موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

كتاب عوارف المعارف

للشيخ الإمام شهاب الدين عمر السهروردي

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


الباب الخامس والأربعون في ذكر فضل قيام الليل

الباب الخامس والأربعون في ذكر فضل قيام الليل

قال الله تعالى: {إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ أَمَنَةً مِنْهُ ويُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ ويُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ} (١) نزلت هذه الآية في المسلمين يوم بدر حيث نزلوا على كثيب من الرمل تسوخ فيه الأقدام وحوافر الدواب.

وسبقهم المشركون إلى ماء بدر العظمي وغلبوهم عليها، وأصبح المسلمون بين محدث وجنب، وأصابهم الظمأ، فوسوس لهم الشيطان أنكم تزعمون أنكم على الحق وفيكم نبي الله.

وقد غلب المشركون على الماء وأنتم تصلون محدثين ومجنبين فكيف ترجون الظفر عليهم، فأنزل الله تعالى مطرا من السماء سال منه الوادي، فشرب المسلمون منه واغتسلوا، وتوضئوا وسقوا الدواب وملئوا الأسقية، ولبد الأرض حتى ثبت به الأقدام.

قال الله تعالى: {ويُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدامَ (١١) إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَي الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ (١٢)} (٢) أمدهم الله تعالى بالملائكة حتى غلبوا المشركين.

و لكل آية من القرآن ظهر وبطن، وحد ومطلع، الله تعالى كما جعل النعاس رحمة وأمنة للصحابة خاصة في تلك الواقعة والحادثة، فهو رحمة نعم المؤمنين.

والنعاس قسم صالح من الأقسام العاجلة للمريدين، وهو أمنة لقلوبهم من منازعات النفس، لأن النفس بالنوم تستريح ولا تشكو الكلال والتعب، إذ في

__________

١) سورة الأنفال: آية ١١.

٢) سورة الأنفال: الآيتان ١١،١٢.

شكايتها وتعبها تكدير القلب، وباحترامها بالنوم بشرط العلم والاعتدال راحة القلب.

لما بين القلب والنفس من المواطأة عند طمأنينتها للمريدين السالكين، فقد قيل: ينبغي أن يكون ثلث الليل والنهار نوما حتى لا يضطرب الجسد، فيكون ثمان ساعات للنوم، ساعتان من ذلك يجعلهما المريد بالليل ويزيد في أحدهما وينقص من الآخر على قدر طول الليل وقصره في الشتاء والصيف.

وقد يكون بحسن الإرادة وصدق الطلب ينقص النوم عن قدر الثلث، ولا يضر ذلك إذا صار بالتدريج عادة. وقد يحمل ثقل السهر وقلة النوم وجود الروح والأنس، فإن النوم طبعه بارد رطث ينفع الجسد والدماغ، ويسكن من الحرارة واليبس الحادث في المزاج، فإن نقص عن الثلث يضر الدماغ ويخشي منه اضطراب الجسم، فإذا ناب عن النوم روح القلب وأنسه لا يضر نقصانه.

لأن طبيعة الروح والأنس باردة رطبة كطبيعة النوم، وقد تقصر مدة طول الليل بوجود الروح، فتصير بالروح أوقات الليل الطويلة كالقصيرة، كما يقال: سنة الوصل سنة، وسنة الهر سنة، فيقصر الليل لأهل الروح.

نقل عن على بن بكار أنه قال: منذ أربعين سنة ما أحزنني إلا طلوع الفجر.

وقيل لبعضهم: كيف أنت والليل؟ قال: ما راعيته قط يربني وجهه ثم ينصرف وما تأملته.

وقال أبو سليمان الداراني: أهل الليل في ليلهم أشد لذة من أهل اللهو في لهوهم.

وقال بعضهم: ليس في الدنيا شيء يشبه نعيم أهل الجنة إلا ما يجده أهل التملك في قلوبهم بالليل من حلاوة المناجاة ثواب عاجل لأهل الليل.

وقال بعض العارفين: إن الله تعالى يطلع على قلوب المستيقظين في الأسحار فيملؤها نورا، فترد الفوائد على قلوبهم فتستنير، ثم تنتشر من قلوبهم الفوائد إلى قلوب الغافلين.

