موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

كتاب عوارف المعارف

للشيخ الإمام شهاب الدين عمر السهروردي

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


الباب الخامس والخمسون في آداب الصحبة والأخوة

الباب الخامس والخمسون في آداب الصحبة والأخوة

سئل أبو حفص عن أدب الفقراء في الصحبة، فقال: حفظ حرمات المشايخ، وحسن العشرة مع الإخوان، والنصيحة للأصاغر، وترك صحبة من ليس في طبقتهم، وملازمة الإيثار، ومجانبة الادخار، والمعاونة في أمر الدين والدنيا.

فمن أدبهم التغافل عن زلل الإخوان، والنصح فيما يجب فيه النصيحة، وكتم عيب صاحبه واطلاعه على عيب يعلم منه.

قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: رحم الله امرءا أهدي إلى عيوبي.

وهذا فيه مصلحة كلية تكون للشخص ممن ينبهه على عيوبه.

قال جعفر بن برقان: قال لي ميمون بن مهران: قل لي في وجهي ما أكره، فإن الرجل لا ينصح أخاه حتى يقول له في وجهه ما يكره، فإن الصادق يحب من يصدقه، والكاذب لا يحب الناصح. قال الله تعالى: {ولكِنْ لا تُحِبُّونَ النّاصِحِينَ} (١) و النصيحة ما كانت في السر.

ومن أداب الصوفية القيام بخدمة الإخوان، واحتمال الأذي منهم، فبذلك يظهر جوهر الفقير.

روي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أمر بقلع ميزاب كان في دار العباس ابن عبد المطلب إلى الطريق بين الصفا والمروة.

فقال له العباس: قلعت ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وضعه بيده، فقال إذا لا يرده إلى مكانه غير يدك ولا يكون لك سلم غير عاتق عمر، فأقامه على عاتقه ورده إلى موضعه.

__________

١) سورة الأعراف: آية رقم:٧٩.

ومن أدبهم: أن لا يرون لنفسهم ملكا يختصون به.

قال إبراهيم بن شيبان: كنا لا نصحب من يقول نعلى.

أخبرنا بذلك رضي الدين عن أبي المظفر عن والده أبي القاسم القشيري قال سمعت أبا حاتم الصوفي قال سمعت أبا نصر السراج يقول ذلك.

وقال أحمد بن التسلانسي: دخلت على قوم من الفقراء يوما بالبصرة فأكرموني وبجلوني، فقلت يوما ليعضهم: أين إزاري؟ فسقطت من أعينهم.

وكان إبراهيم بن أدهم إذا صحبه إنسان شارطه على ثلاثة أشياء:

أن تكون الخدمة والأذان له.

وأن تكون يده في جميع ما يفتح الله عليهم من الدنيا كيده.

فقال رجل من أصحابه: أنا لا أقدر على هذا.

فقال: أعجيني صدقك.

وكان إبراهيم بن أدهم ينظر البساتين، ويعمل في الحصاد، وينفق على أصحابه.

وكان من أخلاق السلف أن كل من احتاج إلى شيء من مال أخيه استعمله من غير مؤامرة. قال الله تعالى: {وأَمْرُهُمْ شُوري بَيْنَهُمْ} (١) أي مشاع هم فيه سواء.

ومن أدبهم أنهم إذا استثقلوا صاحبا يتهمون أنفسهم، ويتسببون في إزالة ذلك من مواطنهم، لأن انطواء الضمير على مثل ذلك للمصاحب وليجة في الصحبة.

__________

١) سورة الشوري: آية رقم:٣٨.

قال أبو بكر الكتاني: صحبني رجل وكان على قلبي ثقيلا، فوهبت له شيئا بنية أن يزول ثقله من قلبي، فلم يزل، فخلوت به يوما وقلت له:

ضع رجلك على خدي، فأبي، فقلت له: لابد من ذلك، ففعل ذلك، فزال ما كنت أجده في باطني.

قال الرقي: قصدت من الشام إلى الحجاز حتى سألت الكتاني عن هذه الحكاية.

ومن أدبهم: تقديم من يعرفون فضله، والتوسع له في المجلس والإيثار بالموضع.

روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان جالسا في صفة ضيقة، فجاءه قوم من البدريين فلم يجدوا موضعا يجلسون فيه، فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم من لم يكن من أهل بدر، فجلسوا مكانهم، فاشتد ذلك عليهم، فأنزل الله تعالى: {وإِذا قِيلَ اُنْشُزُوا فَانْشُزُوا} (١) الآية.

وحكى أن على بن بندار الصوفي ورد على أبي عبد الله بن خفيف زائرا، فتماشيا، فقال له أبو عبد الله: تقدم، فقال: بأي عذر؟ فقال: بأنك لقيت الجنيد وما لقيته.

ومن أدبهم: ترك صحبة من همة شيء من فضول الدنيا. قال الله تعال: {فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلّي عَنْ ذِكْرِنا ولَمْ يُرِدْ إِلاَّ الْحَياةَ الدُّنْيا} (٢).

ومن أدبهم: بذل الإنصاف للإخوان، وترك مطالبة الإنصاف.

قال أبو عثمان عثمان الحيري: حق الصحبة أن توسع على أخيك من مالك، ولا تطمع في ماله، وتنصفه من نفسك، ولا تطلب منه الإنصاف منه،

__________

١) سورة المجادلة: آية رقم:١١.

٢) سورة النجم: آية رقم:٢٩.

وتكون تبعا له، ولا تطمع أن يكون تبعا لك، وتسكثر ما يصل إليك منه، وتستقل ما يصل إليه منك.

ومن أدبهم في الصحبة: لين الجانب، وترك ظهور النفس بالصولة.

قال أبو على الروذباري: الصولة على من فوقك قحة، وعلى من مثلك سوء أدب، وعلى من دونك عجز.

ومن أدبهم: أن يجري في كلامهم لو كان كذا لم يكن كذا، وليت كان كذا، وعسي أن يكون كذا، فإنهم يرون هذه التقديرات عليه اعتراضا.

ومن أدبهم في الصحبة: حذر المفارقة، والحرص على الملازمة.

قيل: صحب رجل رجلا ثم أراد المفارقة، فاستأذن صاحبه، فقال:

بشرط أن لا تصحب أحدا إلا إذا كان فوقنا، وإن كان فوقنا أيضا فلا تصحبه، لأنك صحبتنا أولا، فقال الرجل: زال عن قلبي نية المفارقة.

ومن أدبهم: التعطف على الأصاغر.

قيل: كان إبراهيم بن أدهم يعمل في الحصاد، ويطعم الأصحاب، وكانوا يجتمعون بالليل وهم صيام، وربما كا، يتأخر في بعض الأيام في العمل، فقالوت ليلة: تعالوا نأكل فطورنا دونه حتى يعود بعد هذا يسرع، فأفطروا وناموا.

فرجع إبراهيم فوجدهم نياما، فقال: مساكين لعلهم لم يكن لهم طعام، فعمد إلى شيء من الدقيق فعجنه، فانتبهوا وهو ينفخ في النار واضعا محاسنه على التراب، فقالوا له في ذلك، فقال: لعلكم لم تجدوا فطورا فنمتم، فقالوا: انظروا بأي شيء عاملناه، وبأي شيء يعاملنا.

ومن أدبهم: أن لا يقولوا عند الدعاء إلى أين؟ ولم؟ وبأي سبب؟

قال بعض العلماء: إذا قال الرجل للصاحب قم بنا فقال إلى أين، فلا تصحبه.

وقال آخر: من قال لأخيه اعطني من مالك، فقال كم تريد، ما قام بحق الإخاء.

وقد قال الشاعر:

لا يسألون أخاهم حين يندبهم ... للنائبات على ما قال برهان

ومن أدبهم: أن لا يتكلفوا للإخوان.

قيل: لما ورد أبو حفص العراق تكلف له الجنيد أنواعا من الأطعمة فأنكر ذلك أبو حفص وقال: صير أصحابي مثل المخانيث يقدم لهم الألوان.

والفتوة عندنا ترك التكلف، وإحضار ما حضر، فإن التكلف ربما يؤثر مفارقة الضيف، وبترك التكلف يستوي مقامه وذهابه.

