موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

كتاب عوارف المعارف

للشيخ الإمام شهاب الدين عمر السهروردي

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


الباب الرابع والخمسون في أدب حقوق الصحبة والأخوة في الله تعالى

الباب الرابع والخمسون في أدب حقوق الصحبة والأخوة في الله تعالى

قال الله تعالى: {وتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ والتَّقْوى} (١)

وقال تعالى: {وتَواصَوْا بِالْحَقِّ وتَواصَوْا بِالصَّبْرِ} (٢)

وقال في وصف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم {أَشِدّاءُ عَلَي الْكُفّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ} (٣)

وكل هذه الآيات تنبيه من الله تعالى للعباد على آداب حقوق الصحبة.

فمن اختار صحبة أو أخوة فأدبه في أول ذلك أن يسلم نفسه وصاحبه إلى الله تعالى بالمسألة والدعاء والتضرع، ويسأل البركة في الصحبة، فإنه يفتح على نفسه بذلك إما بابا من أبواب الجنة، وإما بابا من أبواب النار.

فإن كان الله تعالى يفتح بينهما خيرا فهو باب من أبواب الجنة.

قال الله تعالى: {الْأَخِلاّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ الْمُتَّقِينَ} (٤)

وقيل: إن أحد الأخوين في الله تعالى يقال له ادخل الجنة، فيسأل عن منزل أخيه، فإن كان دونه لم يدخل الجنة حتى يعطي أخوة مثل منزله، فإن قيل له لم يكن يعمل مثل عملك.

فيقول إني كنت أعمل لي وله، فيعطي جميع ما يسأل لأخيه، ويرفع أخوه إلى درجته.

__________

١) سورة المائدة: آية رقم:٢.

٢) سورة العصر: آية رقم:٣.

٣) سورة الفتح: الآية ٢٩.

٤) سورة الزخرف: آية رقم:٦٧.

وإن فتح الله تعالى عليهما بالصحبة شرا فهو باب من أبواب النار.

قال الله تعالى: {ويَوْمَ يَعَضُّ الظّالِمُ عَلي يَدَيْهِ يَقُولُ يا لَيْتَنِي اِتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا يا وَيْلَتي لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلانًا خَلِيلًا (٢٨)} (١)

وإن كانت الأية وردت في قصة مشهورة ولكن الله تعالى نبه بذلك عباده على الحذر من كل خليل يقطع عن الله.

واختيار الصحبة والأخوة اتفاقا من غير نيه في ذلك.

وتثبت في أول الأمر شأن أرباب الغفلة الجاهلين بالنيات والمقاصد والمنافع والمضار.

وقد قال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما في كلام له: وهل يفسد الناس إلا الناس.

فالفساد بالصحبة متوقع، والصلاح متوقع، وما هذا سبيله كيف لا يحذر في أوله، ويحكم الأمر فيه بكثرة اللجوء إلى الله تعالى، وصدق الاختيار، وسؤال البركة والخيرة في ذلك، وتقديم صلاة الاستخارة.

ثم إن اختيار الصحبة والأخوة عمل، وكل عمل يحتاج إلى النية وإلي حسن الخائمة.

وقد قال عليه الصلاة والسلام في الخبر الطويل سبعة يظلهم الله تعالى فمنهم اثنان تحابا في الله، فعاشا على ذلك، وماتا عليه، إشارة إلى أن الأخوة والصحبة من شرطهما حسن الخائمة، حتى يكتب لهما ثواب المؤاخاة.

ومتى أفسد المؤاخاة بتضييع الحقوق فبها فسد العمل من الأول.

قيل: ما حسد الشيطان متعاونين على بر حسده متأخيين في الله متحابين فيه، فإنه يجهد نفسه ويحث قبيله على إفساد ما بينهما.

__________

١) سورة الفرقان: آية رقم:٢٧،٢٨.

وكان الفضيل بقول: إذا وقعت الغيبة ارتفعت الأخوة.