وقد ورد أن الله تعالى أوحي في بعض ما أوحي إلى بعض أنبيائه: إن لي عبادا يحبوني وأحبهم، ويشتاقون إلى وأشتاق إليهم، ويذكروني وأذكرهم، وينظرون إلى وأنظر إليهم، فإن حذوت طريقهم أحببتك، وإن عدلت عن ذلك مقتك. قال: يا رب وما علامتهم؟

قال: يراعون الظلام بالنهار كما يراعي الراعي غنمه، ويحنون إلى غروب الشمس كما تحن الطير إلى أو كارها، فإذا جهنم الليل واختلط الظلام وخلا كل حبيب بحبيبه نصبوا لي أقدامهم، وافترشوا لي وجوههم، وناجوني بكلامي، وتملقوا إلى بإنعامي، فبين صارخ وباك، وبين متأوه وشاك، بعيني ما يتحملون من أجلي، وبسمعي ما يشتكون من حبي.

أول ما أعطيهم أن أقذف من نوري في قلوبهم، فيخبرون عني كما أخبر عنهم. والثاني لو كانت السموات السبع والأرضون وما فيهما في موازينهم لاستقللتها لهم. والثالث أقبل بوجهي عليهم، افتري من أقبلت بوجهي عليه أيعلم أحد ما أريد أن أعطيه؟.

فالصادق المريد إذا خلا ليله بمناجاة ربه انتشرت أنوار ليله على جميع أجزاء نهاره، ويصير نهاره في حماية ليله، وذلك لامتلاء قلبه بالأنوار، فتكون حركاته وتصاريفه بالنهار تصدر من منبع الأنوار المجتمعة من الليل، ويصير قالبه في قبة من قباب الحق مسددا حركاته، موفرة سكناته.

وقد ورد: من صلي بالليل حسن وجهه بالنهار، ويجوز أن يكون لمعنيين:

أحدهما: أن المشكاة تستنير بالمصباح، فإذا صار سراج اليقين في القلب يزهر بكثرة زيت العمل بالليل، فيزداد المصباح إشراقا، وتكتسب مشكاة القالب نورا وضياء.

كان يقول سهل بن بعد الله: اليقين نار، والإقرار فتيلة، والعمل زيت وقد قال الله تعالى: {سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ} (١).

وقال تعالى: {مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ} (٢).

فنور اليقين من نور الله في زجاجة القلب، يزداد ضياء بزيت العمل، فتبقي زجاجة القلب كالكوب الدري.

وتنعكس أنوار الزجاجة على مشكاة القالب. وأيضا يلين القلب بنار النور، ويسري لينه إلى القالب، فيلين القالب للين القلب، فيتشابهان لوجود اللين الذي عمهما. قال الله تعالى {ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وقُلُوبُهُمْ إِلي ذِكْرِ الله} (٣).

وصف الجلود باللين كما وصف القلوب باللين، فإذا امتلأ القلب بالنور، ولأن القالب بما يسري فيه من الأنس والسرور، يندرج الزمان والمكان في نور القلب، ويندرج فيه الكلم والآيات والسور، وتشرق الأرض أرض القالب بور ربها، إذ يصير القلب سماء، والقالب أرضا.

ولذة تلاوة كلام الله في محل المناجاة تستر كون الكائنات والكلام المجيد بكونه ينوب عن سائر الوجود في مزاحمة صفو الشهود، فلا يبقي حينئذ للنفس حديث، ولا يسمع للهاجس حسيس، وفي مثل هذه الحالة يتصور تلاوة القرآن من فاتحته إلى خاتمته من غير وسوسة وحديث نفس، وذلك هو الفضل العظيم.

__________

١) سورة الفتح: آية ٢٩.

٢) سورة النور: آية ٣٥.

٣) سورة الزمر: آية ٢٣.

الوجه الثاني لقوله عليه السلام: «من صلي بالليل حسن وجهة بالنهار» معناه أن وجوه أموره التي يتوجه إليها تسحن وتتداركه المعونة من الله الكريم في تصاريفه، ويكون معانا في مصدره ومورده، فيحسن وجه مقاصده وأفعاله، وينتظم في سلك السداد مسددا أقواله، لأن الأقوال تستقيم باستقامة القلب.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!