موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

كتاب عوارف المعارف

للشيخ الإمام شهاب الدين عمر السهروردي

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


الباب السابع والخمسون في معرفة الخواطر وتفصيلها وتمييزه

الباب السابع والخمسون في معرفة الخواطر وتفصيلها وتمييزه

أخبرنا شيخنا أبو النجيب السهروردي، قال أخبرنا أبو الفتح الهروي، قال أنا أبو نصر الترياقي، قال أنا أبو محمد الجراحي، قال أنا أبو العبس المحبوبي، قال أنا أبو عيسي الترمذي، قال أنا أبو هناد.

قال أنا أبو الأحوص، عن عطاء بن السائب، عن مرة الهمداني، عن عبد الله بن معود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن للشيطان لمة بابن آدم، وللملك لمة، فأما لمة الشيطان فإيعاد بالشر وتكذيب بالحق، وأما لمة الملك فإيعاد بالخير وتصديق بالحق، فمن وجد ذلك فليعلم أنه من الله فليحمد الله، ومن وجد الأخري فليتعوذ بالله من الشيطان ثم قرأ: {الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ ويَامُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ} (١)

وإنما يتطلع إلى معرفة اللمتين وتمييز الخواطر طالب مريد يتشوف إلى ذلك تشوف العطشان إلى الماء، لما يعلم من وقع ذلك وخطره وفلاحه، وصلاحه وفساده، ويكون ذلك عبدا مرادا بالخطوة بصفو اليقين ومنح الموقنين.

وأكثر التشوف إلى ذلك للمقربين ومن أخذ به في طريقهم، ومن أخذ في طريق الأبرار قد يتشوف إلى ذلك بعض التشوف.

لأن التشوف إليه يكون على قدر الهمة والطلب والإرادة والحظ من الله الكريم، ومن هو في مقام عامة المؤمنين والمسلمين لا يتطلع إلى معرفة اللمتين ولا يهتم بتمييز الخواطر.

__________

١) سورة البقرة: آية رقم:٢٦٨.

ومن الخواطر ما هي رسل الله تعالى إلى العبد كما قال بعضهم: لي قلب إن عصيته عصيت الله، وهذا حال عبد استقام قلبه، واستقامة القلب لطمأنينة النفس، وفي طمأنينة النفس يأس الشيطان، لأن النفس كلما تحركت كدرت صفو القلب.

وإذا تكدر طمع الشيطان وقرب منه، لأن صفاء القلب محفوف بالتذكر والرعاية، وللذكر نور يتقيه الشيطان كاتقاء أحدنا النار.

وقد ورد في الخبر إن الشيطان جاثم على قلب ابن آدم، فإذا ذكر الله تولي وخنس، وإذا غفل التقم قلبه فحدثه ومناه.

وقال الله تعالى: {ومَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ} (١).

وقال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ اِتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ (٢٠١)} (٢).

فالتقوى وجود خالص الذكر، وبها ينفتح بابه، ولا يزال العبد يتقي حتى يحمي الجوارح من المكاره، ثم يحميها من الفضول وما لا يعنيه.

فتصير أقواله وأفعاله ضرورة، ثم تنتقل إلى باطنه، ويظهر الباطن ويقيده عن المكاره، ثم من الفضول حتى يتقي حديث النفس.

قال سهل بن عبد الله: أسوأ المعاصي حديث النفس، ويري الإصغاء إلى ما تحدث به النفس ذنبا فيتقيه، ويتقد القلب عند هذا الاتقاء بالذكر اتقاد الكواكب في كبد السماء، ويصير القلب سماء محفوظا بزينة كواكب الذكر.

__________

١) سورة الزخرف: آية رقم:٣٦.

٢) سورة الأعراف: آية رقم:٢٠١.

فإذا صار كذلك بعد الشيطان، ومثل هذا العبد يندر في حقه الخواطر الشيطانية، ولما ويكون له خواطر النفس، ويحتاج إلى أن يتقيها ويميزها بالعلم، لأن منها خواطر لا يضر إمضاؤها، كمطالبات النفس بحاجاتها، وحاجاتها تنقسم إلى الحقوق والحظوظ، ويتعين التمييز عند ذلك واتهام النفس بمطالبات الحظوظ. قال الله تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} (١) أي فتثبتوا.

