ليأكل أحدكم بيمينه، وليشرب بيمينه، وليأخذ بيمينه، وليعط بيمينه، وليعط بيمينه.

فإن الشيطان يأكل بشماله، ويشرب بشماله، ويأخذ بشماله، ويعطي بشماله».

وإن كان المأكول تمرا أو ماله عجم، لا يجمع من ذلك ما يرمي وما يؤكل على الطبق ولا في كفه، بل يضع ذلك على ظهر كفه من فيه ويرميه.

ولا يأكل من ذروة الثريد.

روي عبد الله بن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إذا وضع الطعام فخذوا من حاشيته وذروا وسطه، فإن البركة تنزل في وسطه».

ولا يعيب الطعام.

روي أبو هريرة رضي الله عنه قال: ما عاب رسول صلى الله عليه وسلم طعاما قط، إن اشتهاه أكله، وإلا تركه.

وإذا سقطت اللقمة يأكلها.

فقد روي أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال «إذا سقطت لقمة أحدكم فليمط عنها الأذي وليأكلها ولا يدعها للشيطان».

ويلعق أصابعه.

فقد روي جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال «إذا أكل أحدكم الطعام فليمتص أصابعه فإنه لا يدري في أي طعامه تكون البركة».

وهكذا أمر عليه السلام بإسلات القصعة، وهو مسحها من الطعام.

قال أنس رضي الله عنه: أمر رسول صلى الله عليه وسلم بإسلات القصعة.

ولا ينفخ في الطعام.

فقد روت عائشة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال «النفخ في الطعام يذهب بالبركة».

وروي عبد الله بن عباس أنه قال: لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم نفخ في طعام ولا في شراب.

ولا يتنفس في الإناء، فليس من الأدب ذلك.

والخل والبقل على السفرة من السنة. قيل إن الملائكة تحضر المائدة إذا كان عليها بقل.

روت أم سعد رضي الله عنها قالت: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على عائشة رضي الله عنها وأنا عندها فقال «هل من غداء؟

فقالت: عندنا خبز وتمر وخل، فقال عليه السلام: نعم الإدام الخل.

اللهم بارك في الخل فإنه كان إدام الأنبياء قبلي، ولم يفقر بيت فيه خل».

ولا يصب على الطعام، فهو من سيرة الأعاجم.

ولا يقطع اللحم والخبز بالسكين، ففيه نهي.

ولا يكف يده عن الطعام حتى يفرغ الجمع، فقد ورد عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «إذا وضعت المائدة فلا يقوم رجل حتى ترفع المائدة، ولا يرفع يده وإن شبع حتى يفرغ القوم وليتعلل، فإن الرجل يخجل جليسه فيقبض يده وعسي أن يكون له في الطعام حاجة».

وإذا وضع الخبز لا ينتظر غيره.

فقد روي أبو موسي الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أكرموا الخبز، فإن الله تعالى سخر لكم بركات السماء والأرض والحديد والبقر وابن آدم».

ومن أحسن الادب وأهمه ألا يأكل إلا بعد الجوع، ويمسك عن الطعام قبل الشبع.

فقد ري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم «ما ملأ آدمي وعاء شرا من بطنه».

ومن عادة الصوفية أن يلقم الخادم إذا لم يجلس مع القوم، وهو سنة.

روي أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم «إذا جاء أحدكم خادمه بطعام فإن لم يجلسه معه فليناوله أكلة أو أكلتين فإنه ولي حره ودخانه».

وإذا فرغ من الطعام تحمد الله تعالى.

روي أبو سعيد قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أكل طعاما قال «الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا وجعلنا مسلمين».

وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال «من أكل طعاما فقال «الحمد لله الذي أطعمني هذا ورزقنيه من غير حول مني ولا قوة غفر له ما تقدم من ذنبه».

ويتخلل، فقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم «تخللوا فإنه نظافة، والنظافة تدعو إلى الإيمان، والإيمان مع صاحبه في الجنة».

ويغسل يديه، فقد روي أبو هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من بات وفي يده غمر لم يغسل فأصابه شيء فلا يلومن إلا نفسه».

ومن السنة غسل الأيدي في طست واحد.

روي ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «اترعوا الطسوس وخالفوا المجوس».

ويستحب مسح العينين ببلل اليد.

روي أبو هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إذا توضأتم فأشربوا أعينكم الماء، ولا تنفضوا فإنها مراوح الشياطين، قيل لأبي هريرة في الوضوء وغيره؟ قال:

نعم في الوضوء وغيره.

