---

ويحترمه ويهابه غاية الهيبة

فقال: (ويحترمه ويهابه غاية الهيبة) يعني لمريدي شيخه، وعندي أن ذلك ينبغي أن يعامل به في جميع عباد الله، فإنه ما يدري متى تفجأهم رحمة الله، فيكتب في عليين في الحال بالحال، فمن الأدب مع الله احترام عباد الله، ولا ينظر إلى معصيتهم التي وقعت منهم، وليكره المعاصي لا العاصي.

وأما قوله رضي الله عنه: (ويكرمه فإن المريد إكرامه إنما هو لأجل الشيخ، ولكرامة عين تكرم ألف عين) يقول: لم قام الشيخ للمريدين مقام الحق في عباده، وجب عليهم أن يتحابوا في الله، أي: لأجل الله، لأنهم عبيد لسيد واحد، وهؤلاء أولاد دين واحد، فإن الله تعالى يقول: ﴿مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ﴾[الحج:78]، فسماه أبًا للمسلمين، وقال في المؤمنين: ﴿إِنَّمَ المُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾ [الحجرات: 10]، ولا يشك أن أبناء الأب أخوة بعضهم مع بعض، فإذا صحت الأخوة كانت الشفقة والرحمة، وإذا كانت الشفقة والرحمة كانت النصيحة، ولذلك قال رسول الله ﷺ «الدِّينُ النَّصِيحَةُ، قَالُوا لِمَنْ يَ رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ»، ولا شك أن جميع عباد الله مسلمون لله، لكن من طرق مختلفة، أل ترى المشركين كيف قالوا في آلهتهم: إنهم ما يعبدونها إلا لتقربهم إلى الله، فقد أسلموا نفوسهم إلى الله تعالى من طريق لا يرضاها الله، فوجب نصحهم بأن يتركوا [ذلك] الطريق إلى طريق ما شرع لهم، ألا ترى ما أحسن تربية الله تعالى عباده المشركين في التنبيه على غلطهم، بقول الله تعالى ﴿أَتَعْبُدُونَ مَ تَنْحِتُونَ﴾[الصافات: 95]، وقوله تعالى: ﴿أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ﴾ [النحل: 17]، وقوله ﴿قُلْ سَمُّوَهُمْ﴾[الرعد: 33]، فلا يمكن أن يكون في الرفق بهم من القادر عليهم، والتلطف وحسن الدعاء إلى الله تعالى، والتعليم أحسن من هذا اللطف الإلهي بهم.

فهكذا ينبغي أن يكون أهل الله من الرحمة  بعباد الله مطلقًا، فكيف [بالمؤمنين منهم فكيف] بمن جمع معهم على خدمة عالم بالله تعالى، يقول الله تعالى يوم القيامة: «أَيْنَ الْمُتَحَابُّونَ لِجَلَالِي الْيَوْمَ أُظِلُّهُمْ فِي ظِلِّي يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلِّي»، وقال بإيجاب محبته مثل هؤلاء، فقال في الصحيح «وَجَبَتْ مَحَبَّتِي لِلْمُتَحَابِّينَ فِيَّ، وَالْمُتَبَاذِلِينَ فِيَّ، وَالْمُتَجَالِسِينَ فِيَّ »، فأوجب على نفسه محبة أمثال هؤلاء،  ومن أخذ محبة الله من الله، بطريق الوجوب، أعظم منزلة [ممن] أخذها بطريق الامتنان، فإنه جامع لرحمتين من الله، فإنه برحمة الامتنان أحب في الله من أحبه، وبطريق م أعطته هذه الرحمة الامتنانية وجبت محبة الله له، فجمع بين الرحمتين، كل محب أحب في الله من أحبه.