وسبب نزول الآية الوليد بن عقبة، حيث بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بني المصطلق، فكذب عليهم ونبهم إلى الكفر والعصيان، حتى هم رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتالهم، ثم بعث خالدا إليهم، فسمع أذن المغرب والعشاء، ورأي ما يدل على كذب الوليد بن عقبة. فأنزل الله الآية في ذلك. فظاهر الآية وسبب نزولها ظاهر، وصار ذلك تنبيها من الله عباده على التثبت في الأمور.

قال سهل: في هذا الآية: الفاسق الكذاب، والكذب صفة النفس، لأنها تملي أشياء وتسول أشياء على غير حقائقها، فتعين التثبت عند خاطرها وإلقائها.

فيجعل العبد خاطر النفس نبأ يوجب التثبت، ولا يسنفزه الطبع، ولا يتعجله الهوي، فقد قال بعضهم: أدني الأدب أن تقف عند الجهل، وآخر الأدب أن تقف عند الشبهة. ومن الأدب عند الاشتباه إنزال الخاطر بمحرك النفس وخالقها وبارئها وفاطرها، وإظهار الفقر والفاقة إليه، والاعتراف بالجهل، وطلب المعرفة والمعونة منه.

فإنه إذا أتي بهذا الأدب يغاث ويعان، ويتبين له هل الخاطر لطلب حظ أو طلب حق، فإن كان للحق أمضاه، وإن كان للحظ نفاه.

__________

١) سورة الحجرات: آية رقم:٦.

وهذا التوقف إذا لم يتبين له الخاطر بظاهر العلم، لأن الافتقار إلى باطن العلم عند فقد الدليل في ظاهر العلم. ثم من الناس من لا يسعه في صحته إلا الوقوف على الحق دون الحظ، وإن أمضي خاطر الحظ يصير ذلك ذنب حاله، فيستغفر منه كما يستغفر من الذنوب.

ومن الناس من يدخل في تناول الحظ، ويمضي خاطره بمزيد علم لديه من الله، وهو علم السعة لعبد مأذون له في السعة، عالم بالإذن، فيمضي خاطر الحظ.

والمراد بذلك على بصيرة من أمره، يحسن به ذلك ويليق به، عالم بزيادته ونقصانه، عالم بحاله، محكم لعلم الحال وعلم القيم، لا يقاس على حاله، ولا يدخل فيه بالتقليد، لأنه أمر خاص لعبد خاص.

وإذا كان شأن العبد تمييز خواطر النفس في مقام تخلصه من لمات الشيطان، تكثر لديه خواطر الحق وخواطر الملك، وتصير الخواطر الأربعة في حقه ثلاثا، ويسقط خطر الشيطان إلا نادرا لضيق مكانه من النفس.

لأن الشيطان يدخل بطريق اتساع النفس، واتساع النفس باتباع الهوي والاخلاد إلى الأرض، ومن ضايق النفس على التمييز بين الحق والحظ ضاقت نفسه، وسقط محل الشيطان إلا نادرا لدخول الابتلاء عليه.

ثم من المرادين المتعلقين بمقام المقربين من إذا صار قلبه سماء مزينا بزينة كوكب الذكر، يصير قلبه سماويا يترقي ويعرج بباطنه ومعناه وحقيقته في طبقات السموات.

وكلما تترقي تتضاءل النفس المطمئنة، وتبعد عنه خواطرها، حتى يجاوز السموات بعروج باطنه.

كما كان ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم بظاهره وقلبه، فإذا استكمل العروج تنقطع عنه خواطر النفس، لتستره بأموار القرب، وبعد النفس عنه، وعند ذلك تنقطع عنه خواطر الحق أيضا.

لأن الخاطر رسول، والرسلة إلى من بعد، وهذا قريب، وهذا الذي وصفناه نازل ينزل به ولا يدوم، بل يعود في هبوطه إلى منازل مطالبات النفس وخواطره، فتعود إليه خواطر الحق وخواطر الملك.