وفي غسل اليد يأخذ الأسنان باليمين، وفي الخلال لا يزدر ما يخرج بالخلال من الأسنان. وأما ما يلوكه باللسان فلا بأس به.

ويجتنب التصنع في أكل الطعام، ويكون أكله بين الجمع كأكله منفردا، فإن الرياء يدخل في العبد في كل شيء.

وصف لبعض العلماء بعض العباد فلم يثن عليه، قيل له تعلم به بأسا؟ قال: نعم، رأيته يتصنع في الأكل، ومن تصنع في الأكل، لا يؤمن عليه التصنع في العمل.

وإن كان الطعام حلالا فليقل الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وتنزل البركات، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد.

اللهم أطعمنا طيبا، واستعملنا صالحا. وإن كان شبهة يقول: الحمد لله على كل حال، اللهم صل على محمد ولا تجعله عونا على معصيتك. وليكثر الاستغفار والحزن. ويبكي على أكل الشبهة ولا يضحك، فليس من يأكل وهو يبكي كمن يأكل وهو يضحك.

ويقرأ بعد الطعام قل هو الله أحد، ولإيلاف قريش.

ويجتنب الدخول على قوم في وقت أكلهم، فقد ورد «من مشي إلى طعام لم يدع إليه مش فاسقا وأكل حراما» وسمعنا لفظا آخر «دخل سارقا وخرج مغيرا» إلا أن يتفق دخوله على قوم يعلم منهم فرحهم بموافقته.

ويستحب أن يخرج الرجل مع ضيفه إلى باب الدار. ولا يخرج الضيف بغير إذن صاحب الدار، ويجتنب المضيف التكلف، إلا أن يكون له نية فيه من كثرة الإنفاق، ولا يفعل ذلك حياء وتكلفا.

وإذا أكل عند قوم طعاما فليقل عند فراغه إن كان بعد المغرب «أفطر عندكم الصائمون، وأكل طعامكم الأبرار، وصلت علىكم الملائكة».

وروي أيضا: علىكم صلاة قوم أبرار ليسوا بآثمين ولا فجار، يصلون بالليل ويصومون بالنهار. كان بعض الصحابة يقول ذلك.

ومن الأدب ألا يستحقر ما يقدم له من طعام.

وكان بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما ندري أيهم أعظم وزرا، الذي يحتقر ما يقدم إليه، أو الذي يحتقر ما عنده أن يقدمه.

ويكره أكل المباهاة، وما تكلفه للأعراس والتعازي، فما عمل للنوائح لا يؤكل، وما عمل للعزاء لا بأس به وما يجري مجراه.

وإذا علم الرجل من حال أخيه أنه يفرح بالانبساط إليه في التصرف في شيء من طعامه فلا حرج أن يأكل من طعامه بغير إذنه. قال الله تعالى: {أَوْ صَدِيقِكُمْ} (١).

قيل: دخل قوم على سفيان الثوري فلم يجدوه، ففتحوا الباب وأنزلوا السفرة وأكلوا، فدخل سفيان ففرح وقال: ذكرتموني أخلاق السلف، هكذا كانوا.

ومن دعي إلى طعام فالإجابة من السنة، وأؤكد ذلك الوليمة. وقد يتخلف بعض الناس عن الدعوة تكبرا وذلك خطأ، وإن عمل ذلك تصنعا ورياء فهو أقل من التكبر.

روي أن الحسن بن على مر بقوم من المساكين الذين يسألون الناس على الطرق، وقد نثروا كسرا على الأرض وهو على بغلته، فلما مر بهم سلم عليهم، فردوا عليه السلام وقالوا: هلم الغداء يا بن رسول الله.

فقال: نعم إن الله لا يحب المتكبرين، ثم ثني وركه، فنزل عن دابته وقعد معهم على الأرض وأقبل يأكل، ثم سلم عليهم وركب.

وكان يقال: الأكل مع الإخوان أفضل من الأكل مع العيال.

وروي أن هارون الرشيد دعا أبا معاوية الضرير وأمر أن يقدم له طعام فلما أكل صب الرشيد على يده في الطست.

فلما فرغ قال: يا أبا معاوية تدري من صب على يدك؟ قال: لا، قال: أمير المؤمنين، قال: يا أمير المؤمنين إنما أكرمت أهل العلم وأجللته فأجلك الله تعالى وأكرمك كما أكرمت العلم.

__________

١) سورة النور: آية ٦١.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!