والأخوة في الله تعالى مواجهة، قال الله تعالى: {إِخْوانًا عَلي سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ (٤٧)} (١)

ومتى أضمر أحدهما للآخر سوءا أو كره منه شيئا ولم ينبهه عليه حتى يزيله أو يتسبب إلى إزالته منه، فما واجهه بل استدبره.

قال الجنيد رحمه الله: ما تواخي اثنان في الله واستوحش أحدهما من صاحبه إلا لعلة في أحدهما.

فالمؤاخاة في الله أصفي من الماء الزلال، وما كان لله فالله مطالب بالصفاء فيه، وكل ما صفا دام، والأصل في دوام صفائه عدم المخالفة.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تمار أخاك ولا تمازحه، ولا تعده موعدا فتخلفه قال أبو سعيد الخراز: صحبت الصوفية خمسين سنة ما وقع بيني وبينهم خلاف.

فقيل له: وكيف ذلك؟

قال: لأني كنت معهم على نفسي.

أخبرنا شيخنا أبو النجيب السهروردي إجازة، قال أنا عمر بن أحمد الصفار، قال أنا أبو بكر أحمد بن خلف، قال أنا أبو عبد الرحمن السلمي.

قال سمعت عبد الله الداراني قال سمعت أبا عمرو الدمشقي الرازي يقول سمعت أبا عبد الله بن الجلاء يقول وقد سأله رجل: على أي شرط أصحب الخلق؟ فقال: إن لم تبرهم فلا تؤذهم، وإن لم تسرهم فلا تسؤهم.

__________

١) سورة الحجر: آية رقم:٤٧.

وبهذا الاسناد قال أبو عبد الله: لا تضيع حق أخيك بما بينك وبينه من المودة والصداقة، فإن الله تعالى فرض لكل مؤمن حقوقا لم يضيعها إلا من لم يراع حقوق الله عليه.

ومن حقوق الصحبة: أنه إذا وقع فرقة ومباينة لا يذكر أخاه إلا بخير.

قيل: كان لبعضهم زوجة وكان يعلم منها ما يكرهه، فكان يقال له استخبارا عن حالها، فيقول: لا ينبغي للرجل أن يقول في أهله إلا خيرا، ففارقها وطلقها.

فاستخبر عن ذلك فقال: إمرأة بعدت عني وليس مني في شيء كيف أذكرها؟

وهذا من التخلق بأخلاق الله تعالى أنه سبحانه يظهر الجميل ويستر القبيح.

وإذا وجد من أحدهما ما يوجب التقاطع فهل ببغضه أولا؟

اختلف القول في ذلك.

كان أبو ذر يقول: إذا انقلب عما كان عليه أبغضه من حيث أحببته.

وقال غيره: لا يبغض الأخ بعد الصحبة، ولكن يبغض عمله. قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم {فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمّا تَعْمَلُونَ} (١) ولم يقل إني برئ منكم.

وقبل: كان شاب يلازم مجالس أبي الدرداء، وكان أبو الدرداء يميزه على غيره، فابتلي الشاب بكبيرة من الكبائر، وانتهي إلى أبي الدرداء ما كان منه.

__________

١) سورة الشعراء: الآية ٢١٦.

فقيل له: لو أبعدته وهجرته؟ فقال: سبحان الله، لا يترك الصاحب بشيء كان منه.

قيل: الصداقة لحمة كلحمة النسب.

وقيل لحكيم مرة: أيما أحب إليك؟ أخوك أو صديقك؟ فقال: إنما أحب أخي إذا كان صديقي.

وهذا الخلاف في المفارقة ظاهرا وباطنا.

وأما الملازمة باطنا إذا وقعت المباينة ظاهرا فتختلف باختلاف الأشخاص، ولا يطلق القول فيه إطلاقا من غير تفصيل.