وذلك أن الخواطر تستدعي وجودا، وما أشرنا إليه حال الفناء ولا خاطر فيه، وخاطر الحق انتفي لمكان القرب، وخاطر النفس بعد عنه لبعد النفس، وخاطر الملك تخلف عنه كتخلف جبريل في ليلة المعراج عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: لو دنوت أنملة لا حترقت.

قال محمد بن على الترمذي: المحدث والمكلم: إذا تحققا في درجتهما لم يخافا من حديث النفس.

فكما أن النبوة محفوظة من إلقاء الشيطان، كذلك محل المكالمة والمحادثة محفوظ من إلقاء لنفس وفتنتها، ومحروس بالحق والسكينة، لأن السكينة حجاب المكلم والمحدث مع نفسه.

وسمعت الشيخ أبا محمد بن عبد الله البصري بالبصرة يقول: الخواطر أربعة: خاطر من النفس، وخاطر من الحق، وخاطر من الشيطان، وخاطر من الملك، فأما الذي من النفس فيحس به من أرض القلب، والذي من الحق من فوق القلب، والذي من الملك عن يمين القلب، والذي من الشيطان عن يسر القلب.

والذي ذكرناه إنما يصح لعبد أذاب نفسه بالتقوى والزهد، وتصفي وجوده وستقام ظاهره وبطنه، فيكون قلبه كالمرآة المجلوة لا يأتيه

الشيطان من ناحية إلا ويبصره، فإذا اسود القلب وعلاه الرين لا يبصر الشيطان.

روي عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إن العبد إذا أذنب نكت في قلبه نكتة سوداء، فإن هو نزع واستغفر وتاب صقل، وإن عاد زيد فيه حتى تعلو قلبه قال الله تعالى: {كَلاّ بَلْ رانَ عَلي قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ (١٤)} (١).

سمعت بعض العارفين يقول كلاما دقيقا كوشف به فقال: الحديث في باطن الإنسان، والخيال الذي تراءي لباطنه وتخيل بين القلب وصفاء الذكر هو من القلب وليس هو من النفس.

وهذا بخلاف ما قرر، فسألته عن ذلك، فذكر أن بين القلب والنفس منازعات ومحادثات، وتألف وتودد، وكلما انطلقت النفس في شيء يهواها من القول والفعل تأثر القلب بذلك وتكدر.

فإذا عاد العبد من مواطن النفس، وقبل على ذكره ومحل مناجاته وخدمته لله تعالى، أقبل القلب بالمعاتبة للنفس، وذكر النفس شيئا شيئا من فعلها وقولها، كاللائم للنفس والمعاتب لها على ذلك، فإذا كان الخاطر أول الفعل ومفتتحه فمعرفته من هم شأن العبد، لأن لأفعال من الخواطر تنشأ، حتى ذهب بعض العلماء إلى أن العلم المفترض طلبه بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم طلب العلم فريضة على كل مسلم هو علم الخواطر، قال: لأنها أول الفعل، وبفسادها فساد فعل، وهذا لعمري لا يتوجه، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوجب ذلك على كل مسلم، وليس كل المسلمين عندهم من القريحة والمعرفة ما يعرفون به ذلك، ولكن يعلم الطالب أن الخواطر بمثابة البذر، فمنها ما هو بذر السعادة، ومنها ما هو بذر الشقاوة.

__________

١) سورة المطففين: آية رقم:١٤.

وسبب اشتباه الخواطر أحد أربعة أشياء لا خامس لها.

إما ضعف اليقين، أو قلة العلم بمعرفة صفات لنفس وأخلاقها، ومتابعة الهوي بخرم قوعد التقوى، أو محبة الدنيا جاهها ومالها، وطلب الرفعة ومنزلة عند الناس، فمن عصم عن هذه لأربعة يفرق بين لمة الملك ولمة الشيطن، ومن ابتلي بها لا يعلمها ولا يطلبها. وانكشاف بعض الخوطر دون البعض لوجود بعض هذه الأربعة دون البعض. وأقوم النس بتمييز الخوطر أقومهم بمعرفة النفس، ومعرفتها صعبة المنال، لا تكاد تتيسر إلا بعد الاستقصاء في الزهد والتقوى.

