موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

واعلم أنَّ بين كلِّ حرفين محيطين بطرفين وسائطَ هي في الأمرِ العليِّ تنزُّلاتٌ عليّةٌ، وفيما أظهرتُه الكلمةُ، واقتضتُه الحكمةُ تطوراتٍ كونيةً ينبئُ عنها حروفٌ يُفسّره كَلِمٌ يُفصّلها كلامٌ، وهي إمّا تنزّلٌ قائمٌ أو تطوّرٌ لتمامٍ كائنٍ مما اشتمل عليه نظامُ الحكمةِ المستندِ إلى ما يعبّرُ عنه «الثاء» كان من تنزّلها أو تطوّرِها، فأوّلُ متنزّلٍ دون ما يعبّرُ عنه منِ معناه [هو مما] ظهر له تمامُ معنى الثباتِ والدوامِ، وهو ما يعبّرُ عنه حرفُ الدالِ، وهو اسمٌ لمعنى الإحاطةِ العليّةِ المنبئِ عن معناها اسمُه الأوّلُ والآخرُ، والظاهرُ والباطنُ، الذي منه اسمُه الدائمُ، وكان خليفةً ببيانهِ متصلاً بالميمِ؛ لأنّه تمامُ تسبيبِ تثبتٍ وتدومُ عنده الثابتاتُ، ويكملُ ظهورُها، ثُمّ هو اسمٌ لكلِّ ما تمَّمنه ظهورُ الكائناتِ كأوّلِ المخلوقاتِ الأربعِ، وما ينشأُ في أثناءِ التطويرِ منِ مربعاتِ الأطوارِ المحيطةِ بأعمارِ ذواتِ الأعمارِ كالأسنانِ الأربعةِ، والفصولِ الأربعةِ التي بها قوامُ الأكوانِ، وإلى معنى منه الإشارةُ في قولهِ تعالى: ﴿ وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِّلسَّائِلِينَ ﴾ [فصلت:10].

* * *