ومن أدبهم في الصحبة: المداراة، وترك المداهنة، وتشبه المداراة بالمداهنة، والفرق بينهما أن المداراة ما أردت به صلاح أخيك، فداريته لرجاء صلاحه، واحتملت منه ما تكره، والمداهنة ما قصدت به شيئا من الهوي من طلب حظ أو إقامة جاه.

ومن أدبهم في الصحبة: رعاية الاعتدال بين الانقباض والانبساط.

نقل عن الشافعي رحمه الله أنه قال: الانقباض عن الناس مكسبه لعداوتهم، والانبساط إليهم مجلبة لقرناء السوء، فكن بين المنقبض والمنبسط.

ومن أدبهم: ستر عورات الإخوان.

قال عيسي عليه السلام لأصحابه: كيف تصنعون إذا رأيتم أخاكم نائما فكشف الريح عنه ثوبه؟ قالوا: نستره ونغطيه.

فقال: بل تكشفون عورته، قالوا: سبحان الله من يفعل هذا؟

قال: أحدكم يسمع في أخيه بالكلمة فيزيد عليها ويشيعها بأعظم منها.

ومن أدبهم: الاستغفار للإخوان بظهر الغيب، والاهتمام لهم مع الله تعالى في دفع المكاره عنهم.

حكى أن أخوين ابتلي أحدهما بهوي، فأظهر عليه أخاه، فقال: إني ابتليت بهوي فإن شئت أن لا تعقد على محبتي له فافعل.

فقال: ما كنت لأحل عقد إخائك لأجل خطيئتك، وعقد بينه وبين الله عقدا أن لا يأكل ولا يشرب حتى يعافيه الله تعالى من هواه، وطوي أربعين بوما كلما يسأله عن هواه يقول: ما زال، فبعد الأربعين أخبره أن الهوي قد زال، فأكل وشرب.

ومن أدبهم: أن لا يحوجوا صاحبهم إلى المداراة، ولا يلجئوه إلى الاعتذار، ولا يتكلفوا للصاحب ما يشق عليه، بل يكونوا للصاحب من حيث هو مؤثرين مراد الصاحب على مراد أنفسهم.

قال على بن أبي طالب كرم الله وجهه: شر الأصدقاء من أحوجك إلى مداراة، أو ألجأك إلى اعتذار، وتكلف له.

وقال جعفر الصادق: أثقل إخواني على من يتكلف لي وأنحفظ منه، وأخفهم على قلبي من أكون معه كما أكون وحدي.

فآداب الصحبة وحقوق الأخوة كثيرة، والحكايات في ذلك يطول نقلها.

وقد رأيت في كتاب الشيخ أبي طالب المكي رحمه الله من الحكايات في هذا المعني شيئا كثيرا، فقد أودع كتابة كل شيء حسن من ذلك.

وحاصل الجميع: أن العبد ينبغي له أن يكون لمولاه، ويريد كل ما يريد لمولاه لا لنفسه، وإذا صاحب شخصا تكون صحبته إياه لله تعالى.

وإذا صحبه لله تعالى يجتهد له في كل شيء يزيده عند الله زلفي، وكل من قام بحقوق الله تعالى يرزقه الله تعالى علما بمعرفة النفس وعيوبها، ويعرفه محاسن الأخلاق ومحاسن الآداب، ويوقفه من أداء الحقوق على بصيرة، ويفقهه في ذلك كله.

ولا يفوته شيء مما يحتاج إليه فيما يرجع إلى حقوق الحق، وفيما يرجع إلى حقوق الخلق.

لكل تقصير وجد، من خبث النفس وعدم تزكيتها، وبقاء صفاتها عليه، فإن صحبت ظلمت بالإفراط تارة، وبالتفريط أخري، وتعدت الواجب فيما يرجع إلى الحق والخلق، والحكايات والمواعظ والآداب وسماعها لا يعمل في النفس زيادة تأثير، ويكون كبئر يقلب فيه الماء من فوق فلا يمكث فيه ولا ينتفع به.

وإذا أخذت بالتقوى والزهد في الدنيا نبع منها ماء الحياء، وتفقهت وعلمت، وأدت الحقوق، وقامت بواجب الآداب، بتوفيق الله سبحانه وتعالى.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!