موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

كتاب عوارف المعارف

للشيخ الإمام شهاب الدين عمر السهروردي

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


الباب السادس والأربعون في ذكر الأسباب المعينة علي قيام الليل وأدب النوم

الباب السادس والأربعون في ذكر الأسباب المعينة على قيام الليل وأدب النوم

فمن ذلك أن العبد يستقبل الليل عند الغروب الشمس بتجديد الوضوء، ويقعد مستقبل القبلة منتظرا مجئ الليل وصلاة المغرب، مقيما في ذلك على أنواع الأذكار، ومن أولاها التسبيح والاستغفار. قال الله تعالى لنبيه: {واِسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ والْإِبْكارِ (٥٥)} (١).

ومن ذلك أن يواصل بين العشاء بالصلاة أو بالتلاوة أو بالذكر، وأفضل ذلك الصلاة، فإنه إذا واصل بين العشاءين ينغسل عن باطنه آثار الكدورة الحاثة في أوقات النهار، من رؤية الخلق ومخالطتهم، وسماع كلامهم.

فإن ذلك كله له أثر وخدش في القلوب، حتى النظر إليهم يعقب كدرا في القلب، يدركه من يرزق صفاء القلب، فيكون أثر النظر إلى الخلق للبصيرة كالقذي في العين للبصر. وبالمواصلة بين العشاءين يرجي ذهاب ذلك الأثر.

ومن ذلك ترك الحديث بعد العشاء الآخرة، فإن الحديث في ذلك الوقت يذهب طراوة النور الحادث في القلب من مواصلة العشاءين، ويقيد من قيام الليل.

سيما إذا كان عريا عن يقظة القلب. ثم تجديد الوضوء بعد العشاء الآخرة أيضا معين على قيام الليل.

حكى لي بعض الفقراء عن شيخ لي بخراسان أنه كان يغتسل في الليل ثلاث مرات، مرة بعد العشاء الآخرة، ومرة في أثناء الليل بعد الانتباه من النوم،

__________

١) سورة غافر: آية ٥٥.

ومرة قبل الصبح. فللوضوء والغسل بعد العشاء الآخرة أثر ظاهر في تيسير قيام الليل.

ومن ذلك التعود على الذكر أو القيام بالصلاة حتى يغلب النوم، فإن التعود على ذلك يعين على سرعة الانتباه، إلا أن يكون واثقا من نفسه وعادته، فيتعمل للنوم ويستجلبه ليقوم في وقته المعهود، وإلا فالنوم عن الغلبة هو الذي يصلح للمريدين والطالبين.

وبهذا وصف المحبون، قيل: نومهم نوم الغرقي، وأكلهم أكل المرضي، وكلامهم ضرورة، فمن نام عن غلبة بهم مجتمع بقيام الليل يوفق لقيام الليل، وإنما النفس إذا أطمعت ووطنت على النوم استرسلت فيه، وإذا أزعجت بصدق العزيمة لا تسترسل في الاستقرار، وهذا الانزعاج في النفس بصدق العزيمة هو التجافي الذي قال الله تعالى: {تَتَجافي جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ} (١).

لأن الهم بقيام الليل وصدق العزيمة يجعل بين الجنب والموضع نبوا وتجافيا.

وقد قيل: للنفس نظران، نظر إلى تحت لاستيفاء الأقسام البدنية، ونظر إلى فوق لاستيفاء الأقسام العلوية الروحانية.

فأرباب العزيمة تجافت جنوبهم عن المضاجع لنظرهم إلى فوق إلى الأقسام العلوية الرحمانية، فأعطوا النفوس حقها من النوم، ومنعوها حظها، فالنفس بما فيها مركوز من الترابية والجمادية ترسب وتستحلس وتستلذ النوم. قال الله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ} (٢).

__________

١) سورة السجدة: آية ١٦.

٢) سورة غافر: آية ٦٧.

وللآدمي بكل أصل من أصول خلقته طبيعة لازمة له، والرسوب صفة التراب، والكسل والتقاعد والتناوب بسبب ذلك طبيعة في الإنسان. فأرباب الهمة العلم الذين حكم الله تعالى لهم بالعلم في قوله تعالى: {أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِدًا وقائِمًا} (١). حتى قال قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ والَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} (٢).

حكم لهؤلاء الذين قاموا بالليل بالعلم، فهم لموضع علمهم أزعجوا النفوس عن مقار طبيعتها، ورقوها بالنظر إلى الذات الروحانية إلى ذري حقيقتها، فتجافت جنوبهم عن المضاجع، وخرجوا من صفة الغافل الهاجع.

ومن ذلك أن يغير العادة، فإن كان ذا وسادة يترك الوسادة، وإن كان ذا وطاء يترك الوطاء. وقد كان بعضهم يقول: لأن أري في بيتي شيطانا أحب إلى من أن أري وسادة، فإنها تدعوني إلى النوم.

ولتغير العادة في الوسادة والغطاء والوطاء تأثير في ذلك، ومن ترك شيئا من ذلك والله عالم بنيته وعزيمته يثيبه على ذلك بتيسير ما رام.

ومن ذلك خفة المعدة من الطعام، ثم تناول ما يأكل من الطعام إذا اقترن بذكر الله ويقظة الباطن أعان على قيام الليل، لأن بالذكر يذهب داؤه.

فإن وجد للطعام ثقلا على المعدي ينبغي أن يعلم أن ثقله على القلب أكثر، فلا ينام حتى يذيب الطعام بالذكر والتلاوة والاستغفار.

قال بعضهم: لأن أنقص من عشائي لقمة أحب إلى من أن أقوم ليلة.

والأحوط أن يوتر قبل النوم فإنه لا يدري ماذا يحدث، ويعد طهوره وسواكه عنده، ولا يدخل النوم إلا وهو على الطهارة.

__________

١) سورة الزمر: آية ٩.

٢) سورة الزمر: آية ٩.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إذا نام العبد وهو على الطهارة عرج بروحه إلى العرش فكانت رؤياه صادقة، وإن لم ينم على الطهارة قصرت روحه عن البلوغ فتكون المنامات أضغاث أحلام لا تصدق».

والمريد المتأمل إذا نام في الفراش مع الزوجة ينتقض وضوؤه باللمس، ولا يفوته بذلك فائدة النوم على الطهارة ما لم يسترسل في التذاذ النفس باللمس، ولا يعدم يقظة القلب.

فأما إذا استرسل في الالتذاذ وغفل فتنحجب الروح أيضا لمكان صلافته.

ومن الطهارة التي تثمر صدق الرؤيا طهارة الباطن عن خدش الهوي، وكدورة محبة الدنيا، والتنزه عن أنجاس الغل والحقد والحسد.

وقد ورد: من أوي إلى فراشه لا ينوي ظلم أحد ولا يحقد على أحد غفر له ما احترم.

وإذا طهرت النفس عن الرذائل انجلت مرآة القلب، وقابل اللوح المحفوظ في النوم، وانتقشت فيه عجائب الغيب وغرائب الأنباء. ففي الصديقين من يكون له في منامه مكالمة ومحادثة، فيأمره الله تعالى وينهاه، ويفهمه في المنام ويعرفه، ويكون موضع ما يفتح له في نومه من الأمر والنهي كالأمر والنهي الظاهر، يعصي الله تعالى إن أخلبها.

بل تكون هذه الأوامر آكد وأعظم وقعا، لأن المخالفات الظاهرة تمحوها التوبة، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له، وهذه أوامر خاصة تتعلق بحاله فيما بينه وبين الله تعالى.

فإذا أخل بها يخشي أن ينقطع عليه طريق الإرادة، ويكون في ذلك الرجوع عن الله واستيجاب مقام المقت، فإن ابتلي العبد في بعض الأحايين بكسل وفتور عزيمة يمنع من تجديد الطهارة عند النوم بعد الحدث يمسح

أعضاءه بالماء مسحا حتى يخرج بهذا القدر عن زمرة الغافلين حيث تقاعد عن فعل المتيقظين.

وهكذا إذا كسل عن القيام عقيب الانتباه يجتهد أن يستاك ويمسح أعضاءه بالماء مسحا حتى يخرج في تقلباته وانتباهاته عن زمرة الغافلين، ففي ذلك فضل كثير لمن كثر نومه وقل قيامه.

روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يستاك في كل ليلة مرارا عند كل نوم وعند الانتباه منه، ويستقبل القبلة في نومه. وهو على نوعين، فإما على جنبه الأيمن كالملحود.

وإما على ظهره مستقبلا للقبلة كالميت المسجي، ويقول: باسمك اللهم ربي وضعت جنبي وبك أرفعه، اللهم إن أمسكت نفسي فاغفر لها وارحمها.

وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين، اللهم إني أسلمت نفسي إليك، ووجهت وجهي إليك، وفوضت أمري إليك، لا ملجأ ولا منجي منك إلا إليك، آمنت بكتابك الذي أنزلت، ونبيك الذي أرسلت، اللهم قني عذابك يوم تبعث عبادك، الحمد لله الذي حكم فقهر، الحمد لله الذي بطن فحير، الحمد لله الذي ملك فقدر.

الحمد لله الذي هو يحيي الموتي وهو على كل شيء قدير، اللهم إني أعوذ بك من غضبك وسوء عقابك، وشر عبادك، وشر الشيطان وشركه.

ويقرأ خمس آيات من البقرة الأربع من الأول والآية الخامسة {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ والْأَرْضِ} (١).

وآية الكرسي، و {آمَنَ الرَّسُولُ} (٢).

و {إِنَّ رَبَّكُمُ الله} (٣).

__________

١) سورة البقرة: آية ١٦٤.

٢) سورة البقرة: آية ٢٨٥.

٣) سورة الأعراف: آية ٥٤.

و {قُلِ اُدْعُوا الله} (١).

وأول سورة الحديد، وآخر سورة الحشر:

و {قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ (١)} (٢).

و {قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ (١)} (٣) و المعوذتين، وينفث بهن في يديه، ويمسح بهما وجهه وجسده.

وإن أضاف إلى ما قرأ عشرا من أول الكهف، وعشرا من آخرها فحسن.

ويقول: اللهم أيقظني في أحب الساعات إليك، واستعملني بأحب الأعمال إليك التي تقربني إليك زلفي، وتبعدني من سخطك بعدا، أسألك فتعطيني، وأستغفرك فتغفر لي، وأدعوك فتستجيب لي، اللهم لا تؤمني مكرك، ولا تولني غيرك، ولا ترفع عني سترك، ولا تنسني ذكرك، ولا تجعلني من الغافلين.

ورد أن من قال هذه الكلمات بعث الله تعالى إليه ثلاثة أملاك يوقظونه للصلاة، فإن صلي ودعا أمنوا دعاءه، وإن لم يقم تعبدت الأملاك في الهواء.

وكتب لهم ثواب عبادتهم، ويسبح ويحمد ويكبر كل واحد ثلاثا وثلاثين، ويتمم المائة بلا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوت إلا بالله العلى العظيم.

__________

١) سورة الإسراء: آية ١١٠.

٢) سورة الكافرون: آية ١.

٣) سورة الإخلاص: آية ١.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!