واتفق المشايخ على أن من كان أكله من الحرام لا يفرق بين الإلهام والوسوسة.

وقال أبو على الدقاق: من كان قوته معلوم لا يفرق بين الإلهام والوسوسة.

وهذا لا يصح على الإطلاق إلا بقيد، وذلك أن من المعلوم ما يقسمه الحق سبحانه وتعالى لعبد بإذن يسبق إليه في لأخذ منه والتقوت به. ومثل هذا المعلوم لا يحجب عن تمييز الخواطر، إنما ذلك يقال في حق من دخل في معلوم باختيار منه وإيثار، لأنه ينحجب لموضع اختياره، والذي أشرنا إليه منسلخ من إرادته فلا يحجبه المعلوم.

وفرقوا بين هواجس النفس ووسوسة الشيطان، وقالوا إن النفس تطالب وتلح فلا تزال كذلك حتى تصل إلى مرادها، والشيطان إذا دعا إلى زلة ولم يجب يوسوس بأخري، إذ لا غرض له في تخصيص بل مراده الإغواء كيفما أمكنه.

وتكلم الشيوخ في الخاطرين إذا كانا من الحق أيهما يتبع.

قال الجنيد: الخاطر الأول لأنه إذا بقي رجع صاحبه إلى التأمل، وهذا شرط العلم.

وقال بن عطاء: الثاني أقوي لأنه ازداد قوة بالأول.

و قل أبو عبد الله بن خفيف: هما سوء، لأنهما من الحق، فلا مزية لأحدهما على الآخر.

قالوا: الواردات أعم من الخواطر، لأن الخواطر تختص بنوع خطاب ومطالبة، والواردات تكون تارة خوطر، وتارة تكون وارد سرور، ووارد حزن، ووارد قبض، ووارد بسط.

وقيل: بنور التوحيد يقبل الخاطر من لله تعالى، وبنور المعرفة يقبل من الملك، وبنور الإيمان ينهي لنفس، وبنور الإسلام يرد على العدو.

ومن قصر عن درك حقائق الزهد، وتطلع إلى تمييز الخوطر، يزن الخاطر أولا بميزان الشرع، فما كان من ذلك نفلا أو فرضا يمضيه، وما كان من ذلك محرما أو مكروها ينفيه، فإن استوي الخاطر أن في نظر العلم ينفذ أقربهما إلى مخالفة هوي النفس، فإن النفس قد يكون لها هوي كامن من أحدهما، والغالب من شأن النفس الاعوجاج والركون إلى الدون.

وقد يلم الخاطر بنشاط لنفس، والعبد يظن أنه بنهوض القلب، وقد يكون من القلب نفاق بسكونه إلى النفس.

يقول بعضهم: منذ عشرين سنة ما سكن قلبي إلى نفسي ساعة.

فيظهر من سكون القلب إلى النفس خواطرا الحق على من يكون ضعيف العلم، فلا يدرك نفاق القلب والخواطر المتولدة منه إلا العلماء الراسخون، وأكثر ما تدخل الآفات على أرباب القلوب والآخذين من اليقين

واليقظة والحال بسهم من هذا القبيل، وذلك لقلقة العلم بالنفس والقلب، وبقاء نصيب الهوي فيهم.

وينبغي أن يعلم العبد قطعا أنه مهما بقي عليه أثر من الهوي وإن دق وقل، يبقي عليه بحسبه بقية من اشتباه الخواطر. ثم قد يغلط في تمييز الخواطر من هو قليل العلم، ولا يؤاخذ بذلك، ما لم يكن عليه من الشرع مطالبة، وقد لا يسامح بذلك بعض الغالطين لما كوشفوا به من دقيق الخفاء في التمييز، ثم استعجالهم مع علمهم وقلة التثبت.

وذكر بعض العلماء أن لمة الملك ولمة الشيطان وجدتا لحركة النفس والروح، وأن النفس إذا تحركت انقدح من جوهرها ظلمة تنكت في القلب همة سوء، فينظر الشيطان إلى القلب فيقبل بالإغوء والوسوسة.

وذكر أن حركة النفس تكون إما هوي وهو عاجل حظ النفس، أو أمنية وهي عن الجهل الغريزي، أو دعوي حركة أو سكون، وهي آفة العقل ومحنة القلب، ولا ترد هذه الثلاثة إلا بأحد ثلاثة: جهل، أو غفلة، أو طلب فضول، ثم يكون من هذه الثلاثة ما يحب نفيه، فإنها ترد بخلاف مأمور، أو على وفق منهي. ومنها ما يكون نفيها فضيلة إذا وردت بمباحات.

وذكر أن الروح إذا تحركت انقدح من جوهرها نور ساطع، يظهر من ذلك النور في القلب همة عالية بأحد معان ثلاثة: إما بفرض أمر به، أو بفضل ندب إليه، وإما بمباح يعود صلاحه إليه.

وهذا الكلام يدل على أن حركتي الروح والنفس هما الموجبتان للمتين.

وعندي والله أعلم أن اللمتين يتقدمان على حركة الروح والنفس، فحركة الروح من لمة الملك، والهمة العالية من حركة الروح، وهذه

الحركة من الروح ببركة لمة الملك، وحركة النفس من لمة الشيطان، ومن حركة النفس الهمة الدنيئة، وهي من شؤم لمة الشيطان.

فإذا وردت اللمتان ظهرت الحركتان وظهر سر العطاء والابتلاء من معط كريم ومبل حكيم. وقد تكون هاتان اللمتان متداركتين وينمحي أثر أحدهما بالأخري والمتفطن المتيقظ ينفتح عليه بمطالعة وجود هذه الآثار في ذاته باب أنس، ويبقي أبدا متفقدا حاله مطالعا آثار اللمتين.

وذكر خاطر خامس وهو خاطر العقل متوسط بين الخواطر الأربعة يكون مع النفس والعدد لوجود التمييز وإثبات الحجة على العبد، ليدخل العبد في الشيء بوجود عقل، إذ لو فقد العقل سقط العقاب والعتاب. وقد يكون مع الملك والروح ليوقع الفعل مختارا ويستوجب به الثواب.

وذكر خاطر سادس وهو خاطر اليقين، وهو روح الإيمان ومزيد العلم، ولا يبعد أن يقال الخاطر السادس وهو خاطر اليقين حاصله راجع إلى ما يرد من خاطر الحق. وخاطر العقل أصله تارة من خاطر الملك، وتارة من خاطر النفس، وليس من العقل خاطر على الاستقلال، لأن العقل كما ذكرنا غريزة يتهيأ بها إدراك العلوم، ويتهيأ بها الانجذاب إلى دواعي النفس تارة، وإلي دواعي الملك تارة، وإلي دواعي الروح تارة، وإلي دواعي الشيطان تارة، فعلى هذا لا تزيد الخواطر على أربعة. ورسول الله صلى الله عليه وسلم لم يذكر غير اللمتين.

وهاتان اللمتان هما الأصل، والخاطران الآخران فرع عليهما، لأن لمة الملك إذا حركت الروح، واهتزت الروح بالهمة الصالحة قربت أن تهتز بالهمة الصالحة إلى حظائر القرب، فورد عليه عند ذلك خواطر من الحق. وإذا تحقق بالقرب يتحقق بالفناء فتثبت الخواطر الربانية عند ذلك كم

ذكرناه قبل لموضع قربه، فيكون أصل خواطر الحق لمة الملك، ولمة الشيطان إذا حركت النفس هوت بجبلتها إلى مركزها من الغريزة والطبع، فظهر منها لحركتها خواطر ملائمة لغريزتها وطبيعتها وهواها، فصارت خواطر النفس نتيجة لمة الشيطان، فأصلها لمتان وينتجان آخريين، وخاطر اليقين والعقل مندرج فيهما والله أعلم.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!