موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

كتاب الحكمة الإلهامية

ينسب للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

وهو لإسحق الحكيم الرومي

وفيه مقدمة طويلة في الرد على الفلاسفة، خصوصًا منهم أرسطوطاليس وابن سينا، ثم في تكفير من قال بوحدة الوجود من الصوفية، أما باقي الكتاب فهو على أربعة فنون: فـ1ـي أحوال تعم الأجسام، فـ2ـي أحوال العناصر وما يتكون منها من الحيوانات والنباتات الخ، فـ3ـي حقائق الأفلاك وحقائق الكواكب وكيفياتها وخواصها، [فـ4ـي الالهيات]؛ ويبدو أنه من تأليف بعض الحكماء من موالي الروم، في عهد السلطان سليمان القانوني (926 هجري -974/1520 هجري -1566)، وقد اعتنق والده الإسلام

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


[5] فصل في أحوال النبات :

واعلم أنَّ للنبات نفساً نباتية سميت بها ؛ لأنها هي التي تكمل النبات . وسميت قوة نباتية لذلك أيضاً ، وسميت قوة طبيعية ؛ لأنَّ أفعالها طبيعية . وهي قوة تصدر عنه حركات وأفعال مختلفة، وهي التي تكمل النبات وتبلغه غاية كماله : من النشء والنماء والتَّوليد لمثله . ولها قوى تخدمها في أفعالها : وهي قوة غاذية ، وقوة منمية ، وقوة مولدة . أما القوة الغاذية فهي التي بها تحيل النفس النباتية الجسم الغذائي الوارد على محله إلى جوهره ، فتلصقه به ، فيصير ذلك الملتصق بدلاً عمَّا يتحلل من جوهر المحل بالحرارة الحاصلة من حركاته الطبيعية والقسرية، والأهوية الملاقية .  ولها قوى أربع تخدمها في تغذيتها : قوة جاذبة وهي التي بها تجذب الجسم الغذائي أولاً من الخارج إلى نفس النبات ، ثم من موضع منه إلى آخر، إلى أن ينتهي إلى نهايات الأطراف . وقوة ماسكة وهي التي تمسك الجسم الغذائي في موضعه زماناً ، حتى تحصل فيه الاستحالة . وقوة هاضمة وهي التي تغير بها الجسم الغذائي ، وتجعله شبيهاً بالمغتذي . وقوة دافعة وهي التي بها تدفع الفضل الغذائي إلى خارج النبات، وتجعله قشراً ، فيكون ذلك وقاية له، وكذلك يكون قشر الأثمار والحبوب والبزور. وأم القوة المنمية فهي التي بها تجعل النفس النباتية النبات زائداً في الأقطار الثَّلاثة : الطول والعرض والعمق ، إلى أن يبلغَ غاية النشء زيادة تقتضيها طبيعة النبات ؛ فما دام النبات في النشء والنماء يكون الغذاء الوارد أكثرَ مما يتحلل ، وبعد بلوغه غاية النشء يكون مقدار ما يتحلل ، فإذا أخذ في الذبول والفساد بالتدريج يكون أقلَّ مما يتحلل، وذلك ينتهي بالتدريج إلى أن ينقطع . وأما القوة المولدة ، فهي التي بها تولد النفس النباتية مثل النبات الذي هي فيه ، وكذلك تولد بها ثمرةً وحباً وبزراً . فكما كانت النفس النباتية والقوى الثلاث المذكورة في النبات ، كذلك كانت في الحبوب والبزور، فيولد الحب والبزر بتلك القوى مثل النبات الذي تولد منه . والقوى المذكورة وغيرها من القوى والخواص الموجودة في الأجسام ، إنما حصلت فيه بأمر الله تعالى ، أي بقوله : "كن كذا وكذا " ... و"افعل كذا وكذا "... قالَ الله تعالى: ) إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ( .

فلكون الأمر كذلك ، عرَّف أفلاطون الطبيعة بأنها :" صناعة إلهية" . وعرَّفها بعض الفلاسفة بأنها : "قوة إلهية" أعطيت المادة ، وهي مبدأ حركة الجسم وسكونه بالذات . فالأول كان تعريفاً بالنظر إلى فعل الصانع فقط . والثَّاني بالنظر إلى فعل الصانع وفعل المصنوع، وكلاهما مُسَّلَمان عند الكلِّ من الفلاسفة . إلا أنَّ بعضهم اقتصروه على فعل المصنوع ، فعرَّفوه بأنها :"قوة في الجسم هي مبد حركته وسكونه بالذات" . فالنفس النباتية والحبوب والبزور في أفعالها بقواه الثلاث المذكورة إنما هي تابعة لإرادات النفوس الفلكية، وقوى الكواكب . فلذلك يكون أحوال النباتات والحبوب والبزور في قلتها وكثرتها ورداءتها وطيبتها ، بحسب أحوال الكواكب في سعودتها ونحوستها . فالنفوس الفلكية بواسطة قوى الكواكب الذاتية والعرضية ، تدبر أمور النباتات والحبوب والبزور: من التغذية والإنماء والتَّوليد وغير ذلك من كيفياتها وقواها وألوانها وحلاوتها ومرارتها وباقي طعومها...

فاعلم أنَّ العناصر الأربعة إنما هي مواد قابلة لتكونها ، وأنَّ النفوس الفلكية في تدبيرها بواسطة قوى الكواكب إنما هي أسباب ووسائط في فعله تعالى وتدبيره ، قالَ الله تعالى : ) اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ ( ، وقالَ تعالى: ) يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاء إِلَى الْأَرْضِ (، وقالَ: ) هُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء لَّكُم مِّنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ يُنبِتُ لَكُم بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالأَعْنَابَ وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالْنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالْنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الأَرْضِ مُخْتَلِفاً أَلْوَانُهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ (.

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!