فمن الناس من كان تغيره رجوعا عن الله، وظهور حكم سوء السابقة، فيجب بغضه وموافقة الحق فيه.

ومن الناس من كان تغيره عثرة حدثت وفترة وقعت يرجي عوده، فلا ينبغي أن يبغض، ولكن يبغض عمله في الحالة الحاضرة، ويلحظ بعين الود منتظرا له الفرج والعود إلى أوطان الصلح.

فقد ورد أن النبي عليه الصلاة والسلام لما شتم القوم الرجل الذي أتي بفاحشة قال: مه، وزجرهم بقوله ولا تكونوا عونا للشيطان على أخيكم.

وقال إبراهيم النخعي: لا تقطع أخاك ولا تهجره عند الذنب يذنبه، فإنه يركبه اليوم ويتركه عدا.

وفي الخبر: اتقوا زلة العلم ولا تقطعوه وانتظروا فيئته.

وروي أن عمر رضي الله عنه سأل عن أخ كان أخاه فخرج إلى الشام، فسأل عنه بعض من قدم عليه، فقال ما فعل أخي؟

فقال له: ذاك أخوه الشيطان، قال له: مه.

قال له: إنه قارف الكبائر حتى وقع في الخمر، فقال إذا أردت الخروج فآذني، قال فكتب إليه: {حم (١) تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ الله الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ غافِرِ الذَّنْبِ وقابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقابِ} (١)

ثم عاتبه تحت ذلك وعذله، فلما قرأ الكتاب بكي، فقال صدق الله تعالى ونصح عمر، فتاب ورجع.

وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأي ابن عمر يلتفت يمينا وشمالا فساله، فقال يا رسول الله آخيت رجلا فأنا أطلبه ولا أراه.

فقال يا عبد الله إذا آخيت أحدا فاسأله عن اسمه واسم أبيه وعن منزله، فإن كان مريضا عدته، وإن كان مشغولا أعنته.

وكان يقول ابن عباس رضي الله عنهما: ما اختلف رجل إلى مجلسي ثلاثا من غير حاجة تكون له فعملت ما مكافأته في الدنيا.

وكان يقول سعيد بن العاص: الجليس على ثلاث: إذا دنا رحبت به، وإذا حدث أقبلت عليه، وإذا جلس أوسعت له.

وعلامة خلوص المحبة لله تعالى أن لا يكون فيها شائبة حظ عاجل من رفق أو إحسان.

فإن ما كان معلولا يزول بزوال علته، ومن لا يستند في خلته إلى علة يحكم بدوام خلته.

ومن شرط الحب في الله إيثار الأخ بكل ما يقدر عليه من أمر الدين والدنيا، قال الله تعالى: {يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ ولا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ

__________

١) سورة غافرر: آية رقم:١،٢،٣.

حاجَةً مِمّا أُوتُوا ويُؤْثِرُونَ عَلي أَنْفُسِهِمْ ولَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ} (١) فقوله تعالى: {ولا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمّا أُوتُوا} (٢).

أي لا يحسدون إخوانهم على ما لهم، وهذان الوصفان بهما يكمل صفو المحبة، أحدهما انتزاع الحسد على شيء من أمر الدين والدنيا، والثاني: الإيثار بالمقدور.

وفي الخبر عن سيد البشر عليه الصلاة والسلاة المرء على دين خليله ولا خير لك في صحبة من لا يري لك مثل ما يري لنفسه.

وكان يقول أبو معاوية الأسود: إخواني كلهم خير مني، قيل:

وكيف ذاك؟ قال: كلهم يري لي الفضل عليه، ومن فضلني على نفسه فهو خير مني.

ولبعضهم نظما:

تذلل لمن إن تذللت له ... يري ذاك للفضل لا للبله

وجانب صداقة من لم يزل ... على الأصدقاء يري الفضل له

__________

١) سورة الحشر: آية رقم:٩.

٢) سورة الحشر: آية رقم:٩.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!