كتاب الأجوبة العربية في شرح النصائح اليوسفية

للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

ويعرف هذا الكتاب أيضاً باسم: شرح روحية الشيخ على الكردى

أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ

فإذا اختلط الأمر على السالكين الذين لا يلتفتون عن يمين الطريق وشماله، يقول كل واحد منهم أنه محمدي، وليس كذلك، لأنه ما ورث من سيدنا محمد ما اختص به، وإنما ورث منه ما شُورك فيه واقتدى فيه بغيره، مثل قوله: ﴿أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ﴾ [الأنعام: 90]، وهو ما قرره في شرعه من شرع غيره عملاً، والكل يلزم الإيمان به، سواء نسخ العمل به أو لم ينسخ، فلا يفرق في الوراثة من هذا حاله بين شخص وشخص، ويلتبس الأمر، فإذا انكشف الغطاء، ورأى نوره ممتزجًا للاشتراك، ونور المختص خالصًا من الامتزاج، يعلم عند ذلك من أين أتى عليه، فيسعى يوم القيامة في نور ممتزج، وهو كان يظنه نورًا خالصًا، فبدا له من الله ما لم يكن يحتسب، وما كان هذا إلا من عدم التفاته، فلو التفت [رأى] الرقائق عنده من اليمين والشمال، إلى ما يناسبهما من الطريق المستقيم، فيعرف السالك ما وقع فيه الاشتراك، ويرى في طريقه ما لا رقيقة بينه وبين ما على يمينه وشماله، فيعلم أنه يمشي في طريق اختصاص، فينظر ما وقع فيه الاشتراك، من أي منبع من هذه السبل امتدت تلك الرقيقة؟ فيشاهد الأصل، فيسمى له، أو يرزق العلم فيراه إن كان نبيًا أو رسولاً أو حكيمًا، فيقول: إني ورثت فلانًا الرسول، أو النبي، أو الحكيم، من طريق سيدن محمد ﷺ في عمل كذا وكذا، ويعلم ما اختص به سيدنا محمد دون ما شُورك فيه، ولهذا جاء: «العلماء ورثة الأنبياء»، وما قال ورثة نبي واحد، فإن نبين عليه الصلاة والسلام جامع لشرائع كانت قبله، ويختص بشرع خاص له، فورثته من العلماء ورثة الأنبياء، فينبغي أن ينسب الوارث في المشترك إلى صاحب تلك الشريعة، وإن كان محمديًا حتى لا يخلط.

وأقل ما في المسألة أنه وإن كان تابعًا سيدنا محمد ﷺ من وجه، وهو وجه آخر وهو تعليمه إياه، فإنه عنه أخذه فقد ساواه من وجه آخر، وهو كونه اقتدى بالأول، كم اقتدى به رسول الله ﷺ وهذا شرف له كما يساويه فيما تعبده به فيما شارك فيه، كالصلاة والصيام والحج، وما خاطبنا بالعمل به مما هو عامل به، ونفارقه فيما اختص به صلى الله عليه وسلم دوننا، مثل نكاح الهبة وغيره، فقد ساويناه في أمر آخر، وله فضيلة التعليم علينا، وإنا ما استفدنا ذلك إلا منه، وهذا حكم آخر، فكما تعين علينا العلم بما يخصه مما لا نشاركه فيه لئلا نقع في محظور، كذلك تعين علينا أن نعرف من نرثه من الأنبياء في شرع سيدنا محمد ﷺ، لئلا نقع في جهل، والوقوع في الجهل أشد من الوقوع في المحظور، فإن الوقوع في المحظور دون الوقوع في الجهل وإن كان الجهل من المحظور، فإن الله تعالى أمرنا أن نطلب العلم بالنظر والسؤال فيما لا نعلم مَن يعلم.

وأما قوله: (فكن ذاكرًا في كل موطن لما وصيتك به) فهذا لا يصح، فإن الموطن حاكم بلا شك على كل من حصل فيه، يقول النبي ﷺ في موطن: «سحقًا سحقًا» وفي موطن آخر: يشفع ويتراضى ربه